دور المرأة في العصور المختلفة



اميرة بيت شموئيل
2012 / 3 / 21

كثير من الاحيان عندما تطرح قضية المرأة وحقوقها الانسانية للنقاش يتحول النقاش الى صراع بين المرأة والرجل ويتخلله النكات والمهاترات ، مع العلم ان قضية المرأة ليست بين المرأة والرجل، بل هي بالاساس بين المرأة (العنصر الفعال في عطائه واداء واجباته) والدولة التي من المفروض ان تحترم عطائها وتصون حقوقها.
قبل الدخول في صلب القضية هنا لنلقي نظرة سريعة لدور المرأة في بناء تاريخ العائلة والمجتمع في العصور المختلفة والى هذا اليوم ، لتوضيح الصورة اكثر.
من المعلوم تاريخيا ان حياة المجتمع الانساني مرت بعصور مختلفة اختلفت عن بعضها البعض بحسب الثورات التي جاءت على اثر عمل الانسان الدؤوب من اجل تغيير الحياة الى الافضل.
بسبب هذه الثورات والتغييرات التي احدثتها، قسم علماء اليوم، تاريخ الانسان والبشرية من بداية تواجده الى اليوم الى اقسام مختلفة منها:
العصر الحجري :
استخدم فيه الانسان الحجر لصنع ادوراته، ويتكون من الاولي والوسطي وفي النهائي بدأت بوادر الثورة الزراعية وتدجين عدد اكبر من الحيوانات.
في هذا العصر كانت المرأة تشارك الرجل بصيد الحيوانات بالاضافة الى الدفاع عن العائلة (الاطفال) ومهمة اطعامهم عندما يكبروا ويحتاجوا الى اكثر من حليب الثديين (وهذه مهمة فرضتها الطبيعة التي اوجدت الحليب في جسد المرأة بعد ولادة الطفل، كما اعطت لها مهمة حمل الطفل في رحمها لتسعة اشهر والانجاب)، وخاصة في الحالات التي قد يتعرض الاب الى القتل ، فهنا لابد وان تتحمل المرأة مهمة الدفاع واطعام العائلة بشكل كامل، حتى وان تعايشت في ظل مجموعة متماسكة (كما نجد حياة الحيوانات الاجتماعية ).
في نهاية العصر الحجري الثالث 5- 6 الاف سنة قبل الميلاد بدأت عملية تدجين بعض الحيوانات لمساعدة الانسان في عملية الصيد وكذلك بدأت الكتابة الاولى ( الرسومية) بين الانسان واخيه الانسان لتتم عملية تبادل المعلومات، كما بدأ اهتمامه بمعرفة النباتات وبدأ بزراعة بعضها، لتبدأ من هنا الثورة الزراعية والتحول الى عصر اخر.
العصر الزراعي او الثورة الزراعية :
ويسمى ايضا عصر الاستقرار، وهو العصر الذي تطورت فيه الكتابة الرسومية الى مسمارية ( اي التطور من الوصف الى التعبير عن الافكار ايضا) لتبدأ كتابة التاريخ البشري ، وتمت عملية تفاهم اكبر بين الناس، كذلك بدأ الانسان بتدجين عدد اكبر من الحيوانات المختلفة والاستفادة من انتاجها ولحومها وقوتها. وفي نفس الوقت التفت الى الطبيعة وتحسين الزراعة واعادة زراعة البذور لتكثير منابع الطعام ، وتحول الى الاستقرار حول المنابع الخصبة التي يتوفر فيها المياه.
اذا كان العصر الحجري قد ابتعد عنا بحيث لا نجد اثار حية له في يومنا، نجد ان اثار العصر الزراعي ما زالت امام اعيننا، ففي كل بلدان العالم هنالك الاهتمام بالزراعة وفيه يمكننا ان نجد دورا واضحا للمرأة داخل وخارج بيتها. فعندما تزور اي قرية تعتمد على الزراعة تجد عمل المرأة الدؤوب في الحقل بالاضافة الى مهماتها المنزلية التي احتفضت بها لحد اليوم.
