المرأه والسياسه



سومر الياس
2012 / 3 / 25

فيما تقررالطبيعه أو تقرر البيولوجيا أن يكون المرء ذكرا أم أنثى عندما يولد, تقرر السياسه ومن ورائها القوى الإجتماعيه والإقتصاديه والثقافيه ماذا يعني أن يكون الإنسان ذكرا أو ماذا يعني بأن يكون أنثى في هذه الحياة, ففي ظل هذا الكم الهائل من الصور النمطيه الموروثه والمهيمنه على عقول الناس يلعب جنس الإنسان دورا أساسيا ومهما في صياغة طبيعة الصراع السياسي في المجتمعات وبالتالي في صياغة طبيعة القرار السياسي, وعلى الرغم من أن ما أنجزته المرأه والحركات النسويه في العقود الثمانيه الماضيه وعلى صعيد المشاركه والتأثير في العالم السياسي كان ملحمه تصلح لأن يتغنى بها هيومروس إلا أنه ومع ذلك فلازال الجنس يشكل عائقا أمام المرأه في العالم السياسي بشكل أو بآخر, وبالتالي أمام حياتها بشكل عام أو تلك الخيارات المطروحه أمامها لتحيا كما يجب أن تحيا, وسأحاول في هذا البحث القصير أن ألقي الضوء على بعض الحقائق المتعلقه بذلك.
لطالما قرأت هنا أو سمعت هناك مشادات حاميه الوطيس بين رجال ونساء حول مواضيع من قبيل أن الرجال أفضل من النساء في السياسه, وإن السياسه, تلك المحتاجه الى عقول صارمه موضوعيه, يجب أن تبقى منطقة ذكوريه بعيدة عن تلك الميوعه الأنثويه وذلك الهوس الأنثوي بالنفس الفرديه, والغريب أن مثل هكذا مقولات وإن كانت تبدو للوهلة الأولى نوعا من الهذيان الذكوري المحموم فإنها لا تزال فاعله وبشكل جوهري في العالم السياسي الى حد كبير, ففي معظم البلدان العربيه مثلا لازالت المرأه محرومه من حق التمثيل السياسي أو المشاركه في الإنتخابات أو حتى حق التصويت, إنها وفي كثير من البلدان العربيه محرومه من أي منصب قيادي, إنها محرومه مثلا حتى من قيادة مركبه كما هو الحال في السعوديه, وحتى في الدول الغربيه المتطوره فإن مثل هكذا رسائل ذكوريه للمرأه لازال لها صوت يسمع ولازال لها يد تفعل, ففي كندا على سبيل المثال يبقى الوجود النسائي نادرا في المراكز القياديه للأحزاب السياسيه, فقد كتب الصحفي دون مارتن وبعد خمسة وثمانين عاما من نيل المرأه لكامل حقوقها السياسيه, كتب يقول في عموده اليومي وعندما رشحت المرأه الأكثر قوه في كندا شيلا كوبس نفسها كرئيسة للحزب الليبرالي في عام 2003 : إن المرء محتاج الى بضعة أقداح من التكيلا لكي يستطيع أن يتخيل كوبس كرئيسة للوزراء, واقع الأمر أنه محتاج لأن يقلب زجاجة الكحول هذه كلها في حلقه قبل أن يستوعب مثل هكذا هلوسات, وبشكل مماثل وصف أحد الصحفيين في أحد مقالاته بليندا سترونتش وصفا جنسيا (hot babe) عندما رشحت تلك الأخيره نفسها لقيادة حزب المحافظين واصفا ذلك وبسخريه ذكوريه بأنه طموح شقراوات لا أكثر, والأمثله كثيره حول تلك العقليه الذكوريه التي لاتزال تحكم العالم السياسي من حولنا حتى في تلك الدول التي ساوت بين الرجل والمرأه في القانون مساوة مطلقه, فمثلا تم طرد عضوة البرلمان الإسترالي كريستي مارشال من البرلمان عندما كانت ترضع طفلتها الرضيعه في أحد جلسات البرلمان, وبالرغم أنه لاتوجد قوانين تمنع النساء من ذلك إلا أنه تم طردها بحجة أنه لا مكان للغرباء في المجلس حيث تم إعتبار الطفله الرضيعه بمثابة الغريبه وتم طرد عضوة المجلس على هذا الأساس.
