المرأة والسياسة



سعاد خيري
2005 / 1 / 24

ان المرأة هي منجبة البشرية ومربيتها منذ نشوء المجتمع الانساني وكان لها المقام الاول قبل ان تنشأ الملكية الخاصة لوسائل الانتاج بفضل ما منحتها الطبيعة من امكانيات طبيعية ومشاعر الحنان والاستعداد للتضحية في سبيل حماية الجنس البشري. ومع تطور المجتمع الانساني ونشوء وتطور الملكية الخاصة لوسائل الانتاج تدهورت منزلة المرأة في المجتمع رغم انها المنتج الوحيد لقوى الانتاج الرئيسية : البشر العاملين الذين بدونهم تبقى كل وسائل الانتاج عاطلة. ومع بلوغ ملكية وسائل الانتاج مرحلة الراسمالية وللايغال في استغلال المرأة ابيح لها الانخراط في جيش العمل لتعاني صنوفا من الاستغلال المركب. وحتى في ارقى الدول الراسمالية بقيت المرأة تعاني من التمييز ضدها في العمل والاجور ولم يتح لها التصويت والانتخاب الى البرلمانات الا خلال القرن العشرين . واذا ما اتيح لبعض النسوة تقلد المناصب القيادية فلم يتم ذلك لهن الا بعد مسخهن وتحويلهن الىادواة لخدمة المطامح الامبريالية كما فعلت مدام تاتشر ومادلين اولبرايت واليوم كوندوليزا رايس. اما في البلدان المستعمرة والبلدان العربية منها، فقد عملت قوات الاحتلال للابقاء على التقاليد الاجتماعية لعلاقات الانتاج الاقطاعية ولا سيما في مجال التعامل مع المرأة ، رغم ادخالهم علاقات الانتاج الراسمالية فيها. وتحاكم المرأة العربية وفق شرائع سنت قبل الاف السنين ، و قوانين للاحوال الشخصية رجعية . ورغم كل شعارات حقوق الانسان وحرية المرأة التي تتشدق بها الادارة الامريكية لاصلاح المجتمعات العربية فانها تسند كل الانظمة الدكتاتورية التي مارست قطع رؤوس النساء ورجمهن احياء وكل عصابات الارهاب الذين يتخذون من الدين ستارا لهم ويمارسون قتل النسوة او الحجر عليهن وراء العديد من الجدران: من الحجاب الى جدران المنازل وفرض الزواج قبل البلوغ..والخ. وتشجيع كل انواع الاصوليات بما فيها الاصولية النسوية التي تعمل على تحويل الصراع ضد الاستغلال والظلم الاجتماعي الى صراع بين المرأة والرجل.
وعمل مؤدلجو الراسمالية الى تشويه مفهوم السياسة لابعاد الجماهير عن ممارستها بالشكل الصحيح ، فالانسان حيوان سياسي يمارس السياسة مهما كان موقفه مما يجري في العالم والاختلاف في بين انسان واخر هو في أي معسكر يقف مع البشرية المتطلعة الى مجتمع انساني حقيقي ام الى معسكر اعدائها مستعبدي البشر وتجار الحروب والارهاب والموت والدمار، وهل من العاملين الايجابيين ام من السلبيين الذين يخدمون اعداء البشرية بوعي ام دون وعي. والسياسة هي احد الميادين الرئيسية للصراع بين اعداء البشرية والبشرية . واذ تستخدم الراسمالية كل تلك الوسائل المار ذكرها لحرف نضال البشرية بنسائها ورجالها فان ذلك دفع البشرية منذ انقسام المجتمع الى مالكين لوسائل الانتاج بما فيهم البشر وعبيد ، الى خوض النضال السياسي بشكل فعال، وتطوير وسائله الفكرية والاقتصادