حقيقة المراة ودورها في الثورات القائمة في الشرق الاوسطزو



زوهات كوباني
2012 / 3 / 2

تشكل المراة العمود الفقري في المجتمع من حيث لعبها الدور الاساسي والحاسم في تشكيل المجتمع وبناءه عبر التاريخ المديد، وقد صبغت المراة جميع التطورات بطابعها الخاص البعيد عن السلطة والتحكم والسيطرة والقوة، وكانت تقود وتدير الامور المجتمع بحكم حنكتها وقدراتها وطبيعتها بدون ان تكون هناك فوارق، حتى يمكن القول ان المجتمع في تلك المرحلة وخاصة المرحلة النيولوتيكية كان اكثر ازدهاراً وتقدما ورقياً، وما زالت البشرية تعيش على الثمار التاريخية العائدة لتلك المرحلة بحيث لا يمكنها ان تقدم البديل لها من حيث الماكل والمشرب والمسكن والعلاقات الاجتماعية ، وهذا يظهر ان التاريخ مدين للمراة كونها النواة الاساسية في بناء المجتمع.
مع تسلط الرجل وتحكمه بالسلطة بدأ ما يسمى بفرض العقلية الذكورية البعيدة عن الانتاج والابداع ويتخذ من الروتين والقوالب والقوة والسلطة اساسا في العمل، وهذا ما ادخل المراة في مرحلة جديدة بدات بصراع مع الرجل متمثل في الصراع بين "انكي" الهة المراة و"انليل" اله الرجل الماكر المخادع كما ورد في الميثولوجية السومرية ، ونتيجة هذا الصراع كانت هزيمة المراة وانتصار الرجل وبدات مرحلة جديدة تتبلور وتصبغ بطابع العقلية الذكورية التي تتضمن في جوهرها القوة والسلطة والانكار والتطفل والحيل والخداع والغلاظة .... الخ.
شاركت المراة ربيع الشعوب في المنطقة بكل قوتها ظنا منها انها يمكن ان تحول هذا الحراك الى ربيع المراة، ولذلك خاضت النضال على من الصعد السياسية والميدانية والتنظيمية، ولكن تدخل الدول العالمية في الثورات والسيطرة على زمام الامور جعلت هذه الثورات تنحرف عن اهدافها، وذلك بالقيام ببعض التغييرات الطفيفة من اجل الاستمرار في هيمنتها لقرن اخر من الزمن، كما فعلت ذلك باسم الثورات القومية وغيرها من المسميات ابان الحرب العالمية الاولى والثانية، والحداثة الراسمالية التي تقوم بكل هذه الاستراتيجيات. فلا مكان للمراة في استراتيجياتها الا توافقا مع مصالحها المرحلية الجديدة وربما من الناحية الظاهرية هناك نوع من التغيير او الحصول على بعض الحقوق او الحق في انشاء بعض المؤسسات، ولكن من الناحية الجوهرية هناك اضطهاد وظلم كبير على المراة، وتستخدم المراة في الحداثة الراسمالية كسلعة، وليس فقط سلعة، فقد حولت جميع اعضائها الى سلعة، والاعلانات والدعايات وغيرها من الاعمال كلها تتم من خلال التركيز على جسد المراة، وهذا ما تظهر حقيقة اقترابهم من المراة فاذا كانت الحداثة الراسمالية في عقر دارها تقترب بهذا الشكل من المراة ، فكيف بها ان تقترب في الدول الشرق اوسطية ومعرفة هذا لا تحتاج الى تحليل كبير .
لذلك فصراع المراة مع العقلية الذكورية هو مسالة فلسفية واخلاقية لا بد لها من التحرك بمنهجية وبراديغما جديدة ، براديغما المجتمع الديمقراطي الايكولوجي الجنسوي، وفي هذا المجتمع ستكون للمراة مكانتها الطبيعية كما كانت في مرحلة النيوليتك وبهويتها، لذلك فلا بد للمراة من ان تتخذ ايديولوجية تحرر المراة اساساً في نضالاتها ، وان تقوم بانشاء منظماتها واحزابها لتتمكن من الوصول الى اعداد كوادر نسائية تستطيع الصراع مع النظام الذكوري في مختلف الجبهات الايديولوجية والسياسية والتنظيمية والميدانية، لان النظام الموجود صبغ كل مجريات الحياة ودقائق الامور بصبغة الرجل وجعلها حكما الهياً وكانه قضاء وقدر لا يمكن المس به او تغيير وهو عبارة عن خطوط حمر، فالمراة اذا لم تنظر الى هذا النظام من منطلق تاريخي فلسفي ايديولوجي يمكنها ان تنخدع بالليبرالية التي اصبحت احد سماتها الاساسية والتي قامت باحتواء الكثير من الحركات الثورية وحرفتها عن مسيرتها وحتى استطاعت ان تستفيد من نواقص الاشتراكية المشيدة، وتقوم باحتوائها رغم الاهداف النبيلة والحميدة للاشتراكية. ولكن الحراك الشعبي الذي تشارك المراة فيه ستجعل منها قادرة على تحطيم بعض القوالب المفروضة، وتدخلها مرحلةً جديدة وتفتح امامها افاقاً جديدة من النضال لتحرير المراة، وبتحرير المراة سيتحرر المجتمع ويجب عدم النظر الى المعادلة بشكل عكسي وتهمل تحررها وتنتظر الى تحرر المجتمع او تغيير النظام فهذا ما تجعلها تتخلى عن نضالها وتربط مصيرها بمصير الانظمة القادمة والتي لن تتخلص من العقلية الذكورية .
