المرأة ووهم الربيع العربي!!



وديان حمداش
2012 / 4 / 5

ولد الربيع العربي من رحم ميادين التحرير ورسمت ملامحه بدم الشهداء (رجال ونساء،أطفال/شباب وشيوخ، فقراء وأغنياء، أميون ومتقفون) الكل ساهم في رسم صورة هذا الربيع الأفلاطوني الجميل بأزهاره وألوانه ورائحته الطيبة، لعل أمتنا العربية تستعيد مجدها وهيبتها وتنهض من جديد. لكن الوقائع أتبتت بأن فصل الربيع حل قصيرا على العرب، فقد بدأت أزهاره تذبل وألوانه تخفت منذ صعود الإسلاميين إلى الحكم في دول الربيع ومحاولتهم سحب بساط الثورات من تحت أقدام صناعها الأبطال. هذا الصعود المفاجئ اثار قلق الكثير من المراقبين— خاصة الليبراليين—الذين ينادون بإرساء المبادئ الأساسية للدولة المدنية الحديثة دون أي توظيف سياسي للدين، وتطبيق مبادئ الديمقراطية والعدالة الإجتماعية بدون أي تمييز بين المواطنين. وتزداد وثيرة القلق والمخاوف عندما يتعلق الأمر بقضية المرأة العربية ما بعد الربيع، مخاوف مشروعة تتعلق باحتمالية فقدان المرأة لما حصدته من إنجازات طيلة الأعوام الماضية ورجوعها إلى نقطة الصفر—نقطة المطالبة بالحفاظ على المكتسبات بدلا من المطالبة بالمزيد من الحقوق. ولازالت هذه المخاوف قائمة بالرغم من تعهد التيارات الإسلامية باحترام الحريات الشخصية للمواطنين ومراعاة حقوق الإنسان وعدم المساس بالقوانين والمكتسبات التي حققتها المرأة. لكن ما يجري على أرض الواقع لا يبشر بالخير ويدعو إلى التساءل عما إذا كانت التغيرات القائمة في المنطقة ربيعاً مزهراً أم شتاء مظلماً/قارساً سيرجع المرأة ودول الربيع إلى عصور الظلام: عصرالجهل والخرافات والهوس الديني، عصرالمرأة الناقصة والشريرة التي تسببت في طرد ادم من الجنة، عصرالمرأة الفاتنة/الفاسدة التي تغري الرجل وتغرقه في الرذيلة لهذا وجب ختانها لضبط ميزانها الجنسي أو ذبحها لحماية شرف العائلة!!!

* المرأة التونسية وحصاد ما بعد الربيع العربي:

قادت المرأة العربية منذ زمن طويل معركة تحررية مشرفة للدفاع عن حقوق المرأة، وكانت السيدة هدى شعراوي أولى الناشطات في هذا المجال، حيث قامت بتأسيس أول إتحاد نسائي في مصر حمل إسم "الإتحاد النسائي المصري" عام 1923، وقد دافعت من خلاله عن تعليم المرأة وعملها المهني والسياسي، وعملت جاهدا على محاربة ظاهرة تعدد الزوجات والزواج المبكر(أو زواج الأطفال). وها هي المرأة العربية اليوم تعود بقوة إلى الساحات لتشارك بكل شجاعة في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، فقد علا صوتها أصوات الرجال في شارع بورقيبة التونسي، ميدان التحرير المصري، ساحة التحريرالليبية وساحة التغييراليمنية وغيرها من الساحات والميادين، فاعتصمت وتظاهرت وتعرضت للعنف والشتم والإهانة وهي تندد بالظلم وتطالب بالتغيير. وقد شاهد العالم كيف ضحت النساء العربيات بحياتهن بالنزول إلى الميادين وتواجدهن في الصفوف الأمامية لتنظيم المظاهرات وعلاج الجرحى وإطعام المعتصمين. ولتقدير جهد المرأة ودورها المشرف في إنجاح الثورات العربية، منحت جائزة نوبل للسلام لعام 2011 للصحفية اليمنية توكل كرمان، التي قادت أول المظاهرات التي انطلقت من حرم الجامعة ضد حكم علي عبد الله صالح، وحازت بذلك على لقب "المرأة الحديدة للربيع العربي".

