هذا ليس زمن الحَرملِك يا مجلس السلاملِك



حنان بديع ساويرس
2012 / 3 / 1

قديماً كان العُثمانيون يُقسمون منازلهم من الداخل ، قسم أو "طابق" يطلقون عليه "الحَرملِك" وهو القسم المُخصص للنساء ويكون فى الغالب بالطابق الثانى للمنزل وقسم آخر يطلقون عليه "السلاملك" وهو مُخصص للرجال وإستقبال الضيوف منهم ، أو بأكثر دِقة " مجلس الرجال" و السلاملك والحَرملِك هم جُزء أساسى فى عمارة العصر العُثمانى ، فيبدوا أن الأغلبية المُكتسِحة للبرلمان من الإخوان المُسلمين والسلفيين والذين حصلوا على نصيب الأسد به يُريدون أن ينتهجوا هذا المنهج "العُثملى" ويقتدون به لذا فقد جعلوا من مجلس الشعب قسم "سلاملك" أى "للرجال فقط "وقسم "حرملك" أى لا يعلو صوت المرأة فيه حتى يصل صوتها التى هو فى الأساس "عورة" أقول حتى لا يصل إلى محفل الرجال فى "السلاملك" فصحيح أن مجلس الشعب الجديد يوجد بين أعضاؤه " سيدات " وصحيح هم مازالوا يجلسون فى نفس القاعة الذى يوجد بها الرجال بالمجلس بمعنى أننا نشكر الله أنهم إلى الآن لم يفصلوا بينهم فى المجلس مُخصصين قاعة للرجال وقاعة للسيدات ،لكن ليس ببعيد أن نراهم فى الأيام المُقبلة يطلبون من العضوات الجلوس "بالحرملك" أقصد فى الدور الثانى أى "البلكون "وأن لا تعلو صوت إحداهن ولا سيما أنه قد صرح أحد الفُصحاء من قبل أن وجود المرأة بالبرلمان "مفسدة" فلا أدرى من أين أتى هذا الفصيح بهذا الرأى العجيب فهل هذا على أساس أن نساء شارع الهرم قد رشحوا أنفسهم بالبرلمان !!! أم أن قائل هذا الرأى سوف لا يُركز فيما يقال بالبرلمان لكنه سيركز فى مفاتن عُضواته!!

فغريب أمر هؤلاء فلا يُضيعون لحظة واحدة هباءً بل يَصِلون لمآربهم بأقصر الطرق فلم يُمهلونا وقتاً كافياً كى نتأقلم على وجودهم المُفاجئ بعد الثورة أى رويداً، رويداً علينا كلا، بل مُنذ أول جلسة لهم بدأوا بالكشف عن نواياهم تجاه المرأة والأقباط ، فقد إستضافت الإعلامية هالة سرحان ببرنامجها "ناس بوك" النائبة القبطية المُعينة بالبرلمان من قِبل المجلس العسكرى "ماريان ملاك" وقد صرحت ماريان أنه قد تم إقصاؤها كإمرأة من لجنة "تقصى الحقائق" وأكدت أنه تم إقصاء جميع النساء من هذه اللجنة رغم أنه لابد أن تكون هناك إمرأة على الأقل فى هذه اللجنة كما أقر أحد الحاضرين بنفس الحلقة أنه إحقاقاً للحق أن صبحى صالح العضو عن حزب الحرية والعدالة طلب ضم الدكتورة سوزى فى ذات اللجنة لكن التصويت لها كان أقلية وبعد ذلك قاموا بترشيح ماريان بدلاً منها وكان التصويت أيضاً لها أقلية !! وهذه ليست بمُفاجأة لنا بل لو كان حدث غير ذلك لكان هذا هو الحدث الأغرب فهذا ما كنا نضعه فى الحسبان ونتوقعه وهو طالما أن البرلمان مُعظم أعضاؤه من الإخوان والسلفيين فلا ننتظر إلا ذلك وهو إستبعاد المرأة فى أى دور فعال بالمجلس ولا سيما إن كانت إمرأة ومسيحية فى نفس الوقت ، فوجود المرأة بالبرلمان مفروض عليهم لذا ستكون المرأة بالبرلمان فى ظل سطوتهم عليه ديكوراً أو "كِمالة عدد" * أما عن طلب صبحى صالح بأن تضم اللجنة إمرأة قبطية فأعتقد أن هذا من باب " سد الخانة" كما يُقال وهذا على أساس أن يظهروا لنا بمظهر الديمُقراطيون وأنهم لا يُميزون بين فصيل وآخر