يوم المرأة العالمي: هل المرأة مناضلة فعلا؟



دينا سليم حنحن
2012 / 3 / 3


في الثامن من آذار/ مارس من كل عام، يُحتفل عالميًا بالإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنساء،الإحتفال بهذه المناسبة جاء على إثر عقد أول مؤتمر للإتحاد النسائي الديمقراطي العالمي والذي عقد في باريس عام 1945. وفي بعض الدول الشرقية كفلسطين تحصل المرأة على إجازة رسمية مدفوعة الأجر لهذا اليوم.

المرأة مكملة الرجل، سجلت موقعا تاريخيا في متغيرات الكون وأحداثه، عندما راحت تتسابق مع نصفها الآخر في إزاحة المعلوماتية الخطيرة التي كانت عالقة في حضيضه، دونت تاريخ بطولاتها الحافل بالإنتصارات المسجلة، والتي عرفها الإنسان من خلال قراءاته، أعتقد أن المرأة تستحق هذا التتويج الجميل في مستوى الحياة!

مضت في طريقها حتى راحت تخلق اللا مألوف في عصر دهشة الكون، توزعت بين كتابة الإسم والنكران حتى أضحت علما كبيرا في ذاكرة الذي يدري، أو الذي لا يدري، أو للذي لا يريد أن يدري، تبوأت أكثر منصات الكون باحتلالها مواقع الوزارات والحكومات، وحقائب السياسة المختلفة، المرأة الشرقية كان لها نصيب من كل هذا، لنرى ما يحدث الآن في قطرنا العربي العزيز، بداية من السياسة والاقتصاد، الطب، والرياضيات وعلم النفس، ظهرت أسماء كثيرة، (الإعلام لا يهتم للتحدث عنها، بل يهتم أكثر بحضور المرأة من ناحية فنية وتسويقية)، لكنها رغم كل شيء لم تستطع أن تتفوق على اسم مدام كوري، عالمة الفيزياء والكيمياء بولندية الأصل، التي قدّمت حياتها ثمنا لأكتشافاتها الخطيرة.

سأذكر سريعا بعض النساء اللائي غيرن وجه التاريخ، وبرهنّ ثبوت عقولهن، ونقدن اعتقادات الآخر البالية، بأن المرأة مكانها حضن الرجل فقط، فهذا ما لا أوافق عليه شخصيا، ولأني لا أستطيع أن أذكر الكثيرات لضيق الصفحات، أبدأ بشيرين عبادي، الإيرانية، ابنة القرن الحديث والحاصلة على جائزة نوبل في حقوق الإنسان سنة 2003.

وعودة إلى بداية القرن الماضي، (سيلمى لاجيرلوف) السويدية، التي حازت على نوبل في الآداب سنة 1909، فقد استطاعت أن تثري المكتبة العالمية بروائع كتابية خالدة، وكانت أول سيدة تفوز بجائزة نوبل التي بدأت بمنح جوائزها منذ سنة 1901، ثم أصبحت سيلمى من ضمن أعضاء الأكاديمية التي تمنح جوائز نوبل التي يتبناها بلدها السويد.

وهناك أخريات استطعن أن يغرزن أسماءهن في السجل العالي، يبرهن للذي ينظر للمرأة من ثقب ضيق أنهن موجودات وجريئات الكلمة، أمثال، الطبيبة والناشطة المصرية نوال السعداوي التي طالبت بفرض قانون عدم ختان الإناث في مصر. الروائية الإيطالية جراتسيا ديليدا، التي امتازت رواياتها بموضوعة الحب المحرم وغير المتكافئ، غزيرة الإنتاج، وقد حصلت على جائزة نوبل للآداب سنة 1926. بيرل بك صاحبة رواية (الأرض الطيبة) وغيرهن كثيرات...

لن ننسى المرأة التي أخذت شوارع الوقوف طويلا من أجل حراسة الإبن الضّال في حضن الرصيف، جراء الفوضى العارمة للمجتمع المتخبط بأفكاره، والفساد السياسي المسبب لكل فوضى محتملة، أو حراسة الرصيف من عدم عودة فلذة كبدها من جبهات الحروب الدامية التي تحدث الآن وغالبا دون مبرر. وكانت هناك تلك التي أنقذت بظلال جناحيها السلميّ، رحمة المحتاجين في المستشفيات. والمصرّة على تلقين أطفال الجيل وشباب المستقبل الحرف فتستبدله عوضا بسيف الفوضى والجّهل.

والمجهولات اللواتي يأخذن الأقطار النائية للعالم الثالث، يناضلن الفقر، العطش، الجوع، المرض، ومساعدة المغتصبات عرضا وشرفا، ورغم كل المصاعب يلتزمن نحو البشرية دون مقابل، هل اتطلعتم على صور العالم الذي يعاني من سوء التدبير والجهل والذي يضع المرأة موضع الشكّ كذريعة من أجل التحكم بها، "وا خوفاه" من أنتشار العالم الثالث!

وهناك التي تتلو صلاة الرحمة على أرواح الشهداء والضحايا في مقابر لا حصر لها، والتي حمّلت الآلهة عمق تراتيلها وآهاتها، والتي ما زالت تحمل عبء سنوات العمر علها تحمي صغارها من تفشي وباء السلاح، في عصر انتشار الأسلحة دون قيود، تلك التي حلمت أن تراهم كبارا فتدهش العالم بذريتها.

لو قارنا الأحداث الدامية الآن بالماضية، لرأينا مدى الخسارات التي لحقت بالمرأة، من هدم بيتها، قتل أحد أقاربها، فقدان أحد أعزائها، وتشتتها في ربوع العالم بحثا عن الأمن واللقمة، ورغم كل ذلك نراها تحمل الراية البيضاء، وتبدو أكثر قوّة، عزّة، إصرارا وجمالا رغم جميع الظروف القاسية.

لقد ذرفت المرأة أمطارا كثيرة، فجعت بضياع ودائعها ولم تفقد وداعتها، أزهرت زهورا من دموعها، تحملت الغصات في طيات قلبها، فكان قتل الزهور أمامها، فلذات كبدها، دموعها رمز الفجيعة، والفرح الذي يتأخر كثيرا.

المرأة صندوق أشياءنا الخاص، يجب أن نحتفل بها كل عام، هي رايتنا في معابد الدفء، نعود إلى حضنها الخاص كلما خذلتنا الأنظمة وقسوة العقوبات، العنف ورداءة ظروف الحياة، نعود إلى حضنها، أمّا، زوجة، حبيبة، عشيقة، ووطنا.

كلما مضينا وحدنا في مسالك المجهول نحتاج إليها، كلما تشتت خطواتنا، نبحث عنها، وكلما أردنا أن نتأكد من ذواتنا إليها نلتجيء، نعود دائما وبدا إلى النصف الهام الثاني لنا، فهلا تصالحنا مع أنفسنا وأنقذناها من ترهات التخلف الذي بدأ يسشتري ويتعمق ويأخذ منا زهرة جميلة، هذه الزهرة الآيلة للذبول، هل نقف مكتوفي الأيدي أمام الجحيم الآتي، نعم.... وعذرا... نحن دائما نأخذ موقف المتفرج الأبكم!