المرأة في موقف دفاع ..لماذا؟



اسعد الامارة
2012 / 4 / 1

عندما يتعرض الانسان الى موقف ضاغط او يقع تحت وطأة صراعات الحياة يعود للوراء الى مرحلة الطفولة حيث بها الذات الطفلية البريئة واجمل الساعات والايام في كنف الوالدين ولكن ذلك يتم على المستوى اللاشعوري فقط لأن الاحوال تغيرت والايام تبدلت والبيئة الراعية للسعادة ربما غادرت من الحياة او كهلت ولم تعد تقوى على ان تقدم بل تنتظر المساعدة والعون من الاخرين .هي المرأة التي اخترناها لتكون نموذجا في هذه السطور ، والمراة العراقية النموذج الاكثر تعرضا ان صح القول .. اذا وجدت وحدها في قلب العاصفة فإنها تنكص "نكوص" اي ترتد الوراء او تتقهقر الى الماضي ، والنكوص هي عملية دفاعية يدافع بها الانسان عن نفسه لعدم قدرته على المواجهة والتعامل مع الواقع ، ولكن في العراق وخصوصا لدى المرأة العراقية تواجه نفسها اولا لانها مذنبة حتى على مستوى تفكيرها غير المعلن في ان تفكر في ان ترغب او تشتهي ..الرغبة غير المعلنة ، وثانيا انها خلقت ربما بالخطأ في هذا المجتمع او في مجتمعات مشابهه فكان عليها ان تعيش تحت سلطة القمع الابوي "الاسري بكل افراده-اعني به الاسرة بضمنهم الام والابناء اي الاخوة " وثالثا عليها ان لا تفكر ان تكون اطلاقا ولو في التعبير عن رأيها لا في حضانة أهلها او بين اسرتها الجديدة ..أذن نقل الكبت من الطفولة الى البلوغ وكلاهما يترك الاثار السلبية على النفس وخصوصا المرأة في عراق يتسم بالكبت الجمعي للمرأة.
يقول علماء النفس المشاكل التي لاحل لها أو التي تسبب إجهاداً للانسان ربما تصل الى بؤرة الصراع تسبب حالة من القلق ، والقلق من ضروريات الحياة ومواجهة صعابها فهو يضع الانسان في حالة تحفز ليجمع قدراته وامكانياته للتغلب على الصعوبات ،وهذا هو قلق البالغ وهو ما نطلق عليه القلق الدافع او القلق الصحي ..ولكن الى اي حد يمكن ان يستمر؟؟
السؤال الذي يتبادر الى الذهن هو: ما الذي يحدث في مواجهة عواصف الحياة وضغوطها بعد ان تكسرت كل معداتها الانسانية وانحسر العون المعنوي والنفسي والاجتماعي للمرأة من الرجل اولا ومن المجتمع ثانيا تجاه قيم اندثرت واصبحت بالية يوما ما .. وتفرض عليها هذه القيم البالية التي عادت من جديد لتزيح القيم الدينية الصحيحة وحقوق المرأة وترمي بحقوق الانسان في اعمق نقطة من تاريخ الحضارة الانسانية المظلمة برفض وجودها واسكات صوتها بمنطق لا يستهدف إلا التجهيل والغاء وجودها .
إن المرأة كما يقول "د.ريكان ابراهيم" في كتابه مقدمة في علم نفس المرأة إن المجال الاجتماعي الذي تتحرك فيه المرأة يؤثر في الرجل الذي كان في سنواته الاولى طفلا يقلدها في كثير من الاشياء ويجاريها ومنها الأثر النفسي والأثر الاجتماعي والأثر الانفعالي لكن تحولات البلوغ لديه بدأ يرفض ويتنكر مما تعلمه من الام فيرفض الزوجة كأمرأة شريك معه في الحياة إلا ما يحتاجه منها (بين ساقيها) او ربما يرفع شعار مبهم وهو شاوروهن وخالفوهن ولكن ينسى ان أمه الشريفه الطاهرة الذي تعلم منها ان يجد شريكة حياته في المستقبل بنفس صفات أمه الشريفة الطاهرة لكي تستقيم الامور وتستمر الحياة بينهما وهي صورة منقولة لاشعوريا في عقله الذي خزن كيف كانت أمه تقول وتعمل وتوجهه اولا لانه طفلا.. وابوه.. لانه يرغب بها فقط !!؟؟ تلم البيت بحنانها وتضم الاسرة بمحبتها ، كيف تحول هذا الخانع المتلقي الى صنديد ضد اخواته البنات وكأنه يشعر بجرح نرجسي حينما تضحك اخته مع زميلتها بصوت عالي او تتهامس مع زميلها في الجامعة عن موضوع ما او بحث تخَرُج في الدراسة ، هل تناسى او نسى ان اخته هي نتاج نفس البيئة الاسرية وان زوجته القادمة هي نتاج نفس البيئة وان اختلفت في التوجيهات فإنها تلتقي في الاسس العامة للمجتمع ، هل تناسى ان الكبت الواقع عليه من قيم المجتمع المتخلفة جعلته يرتد الى براءة الطفولة ويضع سورا حديدا من الشرف الوهمي لاخته ولنفسه ويسجن نفسه والاخرين معه وهي افكار وسواسية مرضية لا يقرها لا الدين الحنيف ولا التشريع المتشدد ولكن صنعت في عقول مريضة مغلقه بقيود من الوهم المرضي فأمن بها جيل من الشباب لا حفاظاً على القيم البالية وانما خوفا من معرفة الحاضر للانتقال للمستقبل وهوقلق الوجود الذي يعم رجال لهم سطوة اجتماعية تستمد قوتها من جهل الشباب ومجهلتهم .