بإختصار الشواهد كثيره على أنه وعلى الرغم من عدم وجود قوانين رسميه تميز بين الرجل والمرأه حتى في البلدان الغربيه فإن العالم السياسي في عمومه يبقى منطقه ذكوريه, ففي البلدان المتخلفه يهيمن الرجال على الحياة السياسيه بقوة القانون و بشكل مباشر وفي البلدان المتطوره يهيمن الرجال على الحياة السياسيه من تحت الطاوله وبشكل غير مباشر.
ومن هنا تبرز أسئلة هامه تفرض نفسها علينا متى كنا باحثين عن حياة أكثر عدلا وإنصافا بالنسبة للمرأه, فلماذا يهيمن الرجل على الحياة السياسيه؟ لماذا يهيمن على الدساتير وعلى الأفكار وعلى المناصب السياسيه؟ لماذا ينظر الى صناعة القرار دائما بأنها صناعة ذكورية بحته وأن ذلك أمرا طبيعيا جدا؟ كيف هيمن الرجل على العالم السياسي؟
وللتنويه فإن مبعث تلك الأسئله بالنسبة لي ليس كما تفهمه المرأه في مجتمع تقليدي, أي تحليل أسباب الإقصاء عن العالم السياسي كوسيله لتحطيم الموانع وفتح المجال أمام المرأه للدخول الى عالم السياسه لتعويض النقص الذي تعاني منه في مجتمع لازال ينظر لها بأنها ناقصه, ولكن مبعث تلك الأسئله هو علمي بحت, أي أن مبعثه هو تحطيم الموانع وفتح المجال أمام المرأه للدخول الى عالم السياسه لأن القرار السياسي هو ما يصنع في النهايه حياتها, ومن الطبيعي أنه ومتى كان القرار السياسي محتكرا من قبل الرجال كانت بالنتيجه حياة المرأه في المجتمع ناقصه ومطالبها مهمله وصوتها غير مسموع وإرادتها مسلوبه, أن مبعث تلك الأسئله واقع الأمر هو محاولة لصياغة حياة أفضل وأرقى للمرأه في مجتمعها من خلال إزالة تلك الحواجز التي تمنعها من أن تكون صانعة قرار وصانعة مصير وبالتالي في أن تكون ما تريد أن تكون.

الخرافه البطركيه

تعرف البنيه البطركيه ( أو البنيه الأبويه) في الإجتماع السياسي بأنها حكم الرجال, ففي مجتمع بطركي نموذجي للرجال سلطات وقوى أكثر بكثير مما تملكه النساء, إن جوهر البطركيه هو عدم المساوة بين الجنسين, من أتفه القضايا المنزليه الى صناعة القرار السياسي مرورا بالإقتصاد والإجتماع وحتى الثقافه والفن والدين.
والمجتمعات المعاصره إما أنها لازالت بطركيه بالفعل كما هو الحال في مجتمعات تقليديه كمجتمعاتنا العربيه, أو أنها تنحدر من مجتمعات بطركيه سالفه كما هو الحال في مجتمعات حداثيه كالمجتمعات الغربيه, فقد منح العقل البطركي, والذي يشكل الأساس المعرفي التاريخي الذي يقوم عليه أي مجتمع في عصرنا, منح السلطه والقوامه للرجل تاركا السمع والطاعه للمرأه, منحه تلك السلطه كأب في الأسره ( المجتمع الخاص) و كمواطن في الدوله (المجتمع العام), حقيقة الأمر أن الرجل في ظل ذلك العقل البطركي قد أقصى المرأه عن العام تماما نحو مكان عينه لها في الخاص كزوجه صالحه أو إبنه عفيفه, فيما تسيد هو على ذلك العام بجميع مؤسساته السياسيه والدينيه والإجتماعيه والإقتصاديه تاركا الحبل على الغارب لطغيانه الذكوري ليسن القوانين ويصنع المجتمعات منذ أن تكونت تلك الدول التي عفا عنها الزمن وحتى يومنا هذا.
