دور العمل اللائق في التنمية ودعم المرأة



عبد الحميد ملكاني
2005 / 1 / 9

في ظل الاقتصاد العالمي المتسم بانفتاح الأسواق العالمية وتداعياته فإن الحاجة ماسة إلى دعامة اجتماعية تمكن جميع الناس للتعبير عن رأيهم وتمتعهم بالحرية ليصلوا بعده إلى توفير العمل اللائق لهم جميعاً الذي أضحى مطلباً عالميا لكافة المجتمعات.
وإزاء المتغيرات الدولية والتحولات الاقتصادية، كان لابد لمنظمة العمل الدولية التي تتمتع بالتمثيل الثلاثي والتي تعنى بالمسألة الاجتماعية وتحقيق توازن بين الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية تسمح للدولة بالتدخل لإيجاد هذا التوازن حرصاُ على تحقيق المصلحة العامة.
ولقد برز دور المنظمة في تقوية الإرادة السياسية لدى أطراف الإنتاج الثلاثة للوصول إلى حلول وسط معتدلة متوازنة والنهوض بحسن سير التعاون الثلاثي على المستوى الوطني بتعزيز الديمقراطية ووضع إطار اجتماعي لعولمة الاقتصاد.
ولقد أكد مؤتمر القمة الاجتماعية عام 1995 ومؤتمر سنغافورة الوزاري عام 1996 عل أن منظمة العمل الدولية هي الهيئة المختصة بوضع معايير العمل الدولية ومراعاة المبادئ والحقوق الأساسية في العمل مما جعلها تبحث عن الإصلاح والتحديث للتلاءم وتتعامل مع المتغيرات فانصبت برامجها الرئيسية ونشاطاتها على أربعة أهداف استراتيجية هي إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل باتفاقياته الثمانية والعمالة الكاملة للاقتصاد المنظم وغير المنظم وتعزيز الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي بما يؤدي إلى الاستقرار الاجتماعي وتعزيز الحوار الاجتماعي بما يدعم التوجه الديمقراطي.
ولقد تغيرت الأسس التقليدية لأنشطة منظمة العمل الدولية بتأثير الاقتصاد العالمي الناشئ والذي نجم عنه تغيرات طرأت على أنماط الاستخدام وأسواق العمل وعلاقات العمل فأثرت على منظمة العمل الدولية التي هي مصدر السياسة الاجتماعية على المستوى الدولي فكان لابد لها من التعامل مع النظام الجديد للعالم فحددت أولويات جديدة تتلاءم مع الاحتياجات المعاصرة المتغيرة فتوسع أنشطتها وتركز برامجها ليشمل الاقتصاد بكامله وتسعى لإيجاد هدف واهتمام مشترك للشركاء الاجتماعيين يقوي ويوسع مجالات التفاهم فتناضل المنظمة من أجله وهو:
" تحسين وضع البشر في عالم العمل بالعثور على فرص مستدامة للعمل اللائق بتعزيز فرص حصول المرأة والرجل على عمل لائق ومنتج في ظل ظروف توفر لهم الحرية والعدالة والأمن والكرامة الإنسانية ".
بما يؤدي إلى الاهتمام بجميع العمال في القطاع المنظم وفي الاقتصاد غير المنظم بتعزيز القدرات الشخصية للناس ليؤمن لهم معيشة لائقة من خلال أهدافها الاستراتيجية الأربعة بأسلوب متوازن ومتكامل وخلق الإحساس بوجود هدف مشترك لدى أطراف الإنتاج الثلاثة.
ومن أجل حصول المرأة والرجل على عمل لائق ومنتج في ظل ظروف توفر لهما الحرية والعدالة والأمن والكرامة الإنسانية فإنه يترتب على أطراف الإنتاج الثلاثة مهام فعلى الحكومات أن تكيف الاقتصادات الوطنية مع ما فرضه التغير العالمي وتكييف تداعياته مع احتياجات المواطنين وتغيير نمط التنمية من خلال تحويل مسارات النمو الطويل إلى مسارات مرنة توزع الدخل بما يؤدي إلى تضييق التفاوت بين الدخول بما يحقق الاستقرار الاجتماعي وما يستتبع ذلك من إجراءات ومبادرات.
أما بالنسبة لمهام لأصحاب العمل فإنه يقع على عاتقهم تحسين ظروف عمل الأيدي العاملة في القطاع المنظم أو الاقتصاد غير المنظم وتعزيز الحوار الاجتماعي على كل المستويات بما يؤدي إلى الاستقرار الاجتماعي أيضاً والمشاركة مع طرفي الإنتاج الآخرين في وضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والعناية بالتدريب على اختلاف أشكاله لتنمية مهارات الطبقة العاملة والالتزام بتنفيذ الأهداف الاستراتيجية لمنظمة العمل الدولية وما تتطلبه من أعمال وإجراءات.
وعلى اعتبار العمال هم أصحاب المصلحة الحقيقية بتوفير العمل اللائق لذلك لابد لمنظماتهم من اتخاذ تدابير واجراءات تساعد على ذلك بتعزيز هيئات وآليات الحوار الاجتماعي وبرمجة سياسة نقابية لهذا الغرض، والعمل على الارتقاء بالوعي النقابي للدفاع عن مصالح العمال وتنويع أنشطة النقابات العمالية على المستوى الداخلي والخارجي واهتمامها إقامة شبكات للمعارف والمهارات تشمل القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وفي الحقيقة فإن العمل اللائق هو برنامج سياسي عملي ذو صلة بجميع الدول، ومن الطبيعي أن لا تتساوى الدول في تحقيق الظروف المطلقة ذاتها، ولكن على كل بلد أياً كان مستوى التنمية فيه أن يحدد أهدافه الخاصة للحد من عجز العمل اللائق وما يجب وضعه في الاعتبار هو الظروف والإمكانيات الخاصة بهذا البلد أو ذاك، ومن الطبيعي أن يدعم المجتمع الدولي هذه الجهود.
ولقد اكتسبت رؤية منظمة العمل الدولية للعمل اللائق دعماً عالمياً في عدد كبير من المحافل الدولية وهيئة الأمم المتحدة ووكالاتها.
ويعتبر الوصول إلى تحقيق العمل اللائق طريقة للتعبير عن أهداف التنمية من خلال النواحي الاجتماعية والإنسانية لأنه يهدف إلى إدخال تحسينات في نوعية حياة الإنسان بكل جوانبها.
وإذا كان العمل اللائق ضروري تحقيقه للجميع فهو بالنسبة أكثر ضرورة بسبب الظروف التي تعيشها، لذلك يجب أن نبذل جهوداً مضاعفة لا يصال المرأة إلى العمل اللائق منطلقين من أي استبعاد أو تمييز للمراة والاعتراف بمساواتها للرجل قولاً وفعلاً، وعلى هذا الأساس فلابد من العمل على تطوير قدراتها بشكل مخطط ومدروس بإزالة الحواجز والعوائق في وجهها وتشجيعها ومساعدتها.
وأخيراً لابد من وضع سياسات وإنشاء مؤسسات تزرع قيم العمل اللائق في
الاقتصاد العالمي.