جدير بالذكر من خلال تناولنا لهذا الموضوع ( المرأة العراقية في موقف دفاع مستمر) من بداية الوعي –النفسي –الجنسي الى الموت نحاول ان نستعرض بعض استعراضات التحليل المعمق للنفس بخصوص هذه الظاهرة حصرا .. ان العلاقة بين المرأة "اذا كانت ليست عورة" لكي نستطيع ان نستمر بالتحليل مع مكملها الرجل هي علاقة نشوئية "كما يقول د.مصطفى زيور"لانها تصف التطور السوي للعلاقات بالموضوعات وتبين ان الصور التي تلبسها الدوافع والآنا ترد تلك العلاقات الى مرحلة تطورية أسبق يكون جزءا من الاهتمامات الغريزية قد سبق تثبيته في موضوعات واساليب إشباع تميز تلك المرحلة من التطور حيث يميل النضج الى التوقف ،فالتثبيت يضع علامة وقوف للنضج وهو يضعف القسم المتطور من الشخصية ،ويمكن لصعوبة في ممارسة النمط الاعلى تطوراً في العلاقة بالموضوع أن تؤدي الى التخلي عن ذلك النمط من النضج بقبول ألآخر كمكمل ويضيف "زيور" يمكن ان نسوق مثالا على ذلك ما يحدث في العصاب الوسواسي "وهو عصاب الحواز والقهر"فحين يضع البلوغ الفرد أمام المشاكل المتعلقة بالنشاط الجنسي تواجه شخصيته بإسرها الصعاب المرتبطة بالمرحلة التناسلية الطفلية .
واذا استعرضنا تاريخ العصاب الوسواسي في حياة الرجل او ممن يخاف المرأة ان تعبر عن رأيها بوضوح وتتصرف كأنسان واعي وبالغ مسؤول عن تصرفاته وهو موضوعنا في هذه السطور فيعود اندلاع العصاب الوسواسي في بداية البلوغ ويرجع الى اختلال التوازن بين الدوافع الغريزية والاشباعات التي تحظي بها في حياة الفرد وسواء أكان أصل الاختلال في العالم الخارجي أو الداخلي فالنتيجة واحدة ،إذ يحدث هذا الخوف من المرأة او بالاحرى يزداد وضوحاً ويظهر الوسواسي وهو في الحقيقة لم يختف ابداً اختفاءاً تاما فالطفل الذي سيصبح مريضا بالوساوس والذي يبدو انه يملك علاقات سوية مع بيئته قبل ان تنبه الصراعات البلوغية الصراع ضد وجود المرأة في حياته او في المجتمع العراقي خصوصا او المجتمعات التي تحرم ظهورها او وجودها الانساني وتصادر حقوقها الشرعية والانسانية ابتداءا من حقها في ان تقول وان تفعل وان تمارس جميع ما يحق للرجل ان يفعله ، كان وبقى قلقا طيلة حياته .
ان الرجل الذي يصادر حق المرأة في الحياة في ان تكون وان تعيش وتعبر عما تريد.. تتخلله ازماته الشخصية ابتداءا كما ذكرنا من العصاب الوساوسي الى الفوبيا"الرهاب" من ناحية والذهانات"الاضطرابات العقلية" ولاسيما الفصام والاكتئاب السوداوي من ناحية اخرى . ويقول علماء النفس فلا عجب ان يسبق الرهاب"الفوبيا-المخاوف المرضية" عصاب القهر الوسواسي لدى هذه الشريحة من البشر فضلا عن ما هو سائد وثابت للغاية لدى هؤلاء الافراد من وجود ساديه واضحة في سلوكهم اكتسبوها منذ طفولتهم المبكرة ، هؤلاء يحصلون على الاشباع الغريزي بلا مراعاة لحاجات الاخر او رغباته ولا رضاه حتى الدوافع الانفعالية الايجابية التي تصدر من المراة تُلبس وتفسر على انها صورة عدوانية تجاه رجولته وجرح لنرجسيته لانه يمتلك رغبات وحشية عديمة الاعتدال والثبات.. إلا ان هذه البنية الداخلية للعلاقة بالمرأة لاتحدث ابداً إلا في سلوك بعض المنحرفين الساديين لتدخل مشاعر الأثم والخوف في نفوسهم.
ان الرجل الذي يخاف المرأة ان تكون ..يحاول ان يحقق توفيقاً بين عالمه الداخلي والواقع الخارجي بحيث يتسنى الحصول على اقصى إشباع للغرائز مع تفادي الشقاء الذي ينجم عنه صراع داخلي بين الغرائز والقوى القابعة في اعماقه والمقاومة لافراط الغرائز بالشك بأية امرأة مهما كانت لتصل في ذروتها الى الشك بالام وهو فعلا ما ترسب من طفولته ولم يُحل ْ الاشكال.
استاذ جامعي وباحث سيكولوجي