واقع المراة في الربيع العربي



عالية بايزيد اسماعيل
2012 / 3 / 11


عالية بايزيد اسماعيل

1. في ما يخص نصيب المراة من تغييرات كاحد نتائج الربيع العربي

استطاع الربيع العربي ان يحدث تغييرات في المجتمع العربي ويغيره سياسيا كما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن , ومن قبل في العراق ,وما يحدث في سوريا الان , اما عن التغيير الاجتماعي فيما يخص واقع المراة فلا اعتقد ان التغيير جاء للاحسن بل للاسوأ وللوراء . فبعد ان كان للمراة الدور الكبير والبارز في المساهمة في الانتفاضة الشعبية والخروج الى الساحات والميادين للاعتصام والاضراب والتظاهرات الا ان صعود التيارات الدينية ( الاسلام السياسي ) الى سدة الحكم وما تنتهجه من ااتباع الدين والشريعة في تنفيذ برامجها ادى الى تراجع دور المراة وتهميشها والوقوف امام مشاركتها في الحياة العامة بعد ان خاضت نضالا مريرا من اجل اثبات حقوقها .
فالمشهد السياسي في الربيع العربي لايبشر بخير في ظل دكتاتورية راديكالية جديدة على انقاض دكتاتوريات مدنية سياسية تسعى الى هيمنة الشريعة على القوانين المدنية واعادة الاعتبار لسلطة العشيرة والقبيلة باسم الدين والاعراف ما جعلها اقسى واعنف من سابقتها .
ان وضع المراة الان اوضح مؤشر على رجعية اليمين الراديكالي الحاكم وان الحقوق التي كانت تتمتع بها المراة في ظل القوانين المدنية بدات تتراجع وتتحول الى قوانين دينية مقيدة يهدد حقوقها وحرياتها وكل المنجزات التي ناضلت من اجلها عقودا طويلة .
ففي تونس التي منحت المراة مكاسبا قانونية مدنية تحسد عليها في قانون الاحوال الشخصية الذي شرع عام 1956 بعيدا عن سلطة الشريعة وتطبيقاتها فساوى بين المراة والرجل بالكامل ومنع تعدد الزوجات واباح طلب الطلاق القضائي وغيرها من الامتيازات الاسرية , بدأ الاتجاه يسير الى الوراء حيث تتنامى الدعوات الى تطبيق الشريعة محل القانون المدني النافذ والدعوة الى تعدد الزوجات واعتماد نظام ( ملكة الايمان ) والتمتع بالجارية بما ملكت يمينه الى جانب زوجته , ولاننسى في العراق بعد سقوط النظام السابق حاولت القوى والاحزاب الدينية الغاء قانون الاحوال الشخصية واحلال قرار 135 محله لولا تدخل الحاكم برايمر الذي الغى القرار بعد موجة احتجاجات من قبل المنظمات النسائية المدنية. ان اخضاع القوانين الى القواعد الدينية وتطبيق الشريعة محلها يجعل الحديث عن حقوق المراة حديثا ذو ترف لامعنى له ولاعلاقة له بالواقع .



2. اما عن التغييرات في منظومة القيم الذكورية والعقلية التسلطية التي تعاني منها نساء الشرق
بالتاكيد ان تغييرات ستحصل في منظومة القيم الذكورية فلا يمكن وضع العصا في عجلة التطور الطبيعي للمجتمع , فلا يزال هناك كما تراكميا من التخلف في مجال حقوق المراة في المجتمع العربي والارقام في تصاعد في مجال الامية والبطالة ولاتزال الاعراف والتقاليد الاجتماعية تاخذ ماخذها من المراة ولازال هناك زواج مبكر وزواج بالاكراه وطلاق تعسفي واجبار البنت على ترك الدراسة .
كل هذه التراكمات تجعل من مهمة تغيير القيم الذكورية مهمة عسيرة وصعبة امام كل تلك التحديات ولكنها ستتغير لامحالة ولو بعد حين لان مواثيق واعلانات حقوق الانسان لايمكن ان تتراجع امام سلطة الاحزاب الدينية طالما كان هناك حراك شعبي باتجاه تحقيق حقوق الانسان ورفض الاستغلال والدكتاتورية .
ان تحرير المراة يصطدم دائما بمقاومة ضارية من التيارات الدينية ومن المتمسكين بالعادات القبلية لان السلطة الدينية لاتعي معنى الحريات الاساسية للانسان خصوصا حقوق المراة .



