8 مارس .. ورهاب المرأة



نجيب الخنيزي
2012 / 3 / 24

8 مارس .. ورهـاب المـرأة

الاحتفال باليوم العالمي للمرأة (8 مارس) جاء في ظروف متغيرة لغالبية مجتمعات وشعوب العالم، وفي مقدمتها المجتمعات والشعوب العربية التي تمر بمرحلة انتقالية معقدة من جراء التأثيرات والتداعيات والنتائج المباشرة وغير المباشرة لما بات يعرف بالربيع العربي، وعلى أرضية استمرار وتفاقم الأزمة المركبة / المستعصية وبتجلياتها السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، والأمنية التي يعاني منها العالم العربي. اللافت هو الحضور والمشاركة القوية للمرأة في التحركات والانتفاضات والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المجتمعات العربية على امتداد العام المنصرم، وبما في ذلك المجتمعات التي توسم بالتقليدية والمحافظة، وقد جاء نيل المناضلة الحقوقية اليمنية البارزة توكل كرمان لجائزة نوبل العالمية للسلام تثمينا للدور الطليعي المهم والمتزايد للمرأة العربية في مناشط العمل والسياسة والمجتمع والثقافة. الجدير بالذكر بأن كرمان تعد إحدى أبرز النساء المدافعات عن الحريات العامة، وحرية الصحافة، وحقوق الإنسان في اليمن كما شاركت في قيادة العديد من الاعتصامات والتظاهرات والمسيرات السلمية في الساحات والشوارع للمطالبة بإسقاط الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.. توكل كرمان هي في الوقت نفسه عضو في حزب التجمع اليمني للإصلاح (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) المحافظ، كما يشغل والدها عبد السلام منصب عضو مجلس شورى الحزب. هذه الصورة المشرقة للمرأة العربية تؤكد العلاقة العضوية / الجدلية لتحرر المرأة والمجتمع في الآن معا، وأنه لا يمكن لأي مجتمع أن يتحرر ونصفه وراء الجدران، ومقياس تقدم وتحرر المجتمع يرتبط في المقام الأول بمدى تقدم وتحرر المرأة فيه.
في المقابل، علينا الوقوف لحال من الرهاب والخواف ( الفوبيا ) من المرأة لدى بعض المكونات الدينية والاجتماعية وقيمها المتزمتة أو المحافظة. الدكتور مصطفى حجازي في كتابه المهم (التخلف الاجتماعي ــ مدخل إلى سيكيولوجية الإنسان المقهور ) شخص الرهاب أو الخواف أو الذعار، «باعتباره خوفا مرضيا من أشياء أو كائنات أو أماكن أو وضعيات لا يفترض أن تثير الخوف عند الإنسان الراشد العادي، يصاب المريض من هؤلاء بذعر شديد عندما يلتقي بموضوع خوافه، وهو لذلك يتجنب ذلك اللقاء من خلال طقوس عديدة واحتياطات كثيرة. موضوع الخواف (الرهاب) يثير عند المريض نوبة قلق بكل مظاهرها النفسية والفسيولوجية. ويستند في الواقع إلى إسقاط القلق الداخلي المتأزم مرضيا على موضوع محدد (المرأة مثلا) وحشره بالتالي في زاوية معينة من الوجود مما يترك حرية الحركة كاملة للمريض بعيدا عن موضوع خوافه» .. نستطيع تلمس تجليات الرهاب بشكل جلي وقبل كل شيء إزاء الصورة النمطية الشائعة للمرأة «الصالحة» التي عليها الانصياع للأعراف والقيم (خارج الشريعة السمحة) المتخلفة السائدة في ظل مجتمع أبوي / ذكوري (بطرياركي) تقليدي، والانقياد لاستلاباته القهرية، الاقتصادية، الاجتماعية، الجنسية، والعقائدية.. يعتبر د. مصطفى حجازي الاستلاب العقائدي أخطر أنواع الاستلاب لأن المرأة تتبنى كل الأساطير والاختزالات التي يحيطها بها الرجل، كما أنها تجتاف أحكامه الجائرة بصددها فتتقبل مكانتها، ووضعية القهر التي تعاني منها كجزء من طبيعتها، عليها أن ترضى بها وتكيف وجودها بحبسها. الاستلاب العقائدي، هو أن تقنع المرأة بدونيتها تجاه الرجل، وتعتقد جازمة بتفوقه، وبالتالي بسيطرته عليها وتبعيتها له .