فينتهى الأمر لناظره وكأنه فى منتهى التحضر وأن الديمُقراطية " الله يجازيها" هى السبب فهى من أستبعدتهن بعد تأييد وتعضيد الإسلاميين لهن ، وأن إستبعادهن ما هو إلا إحتراماً لرأى الأغلبية وبالتالى وبهذه الطريقة المُقنَعَة لا ننتظر من المجلس الموقر أن يسمح للمرأة والأقباط التدخل فى الأمور الحيوية أوالشئون المصيرية حتى لو كانت فى صُلب إختصاصاتهم لأنه من المُستحيل أن يصوت لهم أغلبية فى هذا المجلس ، لذلك أقول أن الديمُقراطية منهم براء " كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب"

* والجدير بالذكر أن الكتاتنى عضو حزب الحرية والعدالة ورئيس مجلس الشعب قام بإستبعاد
الدكتور إيهاب رمزى من لجنة تقصى الحقائق والتى تخص أحداث القديسين وماسبيروا ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبالمناسبة هذه اللجنة يرأسها وكيل المجلس أشرف ثابت وهو الوكيل السلفى فقد تم إستبعاد الأقباط والمرأة من هذه اللجنة التى من مهامها التقصى عن حادث القديسين وماسبيروا فلا أدرى كيف ستكون النتيجة مُحايدة ورئيس لجنة تقصى الحقائق نائب سلفى بالإضافة إلى أنه لا يوجد بها قبطى واحد فلا تعليق !!!
* فقد قالت النائبة ماريان لهالة سرحان أن المجلس أقصى المرأة بصفة عامة وأنا أريد أن أسأل هل كان إقصاء ماريان لأنها إمرأة فقط أم لأنها مسيحية وهل يختلف الأمر لو كانت المُرشحة مكانها نائبة مُسلمة أم نعتبر أن ما حدث أيضاً مع د. إيهاب هو إقصاء للأقباط بوجه عام ؟؟؟ فنستطيع أن نقول بلا تردد وبكل ثقة أن أول القصيدة كُفر وأول الغيث قطرة وبعد ذلك ستهطل على رؤوسنا السيول.
* الجدير بالذكر أيضاً أن الفنانة هند عاكف قامت بتقديم بلاغ ضد الدكتور محمد بديع المُرشد العام لجماعة الإخوان المُسلمين تتهمهم فيه بإزالة جميع دعايتها الإنتخابية من منطقة المقطم كلما قام مُساعديها بإلصاقها كما قاموا بترويع وتهديد الشباب المسئول عن حملتها الدعائية لخوضها إنتخابات مجلس الشورى ، فبالطبع هند لها شعبيتها كفنانة ويخشون مُنافستها لهم ولأنها إمرأة فالمفروض عليها أن لا تتجرأ وتُنافس "معشر الرجال" فلم يكتفوا بإستحواذهم على غالبية مقاعد "مجلس الشعب "بل يُريدون الإستحواذ أيضاً على "مجلس الشورى" وبعد الشورى سيتفرغون للوصول لكرسى الرئاسة وستكون خطتهم القادمة هى " كيف تصبح رئيساً لمصر وأنت إخوانجياً أوسلفياً" ، فلا تعليق سوى أن أقول لهم" يا جماعة الطمع يقل ما جمع" "أرحموا بقى وسيبوا حاجة لغيركم" فلم تُلاحظون أنكم مُنذ البداية أصبحتم منبوذون ولا سيما من القاعدة الرئيسية "بميدان التحرير" الذى لولا ثواره ما كُنتم تتربعون الآن على مقاعد المجلس وما كنتم تنعمون بالنوم الهادئ العميق الذى رأيناكم عليه من أول جلسة بعد أن فضحتكم عدسات الكاميرات ، فأنا لا ألوم عليكم نومكم بالمجلس من أول جلسة لأنه من الواضح أن هذا من جراء تعبكم الشهور الماضية فى الحرب الإنتخابية ولا سيما إرهاقكم فى شراء السلع التموينية وتوزيعها على الفقراء المُصوتون لكم فشئ طبيعى بعد كل هذا العناء أن تخلدون للراحة بعد هذا الشقاء فهذه الثمرة الطبيعية التى يجب أن تحظون بها بعد رحلة الكفاح هذه، بجد بجد بتتعبوا كان الله فى العون.

