[ غشاء البكارة بين التقديس الحالم و التدنيس الهادم ]



أيوب بن حكيم
2012 / 3 / 20

بدا بمقولة محفزة ترعشني كلما مررت بها :

" ومن هنا تكون الحاسة الدينية مجاوبة صحيحة للوجود العظيم الذي يحيط بالإنسان،سرمديا بعيد الأغوارعميق القرار" .(العقاد كتاب الله ص 12)

فطرةُ الإنسان ِ البار إيمانـُه كونَ فضاءٍ رحبٍ ينتظرُه في الآخرة بعد العاجلة، وفطرة المسلم الآثم أن يشك و يسأل، فالأول من الأشراط و الثاني من الأرذال...حور عين ووديان من عسل مصفى تنتظر بشوق المسلمَ الصاغر،ونار بزقوم تنتظر المسلمَ الشاك الأبي. انتقالُ المسلم من عالمه الى عالم الإثراء بعد الإملاق، الى عالم النعيم لا الجحيم،يعاكسه المبدأ الكلامي"كل قديم باق،وكل حديث فان" (عن الإنسان الكامل حسن حنفي ).

لماذا يصرُّ المسلمون ويؤكدون على فعلية وجود الجنة ؟

من المعلوم أن وحي الله عز و جل إنما نزل أولا على عرب صحراء آسن آجن ماؤها، مستشر فيها عطش شديد،فوعدهم القرآن بوديان فرات زلال ماؤها..أي خصب بعد جدب ، و ينوعة بعد قحط،ونحن نرى أن الله وفى بوعده فمنحَ عرب الصحراء جنات تجري من تحتها أنهار من نفط و غاز يُصفى فيباع..

لماذا الجنة عكس تضاريس و مناخ جزيرة العرب ؟ هل لو كان الوحيُ نزل في السويد مثلا كان سيعد أهل إسكندنافيا بجنة حارة و نار باردة ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وجودُ الجنة الفعلي عندي وجود لفظي،فالله عز و جل وصف الجنة بتفصيل كبير في شتى مساحات وحيه اللغوي،ولا شك أن المسلمَ قارئا أوصافـَها يتمثلها فيتصورها، مع ذلك فإن تصوره و تمثله ليسا هما الجنة، لكونه قاس معرفته البسيطة على معرفة غيبية،وسيصدم بعد"بعثه" أن تصوره على درجة من الوهم كبيرة،رغم أنه بنى تصوره على كلمات القرآن نفسه، في نفس الآن سيجد أن الجنة هي هي كما وصفتها الكلمات الربانية،ومرد هذا الخلطِ هو مايسميه ابن سينا في "التعليقات" بمفهوم الإضافة الوجودية و هو كون المعنى بحيث إذا عقل معقول الماهية بالقياس الى غيره فليس ذلك وجوده .

(وهو قريب الى العائق الأنطولوجي عند الفينومينولوجيين)

الإبانة لا فقر الإضمار،وأنهم يعيشون إملاقا فأعطاهم إثراءً،وأنهم يعيشون ابتئاسا و اغتماما فبدلهم اغتباطا و انشراحا بشرطي الإبعاد و الإدناء.تأكيد الله أن الجنة لمن قبل والنار لمن أبى، هو تأكيد على إرادته نظاما معينا في الكون لا نتجاوزه، هذا النظام يعتمد على عقيدة متينة وعباردات منتظمة وأخلاقا تنتج عنهما فينتظم الكون إبانئذ..الله عز و جل لا يكذب ولا يوهم،لكنه يعرف أن العربَ يكتنهون الشيء من خلال غنى

هل فعلا يستحق المسلمون ولوجَ فضاء مخصص لمجازاة الأخيار ؟ نحن نتعامل بالأبخس و نرنو نحو الأنفس،بالأشح نحو الأندى،بالتأريث والتأجيج عوض الإطفاء

أمرنا الله بالاجتماع و الانضمام،ونحن تعقفنا و تفرقنا،ليلنا مسود غاية الاسوداد،ونروم صباح الابيضاض،نروم الأبديَّ و أخلاقنا بائدة بدائية،ندعي الابتداه ونحن متكلفون،نحظر و نبيح كلما عن لنا ذلك..على المسلمين أن يحلموا بشيء واحد : ألا توجد النار فعلا فهم إليها أقرب، أو لا تكون خالدة كما رأى"ابن تيمية".

هل لله عز و جل كما يتصوره غباؤنا فشل في تربية خير أمة أخرجت للناس ؟ أم أن اللهَ غيرُ الوجود الذي نظنه عن طريق القياس الساذج ؟

لم لا يكون الله هو نسمة الهواء التي تنعشنا وبسمة الحبيبة التي تسحرنا و موجة البحر التي تبهرنا وعطفة الأم التي تسكننا ؟

يمكن البرهنة على وجود الله بفعل الحركة و النظام كما يرى الفارابي (كتاب الجمع ص 10 ) أليس من المنطقي أن يكون اللهُ هو نحن ؟ لماذا يصر الله عز و جل على انه في كل مكان فيما نصر نحن على تصوره جالسا على كرسي مثل حاكم عربي يأمر وينهى ويغضب مثل طفولية حكامنا ؟ أليس الذات الجليلة أكبر من هذا ؟

لماذا لا تكون الجنة هي الإنسان و قد تخلى عن شروره و طغيانه و نفاقه و ظلمه ؟ لم لا تكون الجنة هي مثالية الاخلاق بعد ان تنتظم البشرية في عقد ؟

بمعنى أن اللهَ و الجنة والنار في الإنسان نفسه،الإنسان هو المشكلة و الحل،أما الله بوصفه خالقا فهو أكبر من ان نحشره في صراعاتنا الإنسانية، فاقول عكس ما يوقله الفارابي في الإرادة و الطبيعة. أخيرا وقد أقرأ الرفض في عيونكم أقول "الأصل في الحوار هو الاختلاف"

(الحق العربي طه عبد الرحمان ص 27 )

ثم أستعير مقولة أبي يعرب المرزوقي :

"كلا المتشدقين باسم الدين و الفلسفة مجرد مقلدين لفضلات فكر ميت،الفكر الديني من ماضينا و فضلات الفكر من ماضي أوربا.."

(تحديات و فرص ص 124 ).

مقولات محفزة :

ـ لا يوجد عالم الاعيان خارج عالم الأذهان(بريكلي)

ـ الإرادة هي الانسان(شوبنهاور،سارتر)،

ـ إن الإرادة هي الله متجسدا في الانسان....(أيوب بن حكيم)

فلنتصور الأشياء كما في الذهن والروح لا كما يمكن أن تكون في الواقع الشكلي...وستتداعى ماديتنا وحسيتنا أمام إرادة الفكرة...