مايؤخذ على تعميم ارتداء الثياب الكوردية في عيد المراة العالمي



عماد علي
2012 / 3 / 11

لا ضير في الالتزام بالخصوصيات القومية مهما كانت، ان لم يؤثر على حقوق الاخر و يحدد من حريته و يعتدي على مجال اخر في الحياة العامة، و بالاخص بعض العادات و التقاليد و التراث و الفلكلور و الثقافات و الطقوس الخاصة التي كانت في يوم من الايام رمزا للتحدي و المقاومة و الصراع مع الدكتاتورية، و دافعا لرفع المعنويات و ضرورة ذاتية للحفاظ على الكيان و الصراع من اجل البقاء و الوقوف ضد الابادة الشاملة، كما هو حال الملابس الكوردية في حقبة الظلم و الغدر البعثي الشوفيني في الايام الحالكة . هكذا كانت الخصويات الكوردية و التراث الكوردي الشعبي الغني و ممارسة الطقوس و الاعياد الخاصة ابان حكم الدكتاتورية البعثية. و بمثل هذه الرموز و الفعاليات و المقاومة تمكن الشعب الكوردي من الحفاظ على كيانه لحد كبير، مع وجود الصراع المسلح، كان الافعال المظهرية و التقاليد و العادات رمزا للوحدة و تعبيرا صادقا نابعا من الصميم و نضالا مدنيا معبرا عن المباديء الصادقة و التضحية و الفداء من اجلها، بحيث لا تقل اهميته عن النضالات الاخرى اثناء الحركة التحررية الكوردستانية . و كانت الدكتاتورية في المقابل، تقف بالمرصاد لهذه المواقف و الطقوس و تحاربها بكل ما لديها من السلطة و الامكانيات و الوسائل و الطرق و بشتى التوجيهات و السبل من الترهيب و الترغيب ولو بشكل غير مباشر احيانا، و جعلت اي فعل بهذا الاتجاه و الالمام بالسمات و الخصائص القومية غير مرغوب فيه، و حاولت مسح الخصوصيات من حياة عامة الشعب الكوردي، و هذا ما ولد رد فعل طبيعي بحيث خرجت العادات و التقاليد من بعض معانيها و طورها الخاص بها ، وحتى بعض الطقوس كانت تخرج من مضمونها و ينظر اليها كسلاح المستضعفين، ناهيك عن المنع المباشر لمثل هذه الخصوصيات في المناطق الحساسة و خاصة المناطق المعروفة اليوم بالمستقطعة من كوردستان، و كذلك كانت الدكتاتورية تقف ضد كل توجه يقترب من هذا الشان في الدوائر الرسمية بكل ما اوتي من قوة و سلطة، و هذا ما دفع بالشعب الكوردي الى المبالغة في الالتزام بها في اكثر الاحيان ايضا .
اما اليوم و بعد اكثر من عقدين من التحرر من الدكتاتورية و الحرية النسبية المقنعة في كثير من الامور العامة و من هذا الجانب بالاخص، فلم تبق وراء تلك المواقف دوافع سياسية بارزة كما كانت، و هذا لا يعني ترك العادات و التقاليد و التراث و الخصوصيات القومية جانبا و الاهتمام بالمستورد فقط. و لكن لكل مرحلة مضامينها و معانيها و سماتها و متطلباتها، و الشعب الكوردي لم يتحرر بشكل مطلق و شامل و كامل و لم يحقق استراتيجيته و اهدافه الحقيقية العامة لحد اليوم على الرغم من الانتقالة التي شهدتها كوردستان و عبرت بها الشعب الكوردي في حياته الخاصة و العاامة الى الضفة الاخرى . لذا النضال و الكفاح المسلح استوفى شروطه من قبل و لم يبق له اي داع حاليا و في مثل هذه الظروف العالمية المسيطرة الان و المعادلات التي تفرض نفسها على المنطقة عموما و كوردستان خصوصا، و الحرية المتاحة للتعبير و السلوك و الالتزامات لم تدع تلك التعابير كما كانت و تحل محل التضحية الجسدية و الدخول في الحرب مباشرة، و اتخاذ بعض الرموز و المناسبات لم تبق وراءها دوافع سياسية تدفع بالشعب ان تلتزم بها كما كان يحتذى بها من قبل من هذا المنظور. و لم يظل الفلكلور و التراث الكوردي الثري كما كان سلاحا للضعفاء و رمزا للبقاء ابان المرحلة الصعبة، بل عاد الى مكامنه و معانيه و تعابيره و رموزه الحقيقية الخاصة به .