ففي سوريه الطبيعيه مثلا أو ما يسمى بمجتمعات الهلال الخصيب كانت القوانين تسمح للرجل بأن يعامل المرأه كمقتنى من مقتنياته وكملكية خاصة به كما هو الحال بالنسبه للعبد والطفل غير الراشد, وكما سمحت تلك المجتمعات البشريه الأولى للأب بوأد إبنته سمحت للزوج بأن ببيع زوجته أيضا.
وكما كانت الأرض مع المرأه كذلك كانت السماء, فلم تكن تلك الأخرى صاحبة قوانين أكثر رحمة أو شفقه بذلك المخلوق السيء الطالع, فلقد باركت التوراة على سبيل المثال كل فاتح رحم ذكر, وإحتكر رجالاتها النبوءه وسماع الصوت الإلهي, وقد حكمت هذه التوراة وبإستبداد ذكوري يندى له الجبين على المرأه الحائض بالنجاسه لتقضي هذه المسكينه وفقا ذلك التشريع ربع عمرها وهي تعاني من النجاسه.
المسيحيه أيضا لم تكن أفضل بكثير, فقد إعتبرت هي الأخرى وعلى لسان رسولها بولس, وفي تراتبية بطركية محكمه, أنه وكما أن الله هو مجد الرجل فإن الرجل كذلك هو مجد المرأه, ولم يكتفي هذا الأخير بذلك فقد سلبها هذا البولس حتى صوتها في الكنائس معتبرا إياها في أحد رسائله جسدا بلا رأس وإن الرجل وحده هو رأسها ورئيسها.
والمرأه في الإسلام لم تكن أوفر حظا من ذلك أيضا, فكما ساواها تشريعه بنصف الرجل في حقها في الإرث وشؤونها الإقتصاديه فكذلك ساواها بنصف الرجل في أهليتها للشهاده أمام المحاكم وشؤونها القضائيه, فيما ساواها ذلك التشريع عينه بربع الرجل في أمور النكاح و شؤونها العاطفيه وسيكولوجيتها الجنسيه.
والقارئ للتاريخ الأوروبي وقوانين الإقطاعيات الأوروبيه سيقرأ حتما عن ما يسمى في التاريخ ب " قانون الإبهام" والذي كان يسمح للزوج بأن يضرب زوجته بشرط أن لا تتجاوز سماكة العصا التي يؤدبها بها ثخن إبهام يده, والأمثله والشواهد كثيرة كثيره.
حقيقة إن إستعباد المرأه هو الجوهر الذي يحكم علاقات القوه أو علاقات التنظيم الإجتماعي في أي بنيه بطركيه, لقد وجد العالم نفسه, ومن واقع تلك العقليه وتلك الإفتراضات الذكوريه المسبقه, وجد نفسه في ظل قوانين تظلم المرأه وتستعبدها وتغتال كل حرياتها خصوصا حريتها الجنسيه, قوانين قراقوشيه حكمت عبر التاريخ على الثائرات والمتمردات والخائنات من هذا الجنس البائس بالموت دون شفقة أو رحمه.فمن أين أتت تلك الإفتراضات المسبقه عن المرأه؟ من أين أتت هكذا خرافه بطركيه؟
يرجع علماء الإجتماع كل جذور الفكر البطركي الى نظرية يصطلح على تسميتها في السوسيوبوليتيك ب " نظرية الحتميه البيولوجيه", حيث تنطلق تلك النظريه من إفتراض مفاده أن المرأه وبكل ما تملكه من إمكانات ليست سوى كائنا يحكم من هرمونات أو من قدرها البيولوجي هذا, إنها وفقا لذلك المنظور وتلك النظريه ليست أكثر من جسد تحكمه هرمونات, إنها ليست سوى قدرا من تلك الأقدار العديده التي إبتلى بها الجنس البشري, قدر مختص بطبيعة هذه الحياة ومتعلق بالتناسل.
