الهولندية أنيا ماولنبلت



محمد كريزم
2005 / 1 / 15

ملامحها الأوروبية أصبحت مألوفة للجميعَ, دعمها و مؤازرتها للحق الفلسطيني بلا حدود رغم تهديدات اللوبي الصهيوني لها بالأذى, تعشق فلسطين كما تعشق هولندا, تشارك الفلسطينيين في سرائهم و ضرائهم, حضورها مميزاَ في العمل المجتمعي بل أنها إختارت إسماَ عربياَ للجمعية التي تترأسها في هولندا, وضعت لها مؤلفات عديدة عن القضية الفلسطينية, تسعى لخدمة الشعب الفلسطيني بكل ما أتيح لها من إمكانات لتبرهن و تؤكد أنها بحق صديقة الشعب الفلسطيني الذي هو أيضاَ يفتخر بوجودها معه وبنضالها الإنساني .
تلك هي السيدة أنيا ماولنبلت عضو البرلمان الهولندي, و رئيسة جمعية كفاية الهولندية التي سخرتها لخدمة المعاقين و ذوو الإحتياجات الخاصة في غزة بالتعاون و التنسيق مع المركز الوطني للتأهيل المجتمعي الفلسطيني, حيث تقوم بتأمين الغطاء المالي وتدريب الطواقم البشرية المتخصصة على هذا الصعيد.
و إعتادت ماولنبلت على زيارة فلسطين و خصوصاَ قطاع غزة خلال فترات قصيرة للإطلاع على الأوضاع المأساوية للشعب الفلسطيني عن قرب من أجل إطلاع الرأي العام الهولندي عنها الذي تغيب عنه الحقائق, و فضح ممارسات الإحتلال الإسرائيلي عبر الصحافة الأوروبية والمحافل الدولية الأخرى, و تقول ماولنبلت أنها تقوم بزيارة غزة بشكل منتظم منذ عشر سنوات حيث صدمت بالواقع المرير الذي يعيشه الفلسطينيون على أرضهم نظراَ لعدم معرفتها بتفاصيل الأمور على الأرض مثلها مثل باقي الأوروبيين الذين يتعلمون في مدارسهم أن اليهود مضطهدين و يتعرضون للإرهاب العربي, لكن الحقائق على الأرض تختلف بشكل كلي و جوهري عما هو في مناهج التعليم الأوروبية, فالفلسطينيون هم الذين يتعرضون للبطش والتنكيل, وبالتالي حدث في عقلها و قلبها أشبه ما يكون بالإنقلاب في مفاهيمها و أفكارها, و أصبحت أكثر إلتصاقاَ بالشعب الفلسطيني و بمعاناته, و باتت تشعر أن عليها إلتزام أخلاقي وواجب إنساني تجاهه.
و تضيف ماولنبلت أنها لا تفصل بين عملها الإنساني الذي تؤمن به كناشطة إجتماعية وعملها السياسي كعضو برلمان, حيث تقوم بمحاولات حثيثة و دؤوبه لإقناع بقية أعضاء البرلمان الهولندي بوجهة نظرها المبنية على شواهد ثابتة و أدلة راسخة و حقائق دامغة, فيما تسعى دائماّ للتأثير على الحكومة الهولندية لدعم الشعب الفلسطيني و الوقوف إلى جانبه , بإعتبار أن الأوضاع المأساوية التي يعيشها ناتجة عن العنف الإسرائيلي .
و تعترف ماولنبلت أنها لا تمثل الأغلبية في هولندا, لكن ما يجب تبيانه أن الشعوب الأوروبية عموماَ أصبحت تعرف أكثر عن قضية فلسطين, و تؤكد أن الشريحة التي تعمل عليها في هولندا تنمو بإستمرار لكن ببطىْء, ويمكن إعتباره بالعمل الإيجابي المثمر, مشيرة إلى أن إحداث تغيير في الرأي العام الهولندي بشكل خاص و الأوروبي على وجه العموم صعب نوعاَ ما لكنه ليس مستحيلاَ, في حال تواصل العمل و تم إبتكار أليات جديدة للتغلب على المصاعب الموجودة المتمثلة بالحجم و الكم الهائل من الدعاية التي يبثها اللوبي الصهيوني في أوروبا.
مشاركة من أجل العدالة
وتعبر ماولنبلت عن أحاسيسها و مشاعرها بطريقتها الخاصة, و تؤكد أن مشاركتها في الفعاليات الوطنية إنما هو من أجل العدالة و الحرية للشعب الفلسطيني, فوجودها هنا على أرض فلسطين لنفس الهدف و الغاية, فلم لا تشارك أصدقاؤها في فلسطين عواطفهم, لا يوجد أي مانع بالتأكيد, وستستمر بنضالها حتى التوصل لحلول عادلة للقضية الفلسطينية, رغم تشاؤمها من عدم بروز أي بارقة أمل في المستقبل القريب.
و توضح ماولنبلت أنها تشعر بأمان و راحة تامة في غزة, لكن يعتريها خوف كبير عندما تسمع صوت الطائرات الإسرائيلية تحلق في الأجواء, فهي لا تعلم إن كان صاروخ إسرائيلي سيصيب سيارتها أو يسقط في منزل تكون قريبه منه وخلاف ذلك تعتقد جازماَ أنها محل ترحاب و تقدير شعب فلسطين.