يجدر الاشارة هنا ان ازدهار الثورة الزراعية تطلبت تجمع اكثر للايدي العاملة وهذا ما ادى الى الاستقرار والاكثار من الانجاب وتجمبع اكبر عدد من الناس وبالتالي التحول الى قرى وبناء مدن اكثر تطورا .. ولكن.. ايضا الثورة الزراعية خلقت التنافس من اجل السيطرة على هذه الجموع المتواجدة وانتاجها ومن هنا بدأت ظاهرة الاقطاع تتفشى في المجتمعات وتحولت في الكثير من الاحيان الى قمع الجموع من قبل مجموعة اقطاعية صغيرة .. وبدأت الاموال تتحول اليها وتتكدس فيها والقوانين التعسفية تخرج منها ، وبدأت عملية تمجيد اعمال الاقلية المتسلطة وتسفيه كفاح الاغلبية المكافحة. وبدات هذه المجتمعات نفسها تتعلم من الحكام وتتحول العائلة الى سيطرة شخص واحد على الاخرين. في هذا العصر وقعت المرأة والابناء تحت سلطة القوانين التي اغتصبت حقوقهم الانسانية على الرغم من كفاحهم. بنهاية هذا العصر بدأت الثورة الصناعية عندما تمت اختراع الماكينات الصناعية وبناء المعامل لتساهم في زيادة القوة الاقتصادية، ولكن هذا ايضا كان بحاجة الى ايدي عاملة.
العصر الصناعي او الثورة الصناعية :
بدأت في منتصف القرن الثامن عشر وفي اوربا ( بالتحديد بريطانية ثم انتشرت الى بقية الدول التي سارعت في التوصل الى اسرار هذه الثورة).
شمل التطور الصناعي في البداية العديد من الميادين التي تستفاد من الانتاج الحيواني والزراعي كصناعة الغزل والنسيج (صوف الحيوانات والنباتات كالقطن) وظهرت المصانع والأفران (الحنطة لصنع الخبز). ولكن الآلات الجديدة كانت بحاجة إلى مصادر جديدة للطاقة فاستخدم الفحم الحجري ثم البخار وبعده الكهرباء والنفط في تشغيل المحركات والآلات وفي تسيير البواخر والقاطرات.
من الناحية الانسانية بالرغم من تطور المدن وخاصة الكبرى صناعيا الا ان استغلال الطبقة الغنية للايدي العاملة كان على اوجه ..
هنا الجدير بالذكر ان الثورة الصناعية استغلت جهود الانسان العامل في اغلب المصانع براتب زهيد وساعات طويلة بلا ضمانات وقوانين اخرى تعسفية وكان نصيب المرأة الاكبر من هذا التعسف، لانها لم تأخذ بنظر الاعتبار عملها في البيت وامومتها التي بقت متفردة بها الى جانب جهودها في المصانع .
ولكن ... الثورة الصناعية التي اوجدت النظام الرأسمالي والحروب العالمية التي حدثت في العالم والتي راح ضحيتها ملايين البشر وتحطمت من جرائها اغلب الدول، جعلت من تواجد عصبة الامم ( من الحرب العالمية الاولى الى الثانية) وبعدها الامم المتحدة (بعد الحرب العالمية الثانية) ضرورة ملحة للمساهمة بشكل اكثر جماعي لتطوير العلاقات بين الدول وافراز قوانين اكثر انسانية في العالم. فنلاحظ تبني الامم المتحدة اليوم للقوانين الانسانية في العالم ومساهمتها في تقريب الامم وتحسين علاقاتها بعضها ببعض وحتى التدخل بين الامم المتحاربة والتواجد في الاماكن الخطرة في العالم.
من جانب اخر مع اشتداد الضغط على العمال في المصانع بدأت ثورتهم تتبلور للمطالبة بحقوقهم الانسانية المشروعة ومعها بدأت ايضا مطالبة النساء العاملات بحقوقهم .