وعلى نفس نهج المجلس فى حَجب المرأة " بالحَرَملِك" وربما بعد ذلك تجميدها كما سبق وأن قاموا بتجميد مُحافظ قنا القبطى وطبعاً نحن فى فصل الشتاء وحل التجميد صعب جداً لذا فعلينا فى هذه الحالة أن ننتظر لحين إشعاراً آخر وفى الغالب سننتظر إلى ما لا نهاية لأنه لن يأتى هذا الإشعار إلا بكارثة جديدة، أقول قد نشرت جريدة الدستور مُنذ أيام قلائل خبر تحت عنوان "قرار بمنع دخول السيدات بمبنى مجلس الدولة بالمنوفية" ويقول الخبر:
*قرار غريب أصدره المستشارمحمد شفيق مفتش فرع مجلس الدولة بالمنوفية بمنع دخول السيدات المبنى الإداري الجديدلمجلس الدولة بالمنوفية، حيث نظمت ظهر اليوم الأحد أكثر من 60 سيدة من موظفات مجلسالدولة بالمنوفية وقفة إحتجاجية أمام مبنى المجلس القديم بالمنوفية إعتراضاً علىعدم نقلهن للمبنى الجديد مع زملائهم في العمل وجعل العمل للرجل فقط حسب قرار المفتشالذي زعم بعض السيدات أنه سلفي ولا يريد الاختلاط.
وبدون الخوض فى التفاصيل أكد الخبر أن هذا القرار العنصرى أدى لتكدس العملبحسب كلام المعتصمات، الموظفات اكدن أن من بينهن سيدات على الدرجات الوظيفية الثانيةوأكفأ من الرجال ورغم ذلك تم منعهن بحجة أن المبنى الجديد للرجال فقط وأن السيداتسيبقين في المبنى القديم ولو بدون شغل، علماً بأنه لا يوجد قرار رسمي بمنعهن وتعجبن كيفيأتي رجل ليس لديه أي مؤهلات وظيفية ويقتنص وظيفة سيدة أكفأ منه بحجة أنها سيدة ولايجوز أن تتواجد مع الرجال بحسب كلام الأمين العام.
* لاحظوا معى جملة أن المبنى الجديد "للرجال فقط" وأن السيدات سيبقين فى المبنى القديم ولو بدون شغل" فلا أعلم هل المبنى الجديد لمجلس الدولة بالمنوفية الذى سيخلو من المرأة ،أم أن الدولة الجديدة أى "مصر مع الإخوان والسلفيين"هى التى ستخلو من المرأة وستصبح "للرجال فقط"ولن أتطرق فى حديثى عن إهدار حقوق المرأة وقهرها بجعل من هم أقل منها كفاءة من الرجال يحتلون مناصبها ويستحلون حقوقها ولن أتحدث عن تبعات ذلك على مصر عامة بخسارتها لكفاءة المرأة فى شتى المجالات لكن أريد أن أقول أن المرأة وقفت كتفاً بكتف بجوار الرجل فى ثورة يناير وما بعدها من مسيرات وإعتصامات والمرأة قدمت شهيدات كما كان هناك شهداء ، والمرأة سُحلت وتعرت وتحملت ما لا يتحمله الرجال من ضرب وإهانة وسب بأبشع الألفاظ ،والمرأة هى من كانت تقف فى طوابير طويلة للتصويت لمن يُريدون الآن إقصاءها بالبلدى كدة "ركنها على الرف " فقد أدت الغرض المرجو منها "وسعيكم مشكور" فكم رأينا من مُنتقبات ومُحجبات يقفون فى طوابير الإنتخابات بالساعات الطويلة بلا كلل أو ضجر من أجل عيون نصرة " حزبى الحرية والعدالة الإخوانى والنور السلفى وحينها أصبح صوتها "العورة" ليس بعورة وذو قيمة فى التصويت لكم وبعد أن وصلتم لما وصلتم إليه بفضل المرأة كان هذا هو جزاؤها ولم يعد لصوتها قيمة أوحق فى أن يعلو فى لجنة لتقصى الحقائق ولا سيما فى حضرة "سى السيد "، فلا أعرف أيضاً إلا متى سنحتمل هذه المُهاترات من بعض المسئولين فكل ذى منصب يفعل الآن ما يشاء وكأنها أصبحت "تكية" فما حدث من المسئول "بمجلس الدولة" ما هو الا مشهد مُصغر لما يحدث وسيحدث "بمجلس الشعب"