إن تلك الهرمونات التي تحكم مصيرها تجعلها عاطفيه وبالتالي فهي ليست عقلانيه بما يكفي لتفكر في نفسها بشكل جيد أو حتى في غيرها, ومن هنا فمن المحال لها أن تمتلك إرادة حره أو أن تكون إلا تابعه, بعكس الرجل والذي يبدو أنه عقلاني ومستقل وبالتالي فهو مؤهل للعمل الإجتماعي أكثر, وكونها بالطبيعه وبقدرها البيولوجي هذا هي أدنى مرتبه من الرجل فهي بالتالي غير صالحه إلا لأن تحكم من الرجل سواء كزوجة صالحه أوإبنة مطيعه, وهذا الإفتراض هو ما أسس حقيقة لإقصاء المرأه عن العام بكل ما فيه من علم وفن وفلسفه وكل ما فيه من مؤسسات سياسيه وإقتصاديه وإجتماعيه ودينيه, وحصر كينونتها الوجوديه في الخاص فقط أو في الأسره والمنزل.
واقع الأمر أن هذه الإفتراضات البطركيه المسبقه أو فلنسمها هذه الخرافات البطركيه قد أسست لكل تلك القوانين التي تظلم المرأه, تلك التي تقصي المرأه عن الشأن العام و تسخرها فقط من أجل خدمة الرجل و تجعلها تابعا له دائما, هذا ما جعل المرأه حتى عشرينات القرن الماضي وحتى في أكثر الدول تطورا محرومة من كافة حقوقها السياسيه, هذا ما جعلها ممنوعة من الإنتخاب وتصنف مع العبيد والمعاقين عقليا والفقراء والمهمشين, كما أن ذلك هو ما حرمها أيضا من كافة حقوقها الإقتصاديه بما في ذلك بيع الممتلكات والعقارات, وحقوقها الإجتماعيه بما في ذلك الوصايه على أطفالها, حتى تلك الوظائف الحساسه كالطب والقانون كانت حكرا على الرجال.
وبالطبع تلك المغبونه كل هذا الغبن من التاريخ البشري لم تكن تلك الضحيه السلبيه مطلقا لهذه الخرافات البطركيه التي حكمت هذا التاريخ, ولكنها حقيقة كانت جد خلاقه وجد مبدعه في تحديها له, سواء في تلك المجتمعات الغربيه بداية والتي نالت نصيبها من التنوير أو في تلك المجتمعات التقليديه كمجتمعاتنا في مرحله لاحقه , ومن هذا الظلم من التاريخ ومن ذلك التحدي والعزم والتصميم على المواجهه من المرأه ظهر في التاريخ السياسي المعاصر ما يعرف بالحركات النسويه (Feminism)

الحركات النسويه

إن لجميع الحركات النسويه السياسيه في العصر الحديث ومهما إختلفت مشاربها غاية واحده, ألا وهي تحرير للمرأه ومساواتها بالرجل وبالتالي القضاء على الظلم الذي لحق بها عبر العصور, ولكن ولظروف تتعلق بالثقافه السائده أخذت تلك الغايه الحركات النسويه الى أماكن متعدده وتصورات مختلفه للحل وللسبيل الى ذلك, ومن هنا إنقسمت النسويات في العصر الحديث وتنوعت أدبياتها وتعقدت, وظهرت بالتالي تأويلات وإتجاهات متعدده لتفسير الظلم الذي لحق بالمرأه وطرائق القضاء عليه.