لذلك فالاسلوب الامثل لنضال المراة لفرض وجودها ودورها ومشاركتها النشطة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في الدول العربية التي وصلت فيها احزاب الاسلام السياسي الى الحكم هو تنظيمها لنفسها والنضال وفق هويتها النسوية، والاستفادة من الفرص التي يمكن ان تظهر ةتجعلها مجالا وحيزاً جديداً للنضال، وان تقوم بتوسيع نشاطاتها التنظيمية والميدانية وتشكيل شبكة من العلاقات التنظيمية مع المراة في جميع البلدان الشرق الاوسطية للوصول الى استراتيجية عامة بصدد تحرير المراة ووفقها وضع مخططات خاصة بكل بلد معني. ومن هنا اريد التنويه على مسالة ايديولوجية تحرر المراة فان جميع نشاطتها لا بد ان تكون من خلال هذه الايديولوجية، لان الايديولوجيات الموجودة هي ايديولوجيات ذكورية وربما تتضمن نقاط ايجابية بالنسبة للمراة بالمقارنة مع الماضي ولكن لن تقودها الى التحرر الحقيقي ، لذلك ان تبحث عن الحقيقة من خلال منهجيتها لانه كما يقال " الحقيقة عشق والعشق حياة حرة " وبالتالي يجب الا تترك المرأة قدرها في رحمة الرجل الرجل المهيمن والمخادع والماكر، والذي لا يترك الفرصة للمراة من ان تتحرر من هيمنته لانه بتحرر المراة لا يبقى حجج الهيمنة والسلطة لديه، وهذا التحرر لن يتحقق الا بالنضال من خلال فلسفة جديدة ومنهجية ايكولوجية جديدة تتخذ من الوطن المشترك والكونفدرالية الديمقراطية المجتمعية اساساً لها.
ومن المهم الحديث عن الاسلام السياسي الليبرالي والذي نرى نموذجه المحتذى به في تركيا الاردوغانية. فوضع المراة في تركيا امام الاعين، ففي ظل هذا النظام ونتيجة ممارساته المعتمدة على العقلية الذكورية وصلت اغتصاب المراة والضغط والقتل والاضطهاد وابعادها عن هويتها وشخصيتها الى اعلى المستويات، فمازالت السجون مليئة بالنساء، فبعضهن الان اضربن عن الطعام حتى الموت نتيجة ممارسات هذا النظام الظالمة ، رغم انهن اعضاء في البرلمان التركي تم انتخابهن من قبل الشعب ، فالاسلام السياسي هو مشروع امريكي من اجل استمرارية هيمنته لمرحلة جديدة بعد فشل نموذج الدول القوموية التي جلبت المصائب والمشاكل للمجتمع عامة والمراة خاصة وصبغتها لونا واحدا وهو اللون الذكوري وجعلت من المراة نسخة من الرجل في الكثير من مجالات الحياة، رغم طبيعتها المخالفة لذلك ، لذلك فالاسلام السياسي ليس الحل لان الانظمة الاسلاموية ستتحرك وفق شرائعها وقوالبها الموجودة منذ الاف السنين والتي هي نسخة ذكورية لا غير ولا مكان للمراة فيها ، وهي ساطعة وواضحة كوضوح الشمس ، لا تحتاج الى حنكة او عبقرية الى تحليلها وفهمها ، حيث انقلبت قبعتها منذ زمن طويل وظهرت قرعتها ولا يمكن اخفاءها .
اما بالنسبة للدور الذي يمكن ان يلعبه الرجل لتحرير نفسه والمجتمع الذكوري من عقلية التسلط، فالرجل لا يستطيع ان يلعب دوره عندما لا يخلص نفسه من هذه الفلسفة الذكورية، ولذلك لا بد ان يعود الى التاريخ وتحليل ذاته والسلطة من جديد وهذا لا يتم الا بتشكيل علاقة حية بين الطبيعة والمجتمع باعتبار المجتمع الطبيعة الثانية، وللتخلص من الذهنية الذكورية المهيمنة السلطوية يتطلب ثورة وجدانية اخلاقية. وبهذه الثورة يمكن بناء المجتمع على اسس جديدة من خلال عقد اجتماعي جديد.

زوهات كوباني
01.03.2012