وبالرغم من الدورالقيادي الذي لعبته المرأة في رسم ملامح ما يسمى بالربيع العربي، إلا أنها لم تنل مكاسب سياسية أو اجتماعية تعكس حجم طموحاتها الحقيقية. ففي تونس، وبالرغم من تصريحات راشد الغنوشي (زعيم حركة النهضة التونسية) المطمئنة وتعهده بالعمل جاهدا على ضمان حقوق المرأة المكتسبة (خاصة قانون الأحوال الشخصية الذي أصدره الرئيس الراحل لحبيب بورقيبة)، وعدم فرض الحجاب عليها بالقوة والتعهد بالحفاظ على مدنية الدولة واحترام الحريات الفردية وحقوق الإنسان، إلا أن واقع الحال يخالف تلك الوعود. فبعد فوز حركة النهضة في الإنتخابات البرلمانية بدأت العراقل تطفو على السطح، أبرزها الإنفلات الأمني الذي تشهده البلاد وبلطجة أصحاب الذقون الطويلة، الذين تركوا هموم الشعب الحقيقية ( الفقر والبطالة ، التهميش والفساد) وانشغلوا بترويع النساء وفرض الحجاب عليهن بالقوة، ومنعهن من الدخول إلى أماكن أعمالهن "سافرات". والمصيبة الأكبر أن الحكومة التونسية "ذات الأغلبية الإسلامية" في شهر فبراير/شباط 2012 رخصت لـما سموه ب"جمعية الوسطية للتوعية والإصلاح" والمقصود هنا بالطبع "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وهي هيئة مختصة بترويض المواطننين والتدخل في شؤونهم الشخصية (كالملبس والمأكل والمشرب، والإيمان والكفر). والمخجل هو أن هذه الهيئة بدأت في التحرك قبل الحصول على الترخيص القانوني، إذ اجبرت الدكتورة إقبال الغربي مديرة "إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم" على ترك منصبها ( 18 نوفمبر 2011) بحجة أنها غير مؤهلة لإدارة إذاعة دينية. وتعليقا على هذا الحدث قالت د. آمال قرامي في مقالها المتميز "النساء والثورات والعنف": "لم يكن خطاب التطمين والوعود بإبقاء الحال على ما هو عليه وعدم المساس بمكاسب التونسيات مُجديا...لقد ارتفعت وتيرة الاعتداء على النساء بنسق سريع فهذه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التونسية تطرد أستاذة جامعية (إقبال الغربي) من منصبها بدعوى أنّها غير مؤهلة للعمل في إذاعة مقدّسة. هكذا اذن يتم "تأديب النساء بدعوى الدفاع عن الشريعة." والغريب أن منح الترخيص لمثل هذه الهيئة يتناقض كليا مع ما ذكره راشد الغنوشي في كتابه "مسيرة الصحوة الاسلامية" حيث أكد بأن "الطرح الإجتماعي لقضية المرأة أبعد من أن تكون قضية تبرج واختلاط، إنها قضية اغتراب وظلم واستعباد مغلف بالدين... ليست الدولة الإسلامية مجرد حارس للحدود أو شرطياً للدفاع عن مصالح فئوية، وإنما وظيفتها الرئيسية إقامة العدل، وأبسط معاني العدل هو توفير حد الكفاف للجميع...لمتقوم بغذاء وسكن وكساء ودواء.” كلام رائع، لكن الواقع يوحي بأن الحكومة هي من منح الترخيص لجنود الله في الأرض لترهيب المواطنين قبل أن تسد رمق الشعب التونسي وتشغل طاقاته العاطلة.

إن واقع الحال يقول بأن الإسلاميين لازالوا يعارضون بشدة مدونة الأحوال الشخصية التونسية بل ويعادونها ويرون فيها نقضا للثوابت الدينية خصوصا عندما يتعلق الأمر بمسألتي الطلاق وتعدد الزوجات، والكل يتذكر تصريحات زوجة راشد الغنوشي عندما أكدت بأن زوجة واحدة تؤدي إلى "وضعيات صعبة" للرجل ولهذا يجب قبول بتعدد الزوجات." وذهبت بعض الأحزاب التونسية إلى أبعد من ذلك بالدعوة إلى إدماج قانون في الدستورالتونسي الجديد ينص على شرعية تعدد الزوجات ونظام الجواري، فقد طالب البحري الجلاصي ( رئيس حزب الإنفتاح والوفاء) المجلس الوطني التأسيسي بأن ينص الدستور الجديد على "حق كل تونسي في إتخاذ جارية إلى جانب زوجته، والتمتع بما ملكت يمينه" بحجة أن الجارية هي "الحل الأنجع لإعادة التوازن الإجتماعي والأخلاقي للمجتمع التونسي الذي تضرر بعلمانية مجلة (قانون) الأحوال الشخصية، وعانى على مدى خمسة عقود من الزمن من تجريم تعدد الزوجات". وازدادت الأمور تعقيدا عندما خرجت جموع أمام المجلس الوطني التأسيسي في جمعة أطلق عليها إسم”جمعة نصرة الشريعة” رافعين الرايات السوداء التي ترمز إلى الخلافة الإسلامية، مطالبين نواب المجلس التأسيسي باعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر اساسي للدستور التونسي الجديد هاتفين “الشعب يريد تطبيق الشريعة” و” قرآننا دستورنا”.

