ألكساندرا كولونتاي ويوم المرأة العالمي



أشرف عمر
2015 / 2 / 27

كاثي بورتر
ترجمة: أشرف عمر

* تم نشر المقال لأول مرة في العدد 2293 من جريدة العامل الاشتراكي البريطانية، يصدرها حزب العمال الاشتراكي بالمملكة المتحدة.

ألكساندرا كولونتاي هي واحدة من القادة البارزين للحزب البلشفي في روسيا، وقد ساهمت بشكل كبير في تنظيم العاملات والفلاحات خلال ثورتي 1905 و1917. وتعد كتابات كولونتاي هي الإسهامات الأهم في وجهة النظر الاشتراكية الثورية تجاه اضطهاد المرأة وتحررها.

هذه المقالة هي بالأساس عبارة عن حديث أجرته الرفيقة كاثي بورتر، والتي أمضت عدة سنوات في دراسة كتابات كولونتاي ودور المرأة في الثورة الروسية، لجريدة العامل الاشتراكي البريطانية، والتي يصدرها حزب العمال الاشتراكي بالمملكة المتحدة، عن تراث المناضلة الاشتراكية ألكساندرا كولونتاي ويوم العالمي للمرأة.

كان الاحتفال بيوم المرأة العالمي في فبراير 1917 بمثابة الشرارة التي أشعلت الثورة الروسية. حيث كانت مجموعة كبيرة من النساء العاملات بمصانع النسيج في سان بطرسبورج قد سألت اللجنة المركزية للحزب البلشفي عما يمكن فعله في هذه المناسبة، في حين لم تقرر اللجنة المركزية تنظيم أية إضرابات وأخبرتهم بأن ينتظروا التعليمات التي سيتم إصدارها قريباً.

لم تصدر أية تعليمات، وهكذا قررت العاملات أن يتولين زمام المبادرة وأن ينزلوا للتظاهر في شوارع المدينة. وفي خلال وقت قصير، كانت الآلاف من النساء العاملات في المدينة يغادرن المصانع و طوابير الخبز، ليطالبن بتوفير الخبز وليملأن المدينة بشعارات "أبناؤنا يتضورون جوعاً". وفي خلال الأيام القليلة التالية، انضم إليهن الآلاف من ربات البيوت وزوجات العاملات والجنود.

قذفت المتظاهرات الشرطة بالحجارة وطالبن بالحرية وبإنهاء الحرب العالمية الأولى التي دخلتها روسيا القيصرية، كما ذهبن إلى الثكنات لتشجيع الجنود على الانضمام إلى مظاهراتهن. وبعد حوالي أسبوع، تنحى القيصر الروسي نيقولا الثاني، لينفتح الباب أمام الثورة الروسية التي استولى فيها العمال على السلطة في أكتوبر من نفس العام.

كانت البداية في عام 1910 حينما حددت الأممية الاشتراكية الثانية (وهي المنظمة العالمية التي جمعت الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في العالم وقتذاك) يوم 8 مارس يوماً عالمياً للمرأة، وقررت أن يكون الاحتفال بهذا اليوم بتنظيم الإضرابات والمظاهرات.

كولونتاي

ولدت المناضلة الاشتراكية ألكساندرا كولونتاي في عائلة أرستقراطية، لكنها أصبحت ثورية إثر زيارتها لأحد مصانع النسيج الضخمة في 1896. كان الهواء محمل بغبار الأقطان، بينما كانت النساء تعملن لـ 18 ساعة في اليوم حتى أن بعضهن يضطررن للولادة في مكان العمل وبجوار الماكينات. كانت العاملات تتقاضين حوالي ثلث أو نصف ما يتقاضاه العمال الرجال من أجور، وفقط القليل من النساء يمكن أن يعيشن بعد سن الثلاثين.

تلك الخبرة غيرت حياة كولونتاي بشكل جذري، ومن ثم عمدت الثورية الشابة إلى قراءة كتابات كارل ماركس كما التحقت بالحلقات الماركسية في سان بطرسبورج ودعمت موجات الإضرابات العمالية التي اجتاحت روسيا في ذلك الوقت.