3. ان الاسلوب الامثل لنضال المراة لفرض دورها ووجودها في الحياة السياسية في ظل سيطرة الاحزاب الاسلامية
يكون عن طريق استمرار نضالها المستميت من اجل نيل حقوقها المدنية بعيدا عن الشريعة والدين والمطالبة بفصل الدين عن مناحي الحياة المدنية العامة والتحرر من قيود الشريعة وقوانينها التي لاتلائم الواقع الراهن في ظل تعدد الاديان والمذاهب والاعراق والاجناس




4. اما عن شعار ( الاسلام هو الحل ) الذي تطرحه الاحزاب الاسلامية الليبرالية

فلايمكن الوثوق بشعارات التيارات الدينية ( الاسلام السياسي ) فيما يخص حقوق المراة لان التيارات الدينية مهما كانت ليبرالية فانها ترفع ـ شعار لاحقوق ولاامتيازات للمراة خارج الشريعة ـ حتى تحولت المراة فيه الى ابرز ضحايا حقوق الانسان في واقعنا الاجتماعي لان الاحزاب السياسية الاسلامية لايمكنها ان تتجاوز على المنظومة الدينية تجاه المراة وحقوقها المدنية والاجتماعية , ومن يطلع على اسرار العلاقات الاسرية سيفاجأ من واقع العنف والظلم الواقع على المراة باسم الدين والعادات والتقاليد .
اما في الحياة العامة فلا تؤمن هذه الاحزاب بعمل المراة لانها لا تقبل باختلاط المراة في العمل والدراسة كما لاتؤمن بولاية المراة كقاضية او ان تكون رئيسة للبلاد مثلا او وزيرة او حتى مدير عام لمؤسسة او دائرة رسمية .
النظم العلمانية هي التي سمحت للنساء الحكم في بعض الدول الاسلامية والوصول الى المراكز القيادية في صنع القرار لانها تحكمها قوانين مدنية علمانية وليس الفضل فيها للاسلام الذي ينظر للمراة بانها ضلع قاصر وناقصة عقل ودين وان الرجال قوامون على النساء وللذكر مثل حظ الانثيين وان شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد . والا فهل يمكن للاسلام السياسي ان يعادل شهادة المراة بالرجل ؟ ام هل سيمنح المراة ميراثا مثل اخيها الرجل ؟ وهل سيقبل ان تسافر المراة لوحدها بدون محرم ؟
فالشرائع الدينية لايمكن ان تتماشى مع المشاكل المعاصرة من حيث الديمقراطية والحريات العامة الاساسية وحرية الانسان .




5. اما هل تتحمل المراة العربية مسؤولية تبعيتها
لاينكر ان المراة تتحمل الجزء الاكبر من مسؤولية تبعيتها للرجل من خلال قبولها بالواقع والاستسلام له ورفض اي محاولة للتغيير من هذا الواقع كما ان المراة غالبا ما تجهل حقوقها . فالمراة ـ وبسبب الجهل ـ قد لاتعي معنى حقوقها فلا يهمها الا العيش بما يؤمن معيشتها ومعيشة اطفالها واستقرارها في اسرة في حماية الرجل , الا ان هذا الجهل لايلغي حقوقها المسلوبة التي لاتعيها هي بنفسها ولاينسف واقعها ومشاكلها رغم السكوت عنها لعجزها عن استيعاب قضيتها وصياغة مطالبها لانها لاتدرك طبيعة واقعها وبالتالي تعجز عن تشخيص الحلول لها بل قد ترفض احيانا اي تغيير يكون لصالحها او ان تندفع ضد الدعوات التي تدعو الى تغيير وضعها .
هذا ان عذرنا المراة الجاهلة على جهلها فلا باس , ولكن ماذا نقول للمراة المثقفة او التي في الواجهة السياسية والتي تقف بالضد من حقوقها المدنية وتدعو الى تبعية الرجل وقوامته عليها كما صرحت بذلك عدد من النائبات البرلمانيات من القوائم الاسلامية بمناسبة او بدون مناسبة الى تطبيق مبادىء الشريعة على القوانين المدنية . بل حتى ان الوزيرة الوحيدة في حكومة المالكي والتي هي وزيرة المراة تدعو علانية الى قوامة الرجال وتطالب بتطبيق الشريعة بدلا من القوانين المدنية لترضى ان يؤدبها زوجها بالضرب وان تكون ربع الرجل على اعتبار ان للرجل الحق ان يتزوج اربع نساء !!!
فكيف اذن لاتتحمل المراة المسؤلية في تبعيتها للرجل ؟
ولاشك ان اعتماد المراة اقتصاديا على غيرها يشكل سببا رئيسيا اضافيا في تبعيتها ينبغي التحرر منه بفتح مجالات العمل امام المراة لتامين مورد مادي مستقل لها بما يؤمن احتياجاتها ويحررها من تبعية الرجل .
فينبغي اذن توعية المراة بحقوقها بما يؤمن استقلالها وشخصيتها والسير بها في عملية التحرر الاجتماعي بصرف النظر عن الضجات المفتعلة , والعمل على اعادة التوازن من قبل التيارات والاحزاب العلمانية واليسارية بتفعيل المبادىء الدستورية والقانونية التي تضمن الحد الادنى من المساواة للمراة , بل يستلزم اقرانها بالمرونة والخطوات التدريجية المدروسة واعتماد التوعية في جو ديمقراطي اساسا لاتخاذ مثل هذه الخطوات ووضعها موضع التطبيق .