ففي مجتمعات لازالت تحت تأثير ثقافه دينيه طاغيه على المعادلات الحياتيه لأفرادها كالمجتمعات العربيه مثلا, إنقسمت النسويات الى نسويات علمانيه ونسويات إسلاميه, أما في المجتمعات الغربيه حيث سادت مفاهيم المواطنه والحريه والمساوة كبديل لتلك الأفكار والمفاهيم الآتيه من عالم ما وراء النجوم فقد كان الحال مختلفا تماما, حيث إنقسمت الحركات النسويه في الغرب, وهي حقيقة الحركات الفاعله في التاريخ, الى ثلاثة أشكال رئيسيه, نسويات ليبراليه ونسويات راديكاليه ونسويات يساريه.
الإتجاه النسوي الليبرالي, وهو الإتجاه التقليدي السائد في واقع الأمر, يرى أن الحل أولا وأخيرا يكمن في القانون, فالظلم الذي لحق بالمرأه ينظر اليه هنا بأنه كان نتيجة حتمية لتلك القوانين الذكوريه التي حكمت المجتمعات, ومنه فإذا إستطعنا أن نضمن وجود قوانين تساوي بالمطلق بين الرجل والمرأه في الدوله وإذا صاحب ذلك برامج للتوعيه الإجتماعيه في المجتمع فإن ذلك سيكون كفيلا بتغيير الثقافه السائده في المجتمع و بالتالي القضاء على الظلم تدريجيا لنصل في نهاية المطاف الى تلك الحاله المثاليه في الدوله والمجتمع.
ولكن وبالنسبه للراديكاليات من النساء فإن ذلك لا يكفي, حيث يعتبر ذلك الإتجاه أن وجود قوانين تساوي بين الرجل والمرأه في الدوله لن يحل المشكله وإن الظلم سيستمر في المجتمع, ومن هنا فالراديكاليات يسعين لضرب البنيه البطركيه في جذورها البيولوجيه, إن القضاء على الظلم يجب أن يتم حسب ما يعتقد ذلك الإتجاه النسوي الراديكالي حتى لو إقتضى الأمرتغيرالطبيعه البشريه نفسها, ومن هنا يولي هذا الإتجاه مزيدا من الإهتمام لإعطاء المرأه الحق المطلق بالتحكم في جسدها والإستقلال به عن الرجل, الى الحد الذي يتحدى به مؤسسة الزواج, وذهب بعيدا في عدم الممانعه بأن تكون هناك علاقة جنسيه للمرأه بإمرأه أخرى, لقد شطحت الراديكاليات بعيدا في إعتبارأن هيمنة الرجل الجنسيه على المرأه من الناحيه البيولوجيه هو السبب الأساسي لوقوعها تحت سطوته, وإن ذلك سيكون حتى في ظل قوانين تكفل المساواة بين الجنسين.
أما بالنسبه للتيار النسوي اليساري فإنه يربط بين رأسمالية الدوله من جهه وبين التبعيه الإقتصاديه والتهميش والظلم الذي يلحق بالمرأه من جهة أخرى, أن النساء من منظور نسوي يساري تشكل جيشا من الأيدي العامله الرخيصه والمستغله أسوأ إستغلال من قبل القوى الإقتصاديه والإجتماعيه في أي نظام رأسمالي, وبالتالي فإن الدوله الديمقراطيه الليبراليه الحديثه ستبقى تتآمر على المرأه في الباطن مهما سنت من قوانين تساوي بين الجنسين في الظاهر, من حيث كون تلك الأخيره مصدرا مهما من مصادر العماله المتدنية الأجر ومحركا لا غنى عنه لدوران عجلة الرأسماليه.
