معاناة صامتة، معاناة غير مرئية! 2*



بيان صالح
2020 / 5 / 22

دق جرس تلفوني , وما ان سمعت صوتها الحزين ,تعرفت عليه دون أن تقول من هي .هو نفس الصوت المليء بالحزن لا يخفي نبرة الخوف التي تتبدى للسامع ولو بعد زمن.
كانت تأتيني كثيرا لا لزيارة عادية بل لرغبتها في أن تتكلم عن معاناتها ,تأتي بتصورها المسبق إنها تملك اكبر المشاكل التي عاشتها امرأة في هذا العالم , وتحسب كما دائماً أن لا حل يلوح في الأفق في كل مرة تعود كي تشعر بالظلم أكثر من سابقتها .
إنها امرأة شرقية مسلمة, ظنت أن هذا سبب لما تشعر به , تساءلت أكثر من مرة لي ,هل لأني جميلة و جذابة كما يقال عني أتعرض للعنف.؟
- نعم أنا اجتماعية وأحسب أني شخصية محبوبة ,أهو سبب آخر لما أشعر به ؟
و في ذات الوقت تكمل حديثها غير أني مليئة بالنشاط و الحيوية و التفاؤل وأحب أن أعيش هذه الحياة بعيد عن المشاكل والهموم فما زال لدي الكثير كي أعطي.
وأكملت تسهب في الحديث عبر مكالمة لم أشعر بطول دقائقها التي مرت وأنا أصيغ السمع لها. – قالت : بأنها مكتئبة جدا و لم تنام الليلة السابقة ولو لدقيقة واحدة و إنها ترغب أن تبكي بكل جوارحها وبأعلى صوتها .
كم كان ثقيل عليها ما تحمل من مشاعر الإضطهاد التي تعاني منه ,فما كان مني إلا و دعوتها أن تأتي و نتمشى قليلا في الهواء الطلق عبرت لها عن رغبتي أن نستكمل الحديث سوية عل الفضاء الخارجي يطفي قليلاً من الهدوء على نفسها الكئيبة كما وصفت .ويبدو إنه لم يكن سهل عليها أن تغادر البيت التي اعتادت على جدرانه الأربعة التي تسمع معاناتها بصمت .
بعد محاولة كبيرة منى للخروج من بيتها وافقت ان تأتي لنخرج قليلا .
ليست مشكلتها غريبة أو بعيدة عن مشكلة العديد من النساء المسلمات والعربيات عموماً يحضرون أزواجاً في شكل أسر تبدو إنها مستقلة ومستقرة لتكتشف المرأة أن التغير لا يلبث أن يظهر على سلوك الزوج فمن الانفصال الجسدي إلى الانفصال الروحي والبعد عن الحياة الزوجية المشتركة قليلاً قليلاً, لكن ولغايات الاستفادة من الدعم المادي للاجئين , وأمام الدولة وللأسف كثيرا من هذه العائلات الشرقية و اللاجئة(كذلك عوائل دانمركية) تقوم بالانفصال الرسمي للاستفادة من دعم مالي أكثر من قبل الدولة و لكن في الواقع العائلة لم تنفصل بل يعيشا معا (ومن الممكن هما يعيشان معا في بيت واحد و منفصلا روحيا و جسديا و لا يربطهما أي علاقة إنسانية سوى وجود الأطفال أو ضرورة النمط الاجتماعي وهذا هو حال محدثتي السيدة التي على الورق هي متزوجة وتقيم في البلد منذ أكثر من 15 سوات.)
هي لم ترغب بالانفصال عنه في البداية ولا اعرف هل كان ذلك بدافع الحب او فقط لأنها عاشت معه لفترة طويلة و تعودت عليه أي بسبب المعاشرة و تحت ضغط المجتمع والعائلة .
لكن الزوج ضغط عليها بانفصال رسمي ربما كي يتحرر قانونيا من أي التزام و العيش في عنوان أخر .لحد الآن هذا طبيعي ولكن المشكلة تكمن بان الزوج لا يرغب ان ينفصل عنها شرعيا و انها امراة مسلمة و مقتنعة بالزواج و الانفصال الشرعي.
زوجها يسافر كما يشاء إلى الدول العربية و والمرأة سمعت من الآخرين بان زوجها متزوج من غيرها هناك و له أيضا أطفال من الأخرى .
طلبت منه الانفصال شرعياً بوجود إمام (ملة) في الدانمرك ولكن الزوج يرفض مستخدماً الحق الألهي له كرجل أن تبقى على عصمته ليس حباً لها بل كي لا تذهب إلى غيره وهي بحسب فهمه وتفسيره للدين إنها ملك له يعتقها من عصمته متى يشاء.هذا و يقول لها مبدياً حجته أنت تحت نكاحي وليس لك الحق أن تفكري ان تتزوجي مرة أخرى .
حاولت بكل الطرق الانفصال الشرعي ,لكنها تصطدم اليوم بمشكلة أخرى أين تذهب من مفاهيم عائلة تعتبر ان زوجها على حق وربما أن أخوتها من الذكور يقاسمون الزوج رأيه ويحملون أختهم عبء مشاكل الزوجية . فقد كانوا يقنعونها ان تستمر هكذا مع زوجها و اعتيادي انه تزوج من امرأة أخرى و هذا حلال في الإسلام .
تعيش هذه المرأة مأساة يومية من الحرمان العاطفي و الجسدي و الحب و العائلة و هي تسمع بان زوجها ينتقل من مكان إلى أخر له زوجة و له أطفال و هي أسيرته و كثير من الأحيان يهددها إذا أرادت أن تسافر إلى أهلها وبدون أذنه عليها أن لا تنسى أنه صاحب القوامة عليها .
كانت تحكي لي بأنها مصابة باكتئاب شديد و قلة النوم و فقدان الشهية و الخوف الدائم من ملاحقة زوجها و والإحباط الدائم بأنها غير مرغوبة من قبله . لدرجة إنها كثيراً ما تشعر و تحس بانعزال كاملة عن محيطها الاجتماعي كما يصور لها .