2
رهاب المرأة في مجتمعنا لمسناه وشاهدناه بالملموس في كل مرحلة من مراحل تطورنا الاجتماعي، كالموقف الرافض لتوسيع مجالات المرأة، مثل انخراطها في التعليم، ثم بتحديد مجالات عملها في خيارات محدودة (التعليم والصحة) جدا..
وتحت حجة شرعية «درء المفاسد أولى من جلب المصالح» على حساب قاعدة شرعية تقول«الضرورات تبيح المحظورات» حيث يجري ممارسة العنف (المادي أو الرمزي) واتخاذ مواقف معارضة بشدة لرفع الوصاية (غير الشرعية) عن المرأة على صعيد الأحوال الشخصية وأهليتها الاعتبارية..
أو توسيع مجالات عملها بحجة خطر الاختلاط مع الرجل (مثال العمل في محلات بيع الملابس النسائية والكاشير... إلخ) أو تسهيل حركتها (قيادة السيارة)..
أو مشاركتها مع الرجل في المناشط الثقافية (مهرجان الجنادرية، مؤتمر المثقفين، معرض الكتاب، الأندية الأدبية) أو المناشط العلمية، الابتعاث إلى الخارج، المشاركة في المؤتمرات المتخصصة في الداخل أو الخارج)..
ناهيك عن الموقف السلبي من مشاركتها في الشأن العام (الانتخابات البلدية، مجلس الشورى) باعتبارها تندرج ضمن الولاية الكبرى التي هي حكر للرجل من وجهة نظرهم، متناسين في كل ذلك الاختلاط في الحرمين الشريفين.
ومتغافلين عن دور المرأة البارز في عهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) التي شاركت في البيعة العامة والخاصة، وكذلك في عهد الخلفاء الراشدين، وفي الحضارة العربية / الإسلامية في عز ازدهارها وتألقها..
حيث سادت قيم التسامح والانفتاح والتفاعل مع الحضارات والثقافات الغابرة والمجايلة لها، قبل أن تدخل المجتمعات العربية / الإسلامية عصور الانحدار والاستبداد والجور، والتخلف، والبيات الحضاري / الاجتماعي / الثقافي الذي ساد مئات السنين..
حيث جرى تغييب الاجتهاد والعقل والعقلانية لصالح الاتباع والنص والنقل الحرفي الجامد بمعزل عن الواقع وضروراته، متناسين القول المأثور للرسول محمد صلى الله عليه وسلم «أنتم أدرى بشؤون دنياكم»..
على الرغم من الصعوبات والمعوقات والممانعات المختلفة، فقد تحقق العديد من المكاسب المهمة (مقارنة بالسابق) في السنوات الأخيرة، على صعيد نيل المرأة في بلادنا للعديد من حقوقها المستلبة، وخصوصا في مجالات التعليم، العمل، والمشاركة المحدودة في الشأن العام..
غير أنه لايزال أمامنا طريق وعر وشاق لتحقيق ما تصبو إليه المرأة (شقائق الرجال) من مساواة فعلية في الحقوق والواجبات، وعلى قدم المساواة مع الرجل..
وقبل كل شيء يتعين التخلص من شتى صنوف الرهاب في المجتمع، وفي مقدمتها رهاب المرأة.
وهو ما يحتاج إلى تضافر جهود الدولة من خلال تطوير التشريعات والأنظمة، والارتقاء بدور التعليم والثقافة والإعلام.. كما تلعب مؤسسات المجتمع المدني المستقلة دورا مهما وفاعلا على هذا الصعيد.