عموماً قرائى الأعزاء حتى لا تُصابون بالهلع ، قد قيل أنه تم إلغاء هذا القرار الغير مسئول بعد إعتصامات الموظفات والضغوط الإعلامية على من أصدر القرار لكن فى النهاية هو مؤشر خطير لما قد ستحمله الأيام لنا من عجائب آخر الزمان

فمن سَبَقونا قالوا أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة ، وقد سار الإخوان والسلفيين فى دربهم المنشود للوصول لطريق الألف ميل لكنهم لم يقتنعون بموضوع الخطوة فبدأوا بقفزة ، فبعد الثورة أصبحت القوى السياسية بكل أطيافها سواء الحديث منهم أوالمُخضرم ، المُبتدئ أو ذو الحِنكة أقول قد بدأوا جميعهم بالسير بل لم أخطئ إن قلت بالحبو أول خطوة تجاه بداية جديدة يأمل الجميع فيها بذوغ أول شعاع لشروق شمس الحرية والديمُقراطية ومدنية وبناء مصر جديدة ، وبدأ الجميع فى لملمة شتاته للإستعداد لخوض الإنتخابات ولكن التيارات الدينية كان لها رأى آخر وهو الوصول للهدف بأقصر الطرق رغم أن موقفهم أثناء الثورة كان موقف المُحايد منها ، يترقبون الأحداث بعناية ، وأتبعوا فى ذلك نظرية " البقاء للأقوى" فإن أنتصر النظام على الثوار فهم بعيدون كل البعد عن ما سيحدث لهم جراء مُساندتهم للثوار وإن أنتصر الثوار "فألف بركة" فتكون النتيجة هو ما آلت له الأمور الآن فقد إلتهموا الغنيمة كاملة ولم يستبقوا لسواهم شئ ولم يقتنعوا بأن يسيرون على خُطى باقى القوى السياسية أى خطوة تلو الآخرى حتى يصل الجميع للطريق المنشود لبناء مصر ولكنهم فضلوا السير بمفردهم من أجل تحقيق طموحاتهم الشخصية وليست من أجل طموحات مصر ، ولأن خطوتهم "واسعة شويتين ثلاثة" لذا قطعوا فيه شوطاً لا بأس به وهذا رغم أن محاولة وصولهم لخطوة واحدة فى هذا الطريق قبل الثورة كان مُستحيلاً بل كان بالنسبة لهم بمثابة أضغاث أحلام لذلك بعد وصولهم للبرلمان قد غلب عليهم الغرور وبدأوا مُبكراً جداً بالتكشير عن أنيابهم فى إقصاء وإلغاء وتهميش الآخر
وكما قالت الإعلامية هالة سرحان " أحنا جايبين مجلس يرجعنا لورا ولا أيه " فالثورة القادمة ستكون ثورة نساء ، عموماً الفرصة مازالت أمامكم إن أردتم إثبات حُسن النوايا وكفاكم نغمة أنكم أول من ظُلم وقُهر من النظام السابق وأنكم من قدمتم الآلاف من أعضاءكم للمُعتقلات وحتى لو كان هذا صحيح فهذا حدث من أجل مصالحكم وليس لصالح مصر، والآن ليس وقت الكلام والجدال بل حان وقت الفعل والعمل والكتاب المقدس يقول "من ثمارهم تعرفونهم" ونحن فى إنتظار الثمار سواء طرحت حنظل " نبات الحنضل "أو ورود مُتفتحة فكلاً سيُعرف من ثماره . وآخيراً أقول لكم أن الطريقة العُثملية التى عفّى عليها الدهر لا تصلح أن تُطبق فى وقتنا هذا فليس الزمن هو الزمن ، أو المصريين هم الأتراك ، فهذا ليس زمن الحرملك يا مجلس السلاملك .