المراة من القداسة الى النجاسة



وليد يوسف عطو
2012 / 4 / 20

عاشت المجتمعات البشرية قديما في مجموعات كبيرة مشتركة , معيشة مشاعية بدائية تتمثل في التقاط الثمار وصيد الحيوانات بطرق بدائية , منها الحجارة المقددة .
في مرحلة لاحقة اكتشف الانسان النار وكيفية اشعالها وقام بشواء اللحوم والطبخ عليها .
وقد تميزت مرحلة المشاعية البدائية بعدم وجود التملك الخاص للافراد .
فكل موجودات الجماعة هي مشاع للكل وعلى هذا الاساس لم يكن هنالك نظام لمؤسسة الزواج , ولم يعرف الزواج الاحادي , اي رجلا واحدا من امراة واحدة , بل كانت الممارسة الجنسية مشاعة للجميع ...
وبالتالي اصبح انتساب الطفل المولود يعرف بانتسابه الى امه حيث الاب يكون مجهولا ..
وهكذا تعززت مكانة المراة في المجتمعات المشاعية البدائية , وظهرت الالهة الانثوية , الهة الخصب صاحبة الحظوة والمكانة الارفع ...
وقدس الانسان هذه الالهة وتبرك بها وتشفع بها وقدم لها القرابين والنذور
وفي مرحلة لاحقة , عندما ظهر التخصص في العمل وضرورة وجود سوق لتبادل السلع , بدا بالظهور تبعا لذلك التملك الخاص للانسان ..
وبظهور الملكية الخاصة اخذت مظاهر المشاعة البدائية بالانحسار . وعبرت الملكية الخاصة عن نفسها بالزواج الاحادي كما هو عند البابليين وبذلك اصبح الطفل معلوم الاب والام .
وبما ان الرجل كان يقوم بالاعمال الانتاجية الشاقة كالحراثة والتعدين
والحصول على الغنائم من خلال الحروب . لذا اصبح عمل المراة المنزلي عملا غير منتج اقتصاديا . ومن هنا بدا تراجع دور المراة وسطوة الرجل الذكر على الانثى . واصبح الرجل يحسبها من ممتلكاته , اي مملوكة ملك يمين . وبدا انحسار الالهة الانثوية وسطوة الالهة الذكورية . وسيطر الكهنة الذكور على المعابد وعلى الكهنوت , واصبح الكاهن هو الناطق الرسمي باسم الاله المقدس .
وتحولت المراة في هذا المجتمع من مظاهر القداسة الى مظاهر النجاسة .
ومن هنا كان يتم عزل المراة في كثير من المجتمعات القديمة بعد الولادة في مكان منفرد ومنعزل , الى ان تنقضي ايام تطهيرها , ليحق بعدها العودة الى الجماعة البشرية التي تنتسب اليها .
وانعكس الوضع الطبقي والعبودية على المراة في التشريع المدني والديني . فاخذنا نرى في الاسلام تشريعات تخص العبيد والسراري هي ضعف القيود المفروضة على المراة الحرة .
الحب يرتبط بالامومة
كتب الدكتور علي الشوك في كتابه المعنون : ( جولة في اقاليم اللغة والاسطورة ) ,اصدار دار المدى للثقافة والنشر , ط2 , 1999, سورية , دمشق: ( ونحن نرى ان الرحمة مشتقة من الرحم , لان هذا الاخير دال على المراة , ومن رقة المراة جاء مفهوم الرحمة , لان حمل الجنين في الرحم هو اعلى مظاهر الحب . والرحمة عند المراة هو ما اشار اليه اريك فروم في كتابه : haben oder sein
في سياق حديثه عن مشاعر الام تجاه ابنائها .
يكتب فروم : ( ان المبدا الامومي هو الحب غير المشروط ,فالام لاتحب اطفالها لانهم يدخلون على نفسها المسرة , بل لمجرد كونهم اطفالها , ولذا فان حب الام لايكتسب عن طريق ( السلوك الحسن ) ولا يفقد بسبب (سوء السلوك ) .
ومن هنا كانت المسيحية تعبيرا عن المرحلة الامومية التي تميزت بها العذراء مريم والسيد المسيح الذي قدم للبشرية حبا غير مشروطا ولا متناهيا : ( لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لايهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية ) .
ومن هنا ارتفعت قيمة المراة في المسيحية ومساواتها انسانيا مع الرجل بعد ان كانت في اليهودية مساوية للحيوان .
وظهرت اهمية النساء ودورهن في الانجيل , ومنهن مريم المجدلية ومريم ام يسوع وكثيرات غيرهن ..
ولكن بسبب سيطرة الملكية الخاصة , انتصر الكهنوت في المسيحية واقتصر على الرجال فقط وهم من قاموا بتفسير الانجيل ووضع لوائح الكنيسة , والذين حولوا المراة من القداسة الى النجاسة . حيث توارثوا بدون وجه حق الموروثات اليهودية بجعل المراة نجسة ولايحق لها الكهنوت والوقوف على المذبح . واعطت لها الكنيسة فترة بعد الحمل للتطهر وغيرها من التقييدات والتابوات والتي لم تكن موجودة في الانجيل .
ان عمل المراة واستقلالها الاقتصادي وتنامي دورها السياسي والاعلامي والثقافي , ودورها المؤثر في المؤسسات التعليمية والتربوية ومراكز البحوث ,سيعمل على ابراز دورها نحو التكامل مع دور الرجل .
ان حرية المراة مرتبطة بتحرر المجتمع وتحرر الرجل من الموروثات القديمة والفكر العشائري والغيبي .
ان المجتمع المقموع من حاكم استبدادي ظالم لايمكن ان يعطي الحرية للمراة بل سيكون الاضطهاد مزدوجا عليها في هذه الحالة
ان تحرر المراة اقتصاديا هو الشرط الاول لحرية المجتمع وتكامل العلاقة بين الرجل والمراة كدائرة التاو المتحركة .
وهذا سيلغي ملكية الرجل للمراة وتصبح شريكا كامل العضوية والاهلية في مؤسسة الزواج ....
على المودة نلتقيكم ...