الحرية تأنيث للعالم



نور الدين بدران
2005 / 1 / 19

في مقالة مسهبة وناعمة للشاعرة والصحافية فينوس فائق نشرت في "صوت العراق" بعنوان : هل المشاركة السياسية للمرأة تحقق الديمقراطية أم الديمقراطية تحقق المشاركة السياسية للمرأة؟
أولاً أشكر الشاعرة فينوس على ما كتبت ولست في معرض مناقشته ، لكنها حرضت داخلي الموضوع بأبعاده القصوى .

أرى أن موضوع المرأة هو موضوع الحرية الإنسانية الشاملة ، ولذلك يجب التوقف عنده حتى إنجازه أي ربما بضعة قرون ، أو ربما بضعة ألفيات رغم سرعة عالمنا المذهلة ، لكني لا أرى خلاصاً للإنسانية إذا كان لها من خلاص إلا بقيادة الأنوثة ، ولأبدأ من النهاية : إن المطلوب هو تأنيث العالم كخطوة أساسية نحو خلاصه .
إن كل مناقشة تهمل الأبعاد الكاملة للموضوع، تقع فريسة الأسئلة الذكورية التي بلا وعيها المعهود أو بوعيها المدروس ،لا فرق في النتيجة، تميّع الفكرة الجوهرية ، أو تنأى عن الهدف الأساسي .

رغم غلاوة الديمقراطية على قلوبنا وحاجتنا الماسة لها فليست هي أكثر من حلقة حين نتحدث عن المرأة . ولكن مع ذلك : فالسؤال بسيط جداً فالديمقراطية هي التي تمنح المرأة حق المشاركة السياسية بالمعنى الحديث للكلمة ، ولكن النظام الديمقراطي ككل الأنظمة البشرية ما كان له أن يقوم دون الدور المميز للمرأة، لكن هذا التبسيط خادع جداً والمسألة يجب أن تطرح على نحو مختلف نوعياً ، فما معنى المشاركة أصلاً؟ وهل المقصود أن تكون المرأة نائباً أو زعيمة حزب أو وزيرة أو رئيسة وزراء أو حتى ملكة أو رئيسة جمهورية....الخ؟ أي أن تحتل موقعاً ذكورياً في نظام ذكوري يعيد إنتاج ذاته ولكن ببراغٍ نسوية؟

أرى أن المسألة تكمن في إضفاء الروح الأنثوية على الحياة الإنسانية عموماً ومنها الجانب السياسي وبمشاركة الرجل ، أما بالمعنى التقليدي لكلمة المشاركة فالمرأة فعلاً مبعدة وظل وإلخ ، وطرحنا يبدأ أيضاً بسؤال :

من قال أن المرأة لا تشارك في العملية السياسية سواء في المجتمعات المتقدمة وأعني المجتمعات الديمقراطية أو في المجتمعات المتخلفة؟ إنها المشارك الأكبر وصاحبة الأرصدة الأعلى في كلا الطرفين اللذين تهيمن عليهما الإدارة الذكورية وإن كان بطرق مختلفة ونسب متفاوتة .

لكن الجوهري في الأمر هو كيفية المشاركة ونوعيتها وأعني بوضوح لمن القيادة ، أي وفق أي منظور يتم بناء العالم وبأية طريقة ونحو أي هدف؟

المرأة التي تقدم الأولاد من مصنعها الخاص الذي لا يمتلكه الرجل بشكل طبيعي وإنما عنوة واغتصاباً كما يملك أي منجم بحكم سيطرته السياسية والاقتصادية ..الخ ، فيأخذ هؤلاء الأولاد إلى الحرب أو يفنيهم في العمل الذي يؤدي إلى الحرب أو ما يعادلها أوفي الفراغ أي باختصار إلى عالم اليوم عالم الاستلاب والسأم والانتحار .
المرأة التي تقدم الحياة هي الوحيدة الجديرة بقيادتها وفق سيكولوجيتها الخاصة بها وليس عليها أن "تحسّن" مواقعها ضمن العملية الذكورية أو تبحث عن مواقع أخرى هي في النهاية ومهما علا مقامها من طبيعة الموت لا من طبيعة الحياة أي طبيعتها .