طوال التسعينات من القرن التاسع عشر، كانت هناك أفواج كبيرة من النساء اللاتي يأتين للعمل في المصانع الضخمة في المدن الروسية. فيما كان أصحاب المصانع يعتبرون النساء بمثابة عمالة سهلة الاستغلال ونادرة التمرد، حيث كانوا يظنون أن النساء العاملات أقل قدرة من العمال الرجال على خوض الإضرابات.

لكن ذلك العقد كان مليئاً بالمفاجئات، فقد أثبت نضال العاملات أن كل ما يعتقده الرأسماليون محض خرافة، إلا أن الثوريين أيضاً كانوا يجدون صعوبة بالغة في الاشتباك السياسي مع نضالات النساء العاملات إذ كانت الأمية منتشرة بينهن بنسبة حوالي 90%. وعلى الرغم من ذلك، كان تدخل العاملات في الإضرابات غير مسبوقاً، وحتى أن الكثير منهن احتللن مكاناً بارزاً في قيادة الإضرابات العمالية، والمئات اندفعن للمشاركة في الاجتماعات العمالية وألقين الخطب الثورية، إلخ.

أما الاشتراكيون مثل كولونتاي، فقد كانوا دوماً ينتظرون أمام بوابات المصانع للتحدث والنقاش مع العاملات، لكنهم لم يكونوا الوحيدين الذين يعملون من أجل تنظيم النساء العاملات. كانت المنظمات النسوية، والتي كانت تنظم الحملات من أجل انتزاع حق التصويت للنساء، تعمل على إبعاد العاملات عن الإضرابات وتنظيمهم في فصول لتعلم الخياطة أو إدماجهم في المجموعات الدينية، إلخ.

وخلال الثورة الروسية الأولى 05-1907، قامت النساء الاشتراكيات بمجهودات جبارة في أوساط العاملات في المصانع، كما انخرطن بقوة في الحركة النسوية، فيما كان الجدال الأساسي لهن هو أنه من غير المعقول أن تقوم حركة لكل النساء بغض النظر عن انتماءاتهن الطبقية.

استطاعت كولونتاي خلال ذلك أن تكسب الكثير من العاملات المنجذبات نحو الحركة النسوية في روسيا لتبني الأفكار الاشتراكية، لكن الحركة النسوية انهارت في النهاية فيما كانت الطبقة الرأسمالية تنظر إليها وإلى مجهوداتها بكل احتقار.

العزلة

عاشت كولونتاي في عزلة شديدة طوال حياتها السياسية؛ فمن ناحية كانت قد انعزلت في الوقت الذي اعتنقت فيه الماركسية الثورية عن طبقتها الأرستقراطية التي كانت تنتمي إليها. ومن ناحية أخرى، انعزلت أيضاً عن جنسها، حيث كانت من النساء القلائل البارزات في الحزب البلشفي. وفي المنفى، بعد هزيمة ثورة روسيا 1905، كتبت كولونتاي عن التغيرات التي أحدثتها الثورة في العلاقات الاجتماعية وعن ضرورة تناول الماركسيين لمثل هذه التغيرات ضمن تحليلهم للعلاقات الطبقية القائمة.

لقد كتبت كولونتاي عن تحرر الطبقة العاملة وعن تحرر المرأة العاملة من قيود الاستغلال والاضطهاد، وعن علاقات الزواج البرجوازي التي تشبه عمليات البيع والشراء. كما أوضحت أن التغيير الجذري في حياة المرأة العاملة سوف يحدث فقط حينما يكون للدولة دوراً في مساندة النساء في تحمل الأعباء اليومية وتربية الأطفال، إلخ.

وحينما أعيد طبع أعمال كولونتاي بعد انتصار الثورة الروسية في 1917، لاقت تلك الكتابات صداً مختلفاً، فقد كانت كولونتاي بالفعل المرأة الوحيدة في الحكومة البلشفية بعد الثورة، وبالمناسبة كانت كولونتاي أول وزيرة في العالم كله. وبالرغم من أن كتابات كولونتاي لازالت تحاكي العالم اليوم، إلا أن كتاباتها المبكرة دائماً ما يتم تشويهها أو إساءة فهمها.