وتجدر الإشاره إلى أن الفكر النسوي بجميع مشاربه قد وقع, وكما وقع كل فكر آخر في العصر الحديث, تحت سطوة ما يسمى بفكر ما بعد الحداثه, ذلك الفكر الذي ساد على كل شيء والذي يشكك في قيمة كل شيء, فالمعرفه بحد ذاتها بحاجه الى الفحص وكذلك طرائق التفكير ( الأبستمولوجي), تلك الطرائق التي إستقبلنا بها هذه المفاهيم التي هيمنت على تفكيرنا والتي أصبحت بالنسبة لنا بديهيات, وكما كانت كل المفاهيم الحداثيه كالحريه والعداله والمساواة والمواطنه والديمقراطيه بحاجة الى فحص ومحاكمه مابعد حداثيه, كذلك فإن صاحبات الفكر النسوي بدأن في فحص مفهوم المرأه بحد ذاته أيضا وكغيره من المفاهيم, إن مفهوم المرأه في النهايه ما هو إلا جملة المعارف والثقافات التي تفرض علينا, ومن هنا ميزت تلك النسويات بين إمرأه وإمرأه بعكس تلك التي ظهرت بداية وفي أول عهد ذلك الفكر, حيث ظهر مفهوم الهويه واضحا في الثقافه النسويه المعاصره, أن ما تعنيه المرأه في أي مجتمع ما هو إلا إنعكاس لطبيعة المعرفه أو الثقافه في هذا المجتمع, ومنه فالمرأه ليست مفهوما عاما أبدا.
وثمة اتجاه ما بعد حداثي مهم أيضا لدى الحركات النسويه المعاصره, يولي إهتماما بالغا للغه والأدب السائدين, حيث أن ظلم المرأه الحقيقي ليس كامنا في القوانين كما نعتقد وللوهلة الأولى, ولكنه في الجوهر واقع في أدبياتنا التي ورثناها ولغتنا التي نستخدمها, ذلك الأدب وتلك اللغه التي تكرس الذكوره والهيمنه وتبعية المرأه وثانويتها, من إستخدامنا للضمائر المذكره لكل مبني للمجهول والى ذلك الأدب السائد وتلك العقليه في الإعلام والفن والثقافه الشعبيه والتي تكرس مفاهيم كتلك التي تروج في الأغاني والإعلانات مثلا أن المرأه الحقيقيه هي فقط تلك المرأه الجميله صاحبة الجسد النحيل والمغريه جنسيا.
وأيا كان إتجاه الفكر النسوي أوطبيعة منطلقاته النظريه وأرضيته المعرفيه فما هو مهم في أمره أنه ضمن للمرأه المشاركه الكامله في الحياة السياسيه في جميع الدول الحديثه في الغرب, وبعد ان حرمت منها عبر التاريخ لا لشيء ولكن لكونها إمراه, وما هو مهم أيضا أنه في طريقه لأن يكرر الشيء ذاته والمسيره نفسها في مجتمعاتنا العربيه, وأن كانت مسيرته هنا تبدو طويله ومعقده بسبب ما أظهرته القيم التقليديه الموروثه من جبروت في مقاومتها لقيم الحداثه وتحديها لها حتى يومنا هذا, وهذا التجذر المخيف لها في الشخصيه الشرق أوسطيه.
إن المشاركه السياسيه الكامله للمرأه ( وليست الشكليه ) ستصبح حقيقة وواقعا إن عاجلا أم آجلا في جميع المجتمعات حتى تلك التقليديه منها, ومنه فالمرأه كصانعه للقرار السياسي وكصانعه بالتالي لحياة ذات طابع جديد ومفاهيم جديده, حياة في واقع الأمر أكثر إنصافا وعدلا بالنسبة لها ولجنسها, تكاد تطل برأسها حتى على مجتمعات لا زال يفتك بها العقل البطركي, إن المرأه المظلومه ستصبح أمرا من شؤون الماضي وموضوعا للتفكه والتندر في سالف العقل البشري في عهد غير ببعيد شاء من شاء وأبى من أبى.