فتلك المشاركة المزعومة تمويه على الأرصدة العالية الطبيعية التي تقدمها على مر الأجيال والتي لولاها لا حياة ولا من يكونون .

ربما لا يعني اقتحام المرأة العملية السياسية أي شيء وربما يعني كل شيء ، وهذا يتوقف على أدائها ، فكلما كان هذا أنثوياً كان يعني كل شيء , وكلما كان ذكورياً أي وفق المنهج السائد كان يعني اللاشيء أو نجاح الخداع وانطلاء الرشوة على المرأة والمجتمع .

وهكذا فالأنوثة كرؤيا للعالم وكعلاقة معه أمر والمرأة كحامل له أمر آخر ، وعلى الحامل أن يفعّل محموله حتى يمكن الحديث عن مطابقة شهيرة بين المرأة والأنوثة .

باتت الأمثلة كثيرة و ممجوجة فمثلاً السيدة الحديدية [مارغريت تاتشر] التي حكمت أعرق ديمقراطية حديثة في التاريخ ، ولأكثر من ولاية ، هي نفسها ورغم المعارضة أرسلت جنودها ليقتلوا ويقتلوا في أقاصي الأرض {حرب المالوين} وغيرها كثير في السياسة والأدب والاقتصاد والغرام .

وعلى الضفة المقابلة وقبل وبعد الاكتشافات المذهلة في علوم النفس الحديثة ثمة رجال أعطوا أمثلة نادرة عن رؤيتهم الأنثوية لبناء العالم ومواقف كلفتهم حياتهم ، وهكذا فلا مطابقة بين الذكورة وحاملها أي الرجل ، فالإنسان بنصفيه أعقد من بيولوجيته الظاهرة على الأقل .

إذا أردنا ابتسار الموضوع واختزاله ومحو الفارق بين الأنوثة والذكورة كنظرتين للحياة وكسلوكين في بناء العالم ، أي إلى نسمات كما تقوم الإحصائيات الذكورية فعلينا أن نعود إلى التبسيط المعهود : الديمقراطية هي الحل وسيشكرنا الذكور كلهم في البداية ، ثم شيئاً فشيئا ينشق عنهم فصيل الديكتاتوريين ثم فصيل آخر أقل استبدادا فثالث ورابع وسيكون بين كل فصيل نسبة من النساء اللواتي استبطن بطريقة أو أخرى الثقافة الذكورية وهكذا ...
لكن من البداية ينبغي أخذ القضية من جذورها وهي قضية قد تقبل التمرحل ولكنها لا تقبل من حيث المضمون القسمة والتنازل ، فلا الديمقراطية ولا غيرها من الأنظمة البشرية يحقق الأحلام الإنسانية إذا لم تتوج بالتحول الجنسي التام أي بالتأنيث الكلي للحياة ، وقد يقول قائل ( والأنكى أن تكون قائلة) ليس الآن وقت هذا الكلام ، وهذا جزء من الخميرة الذكورية اليسارية اليمينية القومية الدينية الأممية.

هذا هو وقت الكلام الذي كان يجب أن يقال منذ ستة آلاف عام ، على الأقل أي منذ أن أطيحت الأنوثة عن العرش ودخلنا في دوامة العنف الذكوري اللامحدود والذي لم ينج منه الإنسان بشقيه ولا الطبيعة ويحاول الآن تصدير بضاعته إلى الفضاء الخارجي .

إن من الطبيعي أن تكون صاحبة الرصيد الأعلى في القمة ، ولكن العالم الجاري اليوم في أخطر سباق مدمر للطبيعة لن يكون في هذه النقطة طبيعياً ، وبوضوح سيكون لاعتبارات ليس هنا مجالها ، أشد عدوانية ومناهضة، إنه يخافها ويجهلها ويريد السيطرة عليها واحتوائها وامتلاكها وكيف له – وهو ضالع في هذه الأوبئة كلها–
أن يعرف أن لا حرية له إلا من حريتها ؟إن هذا الوعي وترجمته من مهامها هي ولكن حين تعي هي أولاً أنها و دائماً هي الإلهة الأولى والأم الأولى وقبل كل شيء العاشقة الأولى.