هل ستضع الحكومة -الإسلامية- حدا لشرعنة الاغتصاب ؟



سعيد الكحل
2012 / 3 / 24

اهتز الرأي العام الوطني والحقوقي يوم السبت 10 مارس الجاري على وقع فاجعة انتحار الطفلة القاصر أمينة الخليفي ذات 16 سنة في غمرة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة . وبحسب والد الضحية ، فأن الجاني احتجز البنت ( في غابة بالقرب من الطريق السيار.. فلدى والده اصطبل يرعى فيه الماشية وسط الغابة، فهناك اغتصب ابنتي وهناك كان يحتجزها. وقد انتقلت إلى هناك وأحضرتها، وفي الغد اصطحبتها والدتها إلى المستشفى للا مريم في العرائش، حيث منحوها شهادة طبية تؤكد أنها تعرضت للاغتصاب منذ شهر تقريبا ) . والجريمة في حد ذاتها مركبة لاشتراك أطراف عديدة في ارتكابها وليس الجاني وحده الذي أقدم على اغتصابها . حقا إن هذا الوحش الآدمي الذي اعتدى على براءة الطفلة وكرامتها يظل المسئول المباشر عن جرمه ؛ إلا أن أطرافا أخرى شريكة له في جريمته كل من موقعه : وعلى رأس الشركاء المشرع الذي وضع نصا قانونيا يشجع على الاغتصاب من حيث التنصيص على عقوبة مخففة أو منحه فرصة للإفلات من العقاب ، ومن ثمة شرعنة الاغتصاب وإدامته بتمكين الجاني من الضحية عبر تزويجها إليه كرها . وهذا هو منطوق الفصل 475 من القانون المغربي الجنائي الذي ينص على أن من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنها عن الثامنة عشرة، بدون استعمال عنف أو تهديد أو تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية تتراوح ما بين 200 و500 درهم. ومع ذلك فان القاصر التي اختطفت أو غرر بها، إذا كانت بالغة وتزوجت من اختطف بها أو غرر بها، فانه لا يمكن متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان حقا) . إن هذا النص القانوني يشجع ، من جهة ،على اغتصاب الإناث بعقوبته المحددة ، ومن أخرى ، يشرع الاغتصاب المتواصل للضحية بمكافأة الجاني على جرمه وتمكينه منها تحت مسمى "الزواج" . فالقانون عادة وضع لمعاقبة الجناة ورد الاعتبار للضحايا .إلا أن القانون الجنائي المغربي شذ عن القاعدة لما شرعن العنف النفسي والجسدي بتمكين الجاني من الضحية كزوجة ومكافأة له على جرمه ، دون أن يستحضر المشرع مأساة الاغتصاب التي ستعرض لها يوميا لتعيش المعاناة في صمت مدى الحياة إن هي صمدت وتحملت ، وإن لم تفعل كان خيار الانتحار أهون عليها من جحيم الاغتصاب والإذلال . ولعله قرار الطفلة أمينة التي لم تجد من ينتقم لها لكرامتها وشرفها وعرضها حين اغتُصبت وحين أكرهت على الزواج من مغتصبها وحين فقدت ما بقي من إنسانيتها بفعل التعنيف اليومي النفسي والجسدي الذي تعرضت له لا لذنب ارتكبته سوى أنها أنثى قادتها أقدارها أن تكون ضحية وحش فاقد للآدمية وتشريع مفتقر للإنسانية . وسيكون من الواجب الديني والأخلاقي والإنساني التعجيل بمراجعة القوانين المتعلقة بجرائم الاغتصاب وهتك الأعراض التي يذهب ضحيتها النساء والأطفال إناثا وذكورا ، وكذا مراجعة بعض فصول مدونة الأسرة التي تجيز للقاضي الإذن بتزويج القاصرات أو التي لا تقر بإلحاق الولد الناتج عن الاغتصاب إلى الأب الطبيعي/المغتصِب . وكلها قضايا تكون المرأة/الضحية وحدها الطرف الأضعف الذي يتحمل عواقب وتبعات الجريمة . إذ لا يمكن الاستمرار في تجاهل واقع المعاناة وعمق المآسي التي يعانيها ضحايا التقصير القانوني . وعلى الحكومة المغربية أن تحذو حذو المجلس العسكري المصري في التعجيل والتشديد من عقوبتي الاغتصاب والتحرش الجنسي ، بحيث تنص المادة 267 من قانون العقوبات المصري على التالي ( من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد ، ويعاقب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجني عليها لم يبلغ سنها ثماني عشرة سنة أو كان الفاعل من أصول المجني عليها ومن المسئولين على تربيتها وملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها ) . فالذين لم يردعهم الوازع الديني والأخلاقي سيردعهم الوازع القانوني (فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) . بل على الحكومة أن تستفيد من التجربة القانونية التي تنتهجها كثير من الدول ، والتي تقضي بـعقوبة "الإخصاء الكيماوي" في حق مغتصبي الأطفال كما هو معمول به في بولندا وروسيا وعدد من الولايات الأميركية. وكانت بولندا أول من عمل به وسط عتاة مجرمي الجنس في 2009. ثم تبعتها كوريا الجنوبية وروسيا ومولدوفا وألمانيا وجمهورية التشيك .