عيد المراة، اليوم، في ظل النظام العالمي الموجود و ما يلحق بالمراة من الظلم و الغبن، اصبح رمزا خاصا بنضالهن من اجل تحقيق اهدافهن وامنياتهن و تحررهن من ربق ما يظلمهن و دافعا لتحررهن من القيود الاجتماعية و السياسية و الثقافية و ما خلفته الظروف العالمية و القوانين العالمية و المقيدات الاجتماعية ، و من اجل خلاصهن من الظلم و القهرو عدم المساواة الذي يتعرضن له . نحن نعيش في عصر الراسمالية القحة الذي يضم في ثناياه ما يضر بالمراة و يجعلها سلعة و اباحت العديد من قيمها الجمالية من اجل الربح و المال فقط و بعيدا عن الانسانية ، و المراة هي المتضررة الاكثر و الاولى في العالم اجمع من هذا النظام العالمي الجديد .
انني و ان كنت لا اوافق على تحديد يوم معين بذاته لنضال المراة و تركها في اغلب الاحيان و الاوقات الاخرى، الا ان الاحداث التي شهدها يوم عيد المراة العالمي في ظروفه و اوضاعه الذاتية و الموضوعية في حينه و سجلت تلك الاحداث و فرضت نفسها و المت بضمير البشرية في التاريخ، ان هذا اليوم يستحق ان يذكر و يصبح رمزا و يكون له مقايسه و ثمنه في نضال المراة و يكون دافعا لما يتطلب منهن الخوض في مضمار النضال الطويل امامهن من اجل تحقيق اهدافهن و امنياتهن. اي يمكن ان يشبه هذا اليوم في النظام العالمي السائد و بخصوصياته و مضامينه و ما يعنيه كرمز للمقاومة الشيء نفسه كما كان يعانيه الشعب الكوردي و ما كان يفعله ايام الدكتاتورية من حيث الشكل و المضمون .
لكن ما يؤخذ على قرار السلطة الكوردستانية في الاقليم هو جعله يوم عيد المراة يوم ارتداء غير الملزم الشعب الكوردي للملابس الكوردية الفلكلورية الخاصة به، وهو قرار في غير محله و انه تغطية شاملة و قوية لعيد المراة على الرغم من حرية الالتزام بهذا التوجه، ال اان اي عمل من شانه اخفات بريق رمز اية مقاومة و من ضمنه يوم المراة يعكس من الهدف و يفرغه من محتواه، و يجعل اليوم الخاص في وضع و واقع يلفت الانظار عن الهدف الرئيسي و ربما لو تكرر هذا بمرور الايام سيختفي عيد المراة في كوردستان، و الفاعل هو العديد من الجهات الا ان المنفذ هو المراة نفسها المشاركة القوية في هذا القرار و المجال.
اليوم الذي يتطلب النشاطات الاجرائية لتفعيل نضال المراة و دفعه الى الامام و لفت الانتباه الاكثر الى قضيتها، و من اجل تحويل و ترسيخ الارضية من حال نجد فيها تعابير النضال الحقيقية الصادقة الخاصة بها الى حال يمكن ان يسودها الرقص و الغناء و الفرح و المسرة و الالتهاء المظهري فقط. انه لتشويه لهذا اليوم و هذا ماكان تتامله الجهات المتخلفة، و هي تدفع الكثير من اجل هكذا افعال و قرارات و توجهات، و هي تحققه اليوم دون جهد يذكر، و بالاخص من الملتزمين المتزمتين بالعقائد و الايديولوجيات الخيالية البالية،و من هؤلاء الذين يحاولون تغيير امور الحياة و نقلها من الارض الى السماء .
و ارجوا ان يكون هذا القرار عفويا و خطئا عابرا غير مقصودا من قبل حكومة و وزارة حساسة في اقليم كوردستان الذي يعتبر نفسه علمانيا . و من اجل عدم تكراره او ربما تثبيته سنويا فعلى المراة بذاتها و معها المتنورين التي وقعوا في الفخ غير المقصود ان يعيدوا النظر و ان يطلبوا تغيير موعد هذه المناسبة و ان يهتموا بالتراث و الثقافة الكوردية بشكل دقيق ، و ان يكون الاهتمام بطريقة يقع في صالح الشعب و مستقبله و ان لا يكون مضرا باالجوانب الانسانية الاخرى ، و ان لا يقع بالضد من نضال المراة و قضيتها بشكل خاص، و الاهتمام بالخصوصيات و السمات و المقومات القومية الكوردية من اهم المباديء الاساسية و لا ضير في تقويتها ، الا انه يجب ان يكون الشكل و الكيفية و الطريقة و التعبير و الوقت متلائم لها من كافة الجوانب .