مستقبلنا على الأرصفة



جهاد علاونه
2012 / 4 / 21

أول سبب من أسباب الثورات العربية الحديثة كانت بسبب البيع على الأرصفة حين حرق المناضل(محمد البوعزيزي نفسه) في تونس,أما أول سبب من أسباب فقرنا وتخلفنا وزيادة أعداد المواليد كان دائما وسيبقى إلى الأبد الحديث النبوي الشريف القائل: تناكحوا تكاثروا فأني مباه بكم الأمم يوم القيامة,دون الالتفات إلى أساليب التربية الحديثة,حيث ما زلنا إلى اليوم لا نملك للتربية إلا طريقتين وهما :الدلال وتدليل الأطفال,وثانيا بالضغط عليهم واضطهادهم,والنتيجة نحن على الأرصفة وفي الشوارع,نحرق بأنفسنا كما فعل البوعزيزي.

يقال علميا بأن الطفل المدلل مثله مثل الطفل المضطهد,فكلاهما يؤدي إلى نتيجة واحدة وهي الانحراف في معايير السلوك ليخرج بخط سيره عن النظم والأعراف والقوانين السائدة, وهذا ما نلاحظه من خلال التجربة والمشاهدة والخبرة حيث يجنح المدللون في سلوكهم كما يجنح المضطهدون في سلوكهم,والأرصفة تنتظر الجميع بفارغ الصبر,ويقال بأن الطفل المدلل أشد خطرا على المجتمع وعلى نفسه من الطفل المضطهد,وهنا نصل إلى نتيجة اللأدريه وإلى الشك في أساليب التربية فلا الطفل المدلل يُفرح قلبنا ولا الطفل المضطهد يفرح قلبنا والاثنان في خندق واحد من الضياع,فلا هذا نافع ولا ذاك نافع وكلاهما ضار غير نافع على حسب ما نشاهده في مجتمعنا وهذا ليس للتعميم على كل الأطفال فبعض المدللون نفعوا أنفسهم وأهاليهم وبعض المضطهدون نفعوا أيضا أنفسهم وأهاليهم ,ولكن في مجتمعنا يضر الطفل المضطهد والطفل المدلل نفسه ويلحق الضرر بأهله وبالمحيطين به من كافة أفراد الأسرة,والمهم في المشكلة أن مستقبل أطفالنا بدء واضحا على الأرصفة.
ولا بد أن هنالك طريقة أخرى للتربية تختلف عن التدليل وعن الاضطهاد فالمجتمعات البادئة أو قل أن التربية قبل 100عام للأطفال كانت عبارة عن مسلكين وهما:الضغط على الطفل أو الترفيه عن الطفل, وبما أن النتائج غير مضمونة فلا بد أن هنالك سبباً آخر جعل مستقبل هؤلاء الأطفال على الأرصفة وسلوكهم حاد وعدواني إلى أبعد الحدود.

والتخطيط السيئ للأسرة يؤدي إلى مزيدٍ من ارتكاب الأخطاء العشوائية وغير المقصودة والنتيجة واحدة وهي زيادة العبء على الوالدين وعدم قدرتهم على الإنفاق العائلي وبالتالي أول نتيجة حتمية ومعروفة هي خروج الطفل من المنزل ليبحث له عن عمل في الشوارع وعلى البسطات أو ليتسكع ليلا ونهاراً في الشوارع من أجل أن يطرد الهم والحزن والغم عن نفسه أو من أجل أن يقتل الوقت,وكم سألنا بعضاً من الأطفال:لماذا أنتم تجلسون وتنتشرون في الشوارع؟وكانت الأجوبة من أجل تمضية الوقت ومن أجل ملئ الفراغ الذي في داخلنا وكل هذا يؤدي إلى انحراف وانجراف عام في السلوك فيبدأ الأطفال يرسمون مستقبلهم على الأرصفة في المدن المكتظة في السكان وفي القرى وفي الأسواق الكبيرة ليصنعوا الخبز الذي يشتهونه بيديهم فيلعبون ويرتكبون الجرائم في سلوكياتهم,وهنا الشوارع والأرصفة تتخذ من نفسها مربيا للأطفال ومعهدا علميا وكلية تربوية يتخرج فيها أطفال يتسمون بالعنف وباللامبالاة ولا بد أن الأب والأم نتيجة جهلهما بأساليب التربية لا يعرفون بأن زيادة عدد المواليد يؤدي إلى نتائج سلبية فهم يقومون بالتفريخ في كل سنة من أجل زيادة نسبة الدخل في المستقبل عن طريق استغلال يد الطفل العاملة وهذا خطأ شائع لأن الإنجاب بهذه الطريقة يؤدي إلى زيادة العبء على العائلة برمتها ومن ثم على الدولة نفسها فهؤلاء الضيوف الجدد القادمون على مائدة الرحمان تتحمل الدولة عبء تعليمهم وعبئ إطعامهم وعبء إشباعهم وعبء الرعاية الصحية حيث لا توجد مراكز صحية تستوعب هذا العدد الهائل من الأولاد زد على ذلك غياب مشاريع التنمية وغياب ألأماكن المخصصة للشباب لكي يقضوا فيها أوقاتهم.

