أية تغيرات قدمها الربيع العربي للمرأة؟؟



أسماء صباح
2012 / 2 / 20


من الواضح والجلي ان اهداف الثورات العربية التي بدأت منذ عام تقريبا بدأت من اجل تغيير الواقع العربي، ومن الواضح ايضا ان هذه الثورات قد تأتي بتغيرات اجتماعية وسياسية مهمة في تاريخ الامة العربية المعاصر.
ان الشعوب العربية التي عاشت هذه الثورات باسباب فشلها ونجاحها واحزانها وافراحها كانوا يحملون نفس الطموحات المشروعة التي تسعى للحرية والكرامة والمساواة والمواطنة الحقيقية في ظل دولة عادلة.

لقد حدث بعض التغير فعلا في البداية من خلال كسر حاجز الخوف وبدا ذلك ظاهرا عندما خرجت الملايين تطالب بحقها في الحياة الكريمة ومحاسبة الظالمين والجناة بحق الشعوب.
هذا وقد صدمت تلك الثورات الرأي العام الدولي وأجبرته على أعادة التفكير في الاهتمام في قضايا المنطقة التي كانت طوال الوقت تعيش على هامش تاريخ الديمقراطية، هذه الثورات ادت الى زلزلة النظم السياسية العربية والاجتماعية كذلك حيث كان النظام الابوي متوغل واهتز قليلا بعدما فقد الامل في التخلص منه.

لقد انتجت الثورات العربية نساءا مشاركات وبقوة في التظاهرات بعد ان كانت تعتبر كائنا غير مرئي وصامت وتابع للرجل في كل الاحوال، الا ان النساء خرجت من قوقعة الصمت وشاركت في قلب الحدث ولعبت دورا اساسيا في التعبئة السياسية لهذه الثورات.
لقد افرزت هذه الثورات جيلا من النساء تميزن في مجال السياسة وشاركن في صناعة الحرية والسلام لأوطانهن مثل اليمنية توكل كرمان وغيرها من العربيات ذوات الايادي البيضاء على الثورة.

لقد هزت المرأة العربية بثورتها قلب الاستبداد والطغيان وحطمت الاساطير القديمة بما في ذلك الاسطورة القائلة بأن النساء ليس لهن حول ولا قوة وهن الضحايا دائما ومتفاعلات سلبيات مع كونهن تابعات ومستعبدات.
ان الصورة والضجيج التي اثارتها على مدى عقود وسائل الاعلام حول المرأة العربية والمسلمة، كان قد ساهم في زيادة سوء وضعها وتاخر تحررها، هذه الاحداث ادت الى بناء مخيلة لصورة لا تمحى تمثلت بالمرأة العربية والمسلمة وجعلت صورتها السلبية راسخة.

الا انه بقصد او عن دون قصد وعند الحديث عن المعاناة والتمييز التي تعاني منها المرأة العربية ينسى المتحدثون الاشارة الى ان هناك ثقافة عالمية للتمييز ضد المرأة، فاضطهاد النساء عالمي وليس متعلقا بمنطقة جغرافية محددة.
هذا ولم تولد الثورات العربية قيادات نسائية ولكن القيادات النسائية سبقت الثورات في نضالها منذ عقود من اجل نهضة المرأة والأمة العربية، وقد شاركت المرأة في جميع المجالات على الرغم من ان مشاركتها لم تكن تثير اهتمام الاخرين الذي يسعون الى تهميشها، وعلى الرغم مما حققته المرأة في نضالها الطويل الا انها لا تزال في الغالب رهينة الثقافة والمجتمع الابوي الذكوري الذي يكون مدعما من خلال التمييز الديني.

ان غالبية النساء المتعلمات يجدن انفسن يعاملن وكأنهن اقل قدرا من الرجال بسبب التقاليد الثقافية السائدة، ويروج لهن الذكور الحداثة بانها طريق للتحرر الكامل الذي يؤدي الى مفسدة كبرى في المجتمعات، في حين تسعى بعضهن الى الحداثة مع المحافظة على القيم الروحية الدينية.
وهذه هي المعضلة التي تعيشها النساء المسلمات اليوم وهي التوفيق ما بين التحرر والحرية والايمان والروحانية في الوقت الذي يرى رجال الدين في هذا تعارضا مع مباديء الشريعة الاسلامية.

ومع هذا الصراع بين الروحية والتحرر المنتشر بشكل كبير والذي يروج له رجال الدين الذكور الا ان الرسالة الروحية للاسلام لم تكن ابدا على خلاف مع الحرية في كونها هدفا لكل بني الانسان، وعلى العكس من ذلك فان بعد الحرية والتحرر كان في صلب هذه الرسالة السماوية، وان هذا الجدل الذي يثيره الاخرون عن تضاد بين الاثنتين ما هو الا سوء تفسير للنصوص.
فمفاهيم كالحرية والتقدم والعقل ليست حكرا على الحضارة الغربية فحسب، الا انها مفاهيم متأصلة في ثقافة عالمية ينتمي اليها البشر بشكل جماعي، والحداثة لا تعني قطع العلاقة بين الماضي والحاضر بل على العكس من ذلك انها جاءت لتعزيز العلاقة بين الجزئين، الا ان البعض يريد فرض استعباد النساء وقهرهن من خلال اطار مقدس فيلجأ الى الدين وتفسير النصوص المقدسة على هواه ولتحقيق اهدافه.

لقد خلقت الثورات العربية جيلا ثالثا من النساء وهن اولئك الواتي يردن الجمع بين انتماءاتهن الروحية والحداثة ومعرفة مسؤلياتهن والمطالبة بحقوقهن، ويرين بان الحداثة والروحانية يسرن جنبا الى جنب وبان الروحانية بلا حداثة تكون غير واقعية والحداثة بدون روحانية تخلو من الروح والاهمية.
لكن المحزن في هذه الثورات هو النتيجة الظاهرة حتى الان والتي تفيد بعدم تحقق الديمقراطية ولا احقاق حقوق المرأة.

وترى المرأة ان التاريخ يعيد نفسه فهن لم يكن افضل حال عندما قامت الثورات العالمية الكبرى مثل الثورة الروسية والفرنسية فقد وجدن انفسهن على الهامش، فماذا نتوقع من ثورات العالم العربي الذي يتسم بمستوى عال من التحكم الذكوري؟.
ان ما تحتاجه المرأة العربية قبل بالتوازي مع الاصلاحات السياسية اصلاحات دينية وثقافية اكثر جدية تسعى من خلالهما الى الحصول على المساواة في كافة المجالات.