إن هذا المشهد السياسي في تونس لا يوحي بأي ربيع مزهر أو تغيير إيجابي يعود على المرأة التونسية بالنفع، يبدو أن موجة التطرف عالية لدرجة أنها إجتازت يد الغنوشي (الإسلامي المعتدل أو أردوغان تونس) الذي دعا في كتابه "المرأة بين القرآن وواقع المسلمين" إلى مشاركة المرأة في العمل السياسي والإجتماعي وعدم تعطيل نصف المجتمع عن العمل بحجة الدين، وبأن الحركة الإسلامية "تحتاج إلى إبراز زعامات نسائية والى تنمية روح الثقه في المرأه حتى لا تبقى عالة على الرجل، ولا تبقى في موقف المنتظر...تنتظر الرجل أن يعطيها حقوقها." لكن، يبدو أن انتظار المراة التونسية سيطول كثيرا، فالأمور أصبحت في يد مجموعات متطرفة يصعب السيطرة عليها حتى من قبل الحكومة، فهي تعمل جاهدا على إرجاع تونس الحضارة إلى عصر الجمال والبغال، فمرحلة الفصل بين الجنسين في الجامعات قد بدأت تطبق(جامعة قابس جنوب تونس)، ومرحلة مهاجمة الفنون باعتبارها كفر أصبحت روتينية تمارس في العلن (حادث التهجم على مدرسة الفنون التشكيلية، بحجة أن النحت والفن مخالف للشريعة). ومرحلة مهاجمة حرية الإبداع أصبح حقا مشروعا (حادث التهجم على قناة نسمة وتهديد مديرها بالقتل، بسبب عرضه لفيلم كرتوني "بلاد فارس "). فأين هو الربيع إذن؟؟

*المرأة المصرية: من ميدان التحرير إلى المطبخ!!!

لا يختلف حال المرأة المصرية كثيرا عن أقرانها في باقي دول الربيع، فبالرغم من مشاركتها القوية والفاعلة في ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، إلا أن تمثيل المرأة في البرلمان المصري الجديد لم يتجاوز 2 بالمائة فقط من إجمالي المقاعد. أي أن نسبة تمثيل المرأة أصبحت أقل مما كانت عليه في عهد مبارك—الذي وصلت فيه كوتة المرأة إلى 12 في المائة، أما نصيبها في التشكيل الوزاري فلم يتجاوز ثلاث سيدات من بين ثلاثين وزيراً في مجلس الوزراء. والجدير بالذكر هو أن هذه النتائج الجد متواضعة لا تعبر عن الوجود الفعلي للمرأة في المجتمع المصري، حيث تمثل نسبة 50% من إجمالي عدد السكان، و25% من قوة العمل، و40% من مجموع الناخبين المسجلين في جداول الانتخابات. لقد تفاجئ العالم كيف تم تهميش دور المرأة المصرية في بلد شاركت في صنع تاريخه الحديث، والكل لاحظ التراجع الواضح في القوانين التي استمرت تناضل من أجلها لسنوات طويلة، خاصة تلك التي تتعلق بالأحوال الشخصية (الحضانة وقانون الخلع) وصولا إلى الإقصاء السياسي الغير مبرر والتعمد على استبعادها من معظم مواقع صنع القراروتجاهلها في التشكيل الحكومي، والأسوأ من هذا وذاك هي الحملة المسعورة التي يقودها البعض من أجل إلغاء "المجلس القومي للمرأة " بحجة أنه رمزا من رموز النظام السابق لإرتباطه بسوزان مبارك!! وما لا يغتفر للمجلس العسكري هو استخدامه المفرط للقوة في تعامله مع المتظاهرات حيث تعرضن لفحوصات الكشف عن العذرية، واعتدي عليهن بالضرب والشتم والإهانة، والكل يتذكر كيف تناقلت وسائل الإعلام صورة الشابة صاحبة (حمالة الصدر الزرقاء) التي جردت من ملابسها وداسوا على وجهها وصدرها بالأحذية، وهي ترقد نصف عارية في مشهد لم نراه حتى في عهد مبارك، أهكذا يتم تكريم المرأة المصرية بعد الثورة؟ بتجريدها من ملابسها والطعن في شرفها والتشويه بسمعتها أمام أعين العالم!! لماذا تطالب المرأة اليوم بالرجوع إلى المطبخ بعدما قضت 18 يوما في ميدان التحرير أملا في التغيير؟؟