وها هي بريطانيا تقرر تطبيق العقوبة نفسها . أما الطرف الثاني المسئول عن مأساة أمينة فهو وكيل الملك بطنجة الذي "نصح" أم الضحية ، كما جاء على لسان زوجها/أب الضحية " سيرو ديرو الكاغط". فليس من مهمة النيابة العامة أن "تنصح" الضحايا ، بل مسئوليتها توجيه التهم ومتابعة المجرمين .كما ليس من مسئوليتها أن ترغم الجاني على الزواج بالضحية ، وفق شهادة الأب التي جاء فيها (المغتصب رفض في البداية، والمخزن بزز عليه . عقد القران بالرغم منه ومن عائلته، وحتى 5 آلاف درهم المخصصة للصداق ورغم تسجيلها في العقد لم يمنحها يوما.) . إنه اغتصاب و"سَبْي" وتعنيف فقتل . وكان على وكيل الملك أن يطبق مسطرة المتابعة في حق الجاني بتهمة خطف قاصر واحتجازها واغتصابها تحت التهديد . وفي حالة ما إذا أرد الوكيل أن يجد مخرجا للجاني فالأجدر به أن يأخذ تعهداته مكتوبة ومصادق عليها بألا يعنف الضحية. وهو بهذا الإجراء سيجعل الجاني تحت رحمة العدالة ، مما سيحمي الضحية من الأذى . وما دام الأمر قد حدث خلاف هذا ، فإن الجاني وأسرته لم يرعوا فيها إلا ولا ذمة ، فأذاقوها أشد أنواع العذاب بشهادة والد الضحية الذي أكد رفضهم لها ( وبعد أخذ ورد قبلوا بأن يمنحوه كوخا صفيحيا تابعا لبيتهم في "حي الشرفا" بخميس الساحل، وهناك ستبدأ معاناة ابنتي لأنها في تلك "البراكة" الصفيحية، تعرضت للتجويع والضرب، كان آخره ما عاشته يوم الجمعة المنصرم حينما ضربها وأمه، فقصدت مركز الدرك الملكي، لكنهم طلبوا منها، للقبول بشكايتها، أن تعود في الغد ومعها شهادة طبية تثبت تعرضها للضرب والتعنيف على يد زوجها وحماتها. ولما عادت إلى البيت وعلم الزوج وأمه أنها شكت بهما إلى "المخزن، المسكينة زادوا ضربوها وحرموها من الأكل".
أما الطرف الثالث المشارك في المأساة فهو الدركي الذي رفض الاستماع إلى شكاية الضحية بما تتعرض له من عنف على يد المغتصب/الزوج . ولا شيء يمنع فتح محضر بالواقعة واستدعاء الجاني/المعنِّف للاستماع إلى أقواله وتقديمهما إلى المحكمة لتنظر في تهمة التعنيف . وكلما وجد الجاني نفسه مطوقا بالقانون كلما أخضع تصرفاته للمراقبة والضبط ، الأمر الذي لم يشعر به الجاني فزاده تعنتا خصوصا لما أدرك تخلي أسرة الضحية عنها ولم يعد لها من سند ، سيما وأن أباها ظل يرفض استقبالها في المنزل وتوفير حضن دافئ لها بعدما غدت بالنسبة إليه مصدر "عار" و"فضيحة" . فالأسرة ، في هذه الحالة ، مشاركة في المأساة من حيث كونها أرغمت الضحية على الزواج من مغتصبها ولم تطالب بمعاقبة الجاني وهي التي تعلم يقينا رفضه الزواج من ضحيته ؛ ومن حيث تخليها عن البنت وهي في أمس الحاجة إلى دفئ الأسرة وحمايتها ومساعدتها . أمام هذه الوضعية التي جردت الطفلة أمينة من كرامتها واغتصبت إنسانيتها وشرفها لم تجد غير الموت سبيلا للفرار من جحيم يحرق دواخلها وعنف يجلد جسدها وإهمال يذل كرامتها وقانون يشرعن اغتصابها . فالموت صار أهون لها من العيش في مجتمع لا يرحم وقانون لا ينصف . وهذه واحدة من المآسي التي تشترك فيها كل الأطراف التي ناهضت مشروع تحديد سن زواج الفتيات في 18 سنة وضغطت على الدولة من أجل إجازة زواج من هن دونه . فهل سيكفر حزب العدالة والتنمية عن مواقفه السابقة بالعمل على تغيير القوانين المجحفة في حق النساء؟ إن الواجب الديني والأخلاقي والإنساني يفرض على الحزب ، باعتباره يقود الحكومة ويشكل الأغلبية البرلمانية ، أن يقود مبادرة تغيير هذه القوانين بما يضمن للنساء كرامتهن ويصون عرضهن ويحميهن من كل اعتداء .