طلبت منى أن أساعدها لكي تسيطر على خوفها و جبنها ( حسب تعبيرها) ,و قالت لي إنها تعرف الحقيقة بأنه ليس من المفروض أن تخاف ويجب أن تكون جريئة و لكن كانت ترجع و تبكي وتشعر بأنها ضعيفة جدا و لا تستطيع مقاومة سطوة جلادها الذي ما زال زوجها .
الشيء الأول الذي ركزت عليه معها بداية أن أدخل إلى قلبها الطمأنينة إنها إنسانة طبيعية و ليست مريضة و لكن بحكم كل هذه المشاكل والضغوطات التي تمر بها تشعر انها غير طبيعية ومختلفة عن غيرها من النساء (وخاصة أن أبنائها يقنعهم الأب بصوابية سلوكياته وان من حقه شرعا ما يقوم به وبحكم تربيتهم الشرقية ) قد باتوا مقتنعين ان والدهم على حق وأفضل من ان يرتكب الزنى حسب ما يفهمهم ذلك ,
وقلت لها حتى شرعيا زوجك ملزم ان يؤدي واجباته الزوجية و لكنها كانت تخجل أن تتكلم مع الإمام و الآخرين بهذا الشئ .
لقد طلبت منى إن أرشدها إلى طبيب نفساني يتكلم لغتها ولكن للأسف من الصعب الحصول على طبيب يتكلم لغتها هنا وهذه مشكلة أخرى ربما تواجه العديدات من النساء الأخريات .
وطبعا هذه المرأة ليس الوحيدة التي تعاني تلك المعاناة الصامتة داخل الأسرة و بالإضافة إلى ما تعاني منه الجالية الاجنبية (سواء المرأة و الرجل )في تلك الدول الغربية من التعامل العنصري نتيجة المد العنصري داخل المجتمع (هذا بحث أخر ولا أود التطرق أليه ألان )
وبعد عدد من الجلسات و الاستماع إليها و تهدئنها بان ما حصل لها ليس هي السبب فيه لكن الأمر متعلق بعقلية زوجها و البيئة التي يعيش فيها و الدين الذي بسمح له بالزواج بأكثر من امرأة .
و طرحت بان حل المشكلة لا يكون عن طريق الحل الفردي ,نحن نستطيع عن طريق المنظمات النسوية أن نجمع عدد من القضايا المشابهة و طرحها أمام الجهات المعنية بان يجبر الرجل في حالة الانفصال الرسمي أن ينفصل أيضا شرعيا و بوجود إمام إسلامي و بهذا يكون بإمكان المرأة أن تحصل على حريتها شرعيا و رسميا .
وطبعا هذه القضية ليست بالأمر السهل و إن تلك النساء تعرضن لحالة الخوف و عدم الأمان و فقدان الجرأة لتقديم أسمائهن و مشاكلهم لمنظمات نسويه و ذلك خوفا من تعرضن للملاحقة و التهديد سواء من قبل الزوج أو الأسرة أيضا.
ما زلنا حتى الآن بصدد حل المشكلة قانونيا و هذا يحتاج إلى وقت و جهد كبير لكنه بالتأكيد أقل من الجهد الذي علينا جميعاً أن نبذله لتغيير عقلية السطوة الذكورية المغلفة تارة بالدين وتارة بالشرق وتارة أخرى وليست أخيرة بمفاهيم الرجولة المهدورة على ضفاف حرية لا تعرف من حقوق الإنسان إلا القليل القليل .

* عملي كمسئولة مشروع دعم النساء الاجنبيات اللاجيئات في الدنمرك في احدى المناطق السكنية و الجزء الأكبر من العمل هو ارشاد المراة الاجنبية ومساعدتها في مشاكلها العائلية والاقتصادية ,السكنية ,القانونية .