وأخيرا أقول، إن وضع المرأة في باقي بلدان الربيع العربي، لا يقل سوءا عن وضع المرأة في تونس أومصر، ليس فقط بسبب تقزيم دورها السياسي وإقصاءها من المشاركة الفعلية في بناء الدولة الحديثة، ولكن بسبب استمرار الثقافة الذكورية في مجتمعاتنا العربية، والتعامل مع المرأة ككائن ناقص الأهلية مشلول عقليا ومنبوذ جسديا. إن المرأة تأمل في بداية عهد جديد بعد الربيع، لكن صناع القرار تركوا هموم الشعوب المنتفضة (أصحاب البطون الجائعة)، وانشغوا بقفازاتها وعباءتها وصوتها وعقلها، فكلها عورة حتى لو لبست عباءة جيفارا وقدمت جسدها قربانا في سبيل الوطن. إن معركة المرأة من أجل التغيير هي معركة مشروعة وذات بعد إنساني، إنها معركة ضد ختان البنات، ضد إرغام الطفلة على الزواج بشيخ في سن جدها من أجل المال أو الستر، ضد حرمان الفتاة من إكمال تعليمها بحجة أنها فتنة، ضد جرائم الشرف، ضد تزويج المرأة لمغتصبها، والكل يتذكر كيف أقدمت الطفلة المغربية أمينة الفيلالي ذات السادسة عشر ربيعا على الإنتحاراحتجاجا على إلزامها بالزواج من مغتصبها ليفلت من قبضة العدالة بفضل قانون العقوبات الغير الإنساني أو الأخلاقي. ولعلّ أهم مطلب للمرأة العربية هو العمل الفعلي على دسترة القوانين التي تضمن حقوقها المكتسبة وتحميها من جميع أشكال العنف، فالمرأة لا تمثل فقط نصف المجتمع بل تربي النصف المتبقي، وتعطيلها عن عملها وإقصاءها عن المشاركة في الحياة العامة وحرمانها من أبسط حقوقها، سيتسبب في بناء مجتمع مشوه غير قادرعلى مواجهة تحديات المرحلة القادمة.
صحيح بأن الثورات العربية نجحت في إسقاط الأنظمة، لكنها لم تستطع للأسف إسقاط الجهل الذي ينخر جسم هذه الأمة. إن ما قرأته في جريدة «الشرق الأوسط» يعبر بوضوح عن غرق أمتنا في وحل التخلف، ففي بلد العلم ومهد الحضارات العراق لازالت مجموعات متشددة تروع المواطنين وتحرم كل شيء (بدءا بتحريم التصوير واستخدام آلة كهربائية في الحلاقة وأكل المكسرات بذريعة أنها تستخدم بغرض الإستراحة وإبعاد الناس عن الجهاد، وصولا إلى منع بيع الخيار والطماطم معا بحجة الفصل بين الجنسين لأنها ترمز إلى الذكر والأنثى. إن هناك من يسعى إلى تحويل مسار الربيع العربي إلى شتاء طويل تستمر فيه عمليات تجهيل المجتمع، هذا ما أشار إليه المفكر د.عزمي بشارة عندما أكد بأن "أعداء الأمة لن يقبلو بدول عربية حداثية وديمقراطية لأن ذلك يشكل خطرا حقيقيا على أمن اسرائيل لذلك فهم يحاولون بكل الوسائل افشال المسار الثوري بدعم قوى تضمن لهم إقباع الشعوب في دوامة التخلف والجهل المزمن والانشغال بقضايا وهمية عقائدية تحرم تطور العرب." إن عملية التجهيل هدفها الأساسي إجهاض مكتسبات الثورات العربية وتأسيس دكتاتوريات جديدة، كما قال الفيلسوف الفرنسي (مونتيسكيو 1689) "يتأسس الحكم ذو النظام الإستبدادي على الجهل لأن خضوع الأفراد يستلزم جهلهم...فطاعة الشعب وخضوعه لا يتحقق إلا بشيوع الجهل." فبعد تحريم الإختلاط بين المرأة والرجل وصلنا إلى مرحلة تحريم إختلاط الطماطم والخيار، يا شيوخ ضحكت من جهلهم الأمم، ويا ربيع ذبلت أزهاره وسقطت أوراقه قبل أن تجف دماء الشهداء من الميادين!!! عيب وعار أن نقف متفرجين/صامتين وثورات الشعوب العربية تجهض وتقطف ثمارها. نحن في حاجة إلى ثورات نهضوية ضد التجهيل والدجل والفتاوى الهادفة إلى تشويه صورة الإنسان العربي وجعله أضحوكة العالم، فاذا انتقل الشعب من مناقشة سياسته واقتصاده وتعليمه واستقلاله إلى مناقشة شعر المرأة ولحية الرجل فمن حقنا أن نحزن كما قال مروان البرغوتي!!