وتشير ماولنبلت إلى المعاملة السيئة التي تتلقاها في مطار بن جوريون و معبر إيرتز من جانب الإسرائيليين كونهم يعرفون مسبقاَ أنها لم تأتي إلى هنا من أجل السياحة و الترفيه, بل من أجل قضية عادلة مفادها أن شعب يرزح تحت الإحتلال بحاجة ماسة للمساعدة و الوقوف إلى جانبه, و نظرات رجال الأمن الإسرائيلي لا تتضايقها أو تهز مشاعرها كونها تعرف أنها ممكن التعرض إلى ما هو أسوأ من ذلك.
و تضيف ماولنبلت أنها تلقت الكثير من رسائل التهديد و التعرض لها بالأذى في هولندا, بل أن اللوبي الصهيوني شهر و قدح بها عبر صفحات الجرائد ووسائل الإعلام الأخرى و إتهمها بمعاداة السامية, لكنها رغم ذلك هي مازالت تعمل لصالح الشعب الفلسطيني و لم تخيفها التهديدات طالما أنها مؤمنة بالعمل الذي تقوم به, ولا بد هنا الأخذ بعين الإعتبار أن هناك يهود غاضبون من سياسات الحكومة الإسرائيلية وحانقون كون الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين بإسمهم, ولديها صديقة يهودية تنادي بنفس مبادئها, و من ضمن طروحاتها أنه لا يحق لأي يهودي أوروبي أو غيره العودة لإسرائيل طالما لم يتمكن الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم.
و أوضحت ماولنبلت أن كثيراَ من الأوروبيين لا يميزون بين العرب و المسلمين أصحاب الحضارات و نفر قليل لا يعبر إلا عن وجهة نظر ضيقة , لكن ماهو أخطر هو عودة النهج التوسعي الإستعماري الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية .
شعب عريق
تفتخر كثيراَ السيدة ماولنبلت بعلاقتها مع الشعب الفلسطيني الذي ضرب أروع الأمثال في الصمود و الكبرياء, واصفةَ إياه بالشعب العريق الذي يأبى الإنكسار, رغم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها يومياَ, و إستطاع أن يتغلب على التحديات التي يواجهها بالعزيمة و الإصرار, فالناس هنا يحبون الحياة كما يحبون أشياء أخرى, و ليس كما يروج عنهم في الغرب أنهم يحبون الموت فقط.
و تشيد ماولنبلت بالنساء الفلسطينيات اللواتي يكدحن من أجل رفاهية عائلاتهم, وهن أيضاَ يناضلن من أجل إكتساب حقوقهن, و تقول أنها ترى تغيرات إيجابية في المجتمع الفلسطيني مع كل زيارة جديدة لفلسطين كما يحدث على سبيل المثال في هولندا, فهناك أيضاَ تغيرات.
و أضافت ماولنبلت أن الشعب الفلسطيني يستحق الوقوف إلى جانبه, و مساعدته بقدر الإمكان بدون شروط كما يحصل أحياناَ, و يجب تهيئة الظروف المناسبة له لبناء مؤسساته كما يراها تتفق مع مصلحته الوطنية و بالشكل الديموقراطي, مشيرة إلى أن الجهات المانحة تسعى دائماَ لمعرفة أوجه صرف أموالها و أنها لا تذهب إلى جهات لا تستحقها حسب المفهوم الأمريكي و الأوروبي.
شعور بالأسى
و يعتري ماولنبلت شعوراَ ملؤه الضيق و الألم عندما تشاهد صورة الجندي الإسرائيلي وهو يضرب إمرأة فلسطينية طاعنة في السن ذنبها أنها تدافع عن أرضها المزروعة بأشجار الزيتون, أو مجموعة من جنود الإحتلال يطلقون النيران تجاه مجموعة من الصبية و الأطفال لا ذنب لهم سوى أنهم ذاهبون لمدارسهم.
و تضيف أنها تحاول بقدر الإمكان الإستفادة من هذه المشاهد و فضح ممارسات الإحتلال في المحافل الدولية, من خلال نشر المعلومات عبر القنوات الإعلامية.
و عبرت ماولنبلت عن تذمرها من تراجع حركة التضامن الأوروبية مع الشعب الفلسطيني, إلا أنها عزت أسباب ذلك الى الخوف من الإسرائيليين و ما قد يواجهونه من منع و تنكيل فهي على سبيل المثال حجزها الجنود الإسرائيليين لفترة من الزمن, إضافة الى أن مؤسسات أخرى تمنع الأوروبيين من القدوم الى فلسطين, و هناك أخرين أصابهم التعب و الإجهاد بسبب طول فترة الإنتفاضة دون توقف, كذلك أثرت أحداث رفح كثيراَ على اتجهاتهم, فهم يشاهدون التلفاز و يعرفون أن الرصاص الإسرائيلي لا يميز بين أوروبي و فلسطيني.
و توضح ماولنبلت أن الأوروبيين سيكونوا أكثر تحرراَ و عدالة عندما يتخلصوا من عقدة الذنب تجاه اليهود, وما دون ذلك فالمواقف ستبقى حالها, مشيرة إلى أن الأوروبيين لا يعرفون أن غزة هي في حقيقة الأمر سجن كبير حتى في حال إنسحاب الإسرائيليين منه سيبقى كذلك و بإمكان الفلسطينيين تسمية هذا السجن الكبير بالدولة و تكون لها عاصمة أيضاَ.