والحقيقة التاريخ يثبت ان مطالبة النساء في الغرب وتحديدا امريكا كانت قبل العمال ولكن جني ثمار هذه الثورة كانت ابطأ . فالمظاهرات الاولى للعمال في ساحة هايماركت في شكاغو جاءت في عام 1886 ، بينما المظاهرات الاولى للنساء العاملات في نيويورك كانت عام 1857 ، ولكن الاقتراحات التي اعتمدتها الامم المتحدة للاحتفال بعيد المرأة كانت لصالح التضاهرات النسائية في نيويورك في الثامن من اذار (مارس) لعام 1908 عندما تضاهرة الاف عاملات النسيج حاملات وبايديهن الخبز اليابس وباقات ورود (وسميت بمظاهرة الخبز والورود) مطالبات بتحسين ظروف العمل وتخفيض ساعات عملهن والمساواة في الاجر. وقد جاء قرار الامم المتحدة ايضا متأخر اي في عام 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قرارا يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من اذار (مارس). وهكذا اخذ بعض العالم يحتفل كل عام بيوم المرأة الذي جسد نضالها وفيه خرجت النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن وتذكير الضمير العالمي بالحيف الذي ما زالت تعاني منه ملايين النساء عبر العالم. والجدير بالذكر أن الأمم المتحدة أصدرت قرارا دوليا في سنة 1993 ينص على اعتبار حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان.
العصر التكنولوجي وثورة الانترنيت
اما اليوم ومع ثورة الانترنيت نرى تسارع الثورات الانسانية في التواصل والتلاحم مع بعضها البعض لخدمة قضاياها العادلة ومنها قضية المرأة التي خطت بثقة عالية خطوات رائعة في انحاء عديدة من العالم في تثقيف المجتمع الدولي بشكل عام لتغيير الانظمة والقوانين لتكون اكثر انسانية وخادمة بشكل افضل.
لنعود هنا ونسأل ما الهدف من استمرارية وتفعيل قضية المرأة بشكل خاص والقضايا الانسانية بشكل عام في العالم اليوم؟؟؟
المعروف عن الثورات الانسانية انما تأتي بالدرجة الاولى لخدمة العالم (من خلال جميع الدول ) ورفده باجيال سليمة وفعالة في مجتمعاتها وبالتالي ايجاد عالم افضل للتعايش والتعامل. ومن هذا المنطلق تأتي اهمية العمل على تطبيق المفاهيم الانسانية العالمية سواء في قضية المرأة او العامل او الفلاح او طفل وغيرها من القضايا التي لابد وان تؤثر على مستقبل العالم.
لقد نبهنا التاريخ الى ان تقدم وتطور اي مجتمع في العالم لابد وان يتناسب طرديا مع مكانة المرأة فيه، فالمجتمع الذي تجد المرأة فيه مهمشة ومغصوبة الحقوق، لابد وان يكون متخلفا وضعيفا، حتى لو جملت الديمقراطية جميع شعاراته، خاصة وان المرأة تعتبر المدرسة التي يتخرج على ايديها الشعب فلو تم اعدادها ومشاركتها على افضل وجه سيتم اعداد الشعب على افضل وجه ايضا. من هنا نجد ان اي تلاعب اوتباطئ في عملية تفعيل قضية المرأة ومشاركتها في بناء المجتمع لن يخدم تقدم وتطور المجتمع .
بالقاء نظرة سريعة على وضع المرأة في المجتمع الشرق اوسطي بشكل عام والعراقي بشكل خاص ومقارنته بحجم المسؤوليات الملقية على عاتقها والتضحيات التي قدمتها وتقدمها للمجتمع، نرى حجم الاجحاف والتجني بحقها كانسانة تشارك بفعالية ونشاط في البناء برغم الظلم الواقع عليها خارج وداخل بيتها.
فحالة التدني المؤسفة التي اصابت المجتمعات الشرق اوسطية، والتي وجدت اصلا بسبب الصراعات الجشعة وعمليات القمع واستخدام اساليب الغاب من قبل بعض الملوك والؤساء والملاكين، لتحويل ابناء الشعب الى عبيد في خدمة الطغاة والسيطرة على الارض والانسان على حد سواء، لم تشل قضية المرأة فقط ، بل قد شلت جميع قضايا المجتمع الانسانية وجعلتهم ضعفاء وخائري القوى امام الغزوات الخارجية وسهلت احتلالها وسلبها.
فالمطلوب اذا من كل الخيرين المثقفين الوطنيين ان يعوا حجم المسؤولية ويعملوا بجد ونشاط من اجل تفعيل ليس قضية المرأة فحسب وانما كل القضايا الانسانية ويقفوا حائلا امام كل من شأنه ان يؤثر سلبا على تقدم اوطاننا.