وهنالك خطأ في فهم النصوص الشرعية من حيث التكاثر والتباهي أمام الأمم حيث كانت العائلة قديما تعاني من سوء الأوضاع الصحية وزيادة نسبة الوفيات بين الأطفال وبين الرجال البالغين والنساء لذلك كانت المرأة تلد كثيرا من المواليد قبل خمسين سنة أو قبل مائة سنة من هذا التاريخ وكان يعيش واحد أو اثنان من أصل عشرة مواليد,واليوم الآية مقلوبة رأساً على عقب حيث الرعاية الصحية على أتم وجه ومتقدمة ومتطورة جدا وتراجعت نسبة الوفيات بين الأطفال الصغار والأطفال المراهقين وهم في بداية سن البلوغ لذلك لا يوجد أي داعي للإنجاب الكثير حيث هذا يشكل عبئا ومصدر قلق على العائلة بأكملها وخصوصا مع تراجع الطبقة الوسطى وزيادة حجم جيوب الفقر واتساع رقعة الفقر.

وهذا في الحقيقة من الأسباب المباشرة لزيادة جيوب الفقر ولا تستطيع أي دولة في العالم المتحضر اليوم أن تواجه الفقر الناتج عن زيادة نسبة المواليد لأن هذا يؤدي إلى التشرد في الشوارع من أجل:
-1-التسكع.
-2- البحث عن عمل.
-3-العمل في الشوارع.
وهذا أدى إلى ظاهرة انتشار الأطفال المشردين في الشوارع رغم أن لهم أما وأبا وعائلة كبيرة.

وإذا قارنا بين العائلة(النواتية) وهي العائلة المتكونة من الأب والأم والأطفال في المجتمع العربي وبين العائلة(النواتية)في المجتمع الغربي نجد أن حجم العائلة في المجتمع الغربي لا يتعدى خمسة أفراد بما فيهم الأب والأم لذلك عبء رب الأسرة خفيف جدا وليس ثقيلا أما في العائلة العربية فحدث ولا حرج عن عدد أفراد العائلة الذين تنتظرهم الشوارع ليتسكعوا بها,وهنالك مقارنة أخرى وهي أن نسبة الشباب ذوي الأعمار التي تبدأ من 20 سنة إلى 26 سنة تتجاوز نسبة 95% من نسبة تعداد السكان بالكامل,أما في العائلة الأوروبية فإن النسبة تكون 25% من نسبة تعداد السكان على حسب إحصائيات بعض مراكز البحوث والدراسات العلمية,وهنالك شيء لافت للنظر وهي أن العائلة في الدول المتقدمة معظم أفرادها من الكبار في السن بينما نحن نسبة العائلة من الشباب وهذا هو بيت القصيد حيث الكبار يجلسون في المنزل يستمتعون بأوقات الذروة والسياحة دون أي أعباء يتحملونها وهذا بخلاف العائلات العربية حيث النسبة الغالبة في الشوارع والبسطات يتسكعون هنا وهناك.