نشبت الحرب الأهلية في روسيا في أعقاب انتصار الثورة البلشفية واستمرت على مدار حوالي ثلاث سنوات. إلا أنه من المحبذ أن نطلق عليها "التدخل الأجنبي" وليس "الحرب الأهلية"، حيث جيوش الدول الإمبريالية لغزو روسيا وسحق الثورة. فيما كانت كولونتاي تجوب روسيا كلها لتسأل النساء عن احتياجاتهن ومتطلباتهن، فللمرة الأولى أصبحت الفرصة سانحة لتحقيق تغييرات جذرية ذات تأثير إيجابي على حياة النساء في روسيا.

وفي ظل ظروف الحرب القاسية، وبينما كان على الثوريين البلاشفة إنجاز مهام سياسية ملحة وعاجلة، علاوة على التعبئة من أجل التصدي لهجمات أعداء الثورة، استطاعوا أيضاً تمرير تشريعات تقدمية تخص علاقات الزواج والطلاق دون عقبات أو معوقات، تلك التشريعات الثورية التي إلى تغييرات عميقة في العلاقات الأسرية أيضاً.

لكن كولونتاي أدركت أن تلك القوانين والتشريعات لن يكون لها أي قيمة إلا إذا سعت النساء لفرضها وتطبيقها على أرض الواقع. هكذا سعى البلاشفة لإنشاء هيئة جديدة (*) بالحكومة مخصصة لدمج المرأة في كل شئون الثورة، ثم ترأست كولونتاي إدارة تلك الهيئة في عام 1920، فيما كانت النساء البلشفيات يذهبن إلى المصانع والقرى لتشجيع الفلاحات والعاملات على المشاركة السياسية.

التعلم من التراث

نجح البلاشفة في النهاية في ردع الجيوش الغازية وحماية الثورة، إلا أن سنوات الحرب قد أدت إلى انهيارات كبرى في الصناعة في روسيا، كما عانت الثورة الروسية من العزلة بعد أن انحسرت الموجة الثورية في أوروبا. وهكذا أصبحت كل تلك الخطط الطموحة والآمال الهائلة غير قابلة للتطبيق في ظل كل ذلك الخراب والدمار الذي خلفته الحرب.

هناك حاجة ملحة لمثل هذا التراث في البلدان التي تلتهب بالثورات اليوم، بينما تؤكد لنا التجربة البلشفية أنه لا انفصال بين النظرية الثورية والممارسة العملية. وفي الثورة، كل شيء معرض للتساؤل والتغيير، حتى الطريقة التي ننظم بها حياتنا. وطالما كان الماركسيون ولا يزالون لديهم رصيد هائل من الأفكار حول تحرر المرأة .. وأيضاً الأمل في ذلك.

هوامش:
(*) كانت تحمل إسم "زينوتديل – Zhenotdel”، وترأستها في البداية البلشفية "إينيسا أرماند" حتى لاقت حتفها إثر إصابتها بالكوليرا عام 1920 لتتولى بعدها ألكساندرا كولونتاي رئاستها. كانت مهمة الهيئة تنحصر بالأساس في حث النساء في الريف والمدن على المشاركة في الحياة السياسية، حيث كان يتم تشكيل لجان محلية في المناطق الريفية على الأخص تضم مندوبات منتخبات من الفلاحات يمثلن نساء القرى في مجالس السوفييت. كانت المتطوعات في الهيئة يجوبن كل أطراف روسيا بالملصقات الدعائية والعروض الفنية، ويقيمن الاجتماعات والحلقات النقاشية. وبالإضافة إلى ذلك، قدمت المتطوعات الكثير من الخدمات (مثل تعليم القراءة والكتابة، حيث تم إنشاء حوالي 125 ألف مدرسة لمحو الأمية) والإرشادات الخاصة بتربية الأطفال والرعاية الصحية والعناية بالمنازل، إلخ.
وبالطبع لم تكن طبيعة عمل ونشاط الهيئة تتناسب مع تطلعات ستالين بعدما أحكم سيطرته على مقاليد السلطة على أنقاض الثورة الروسية، وهكذا قام بإغلاق الهيئة وحلها في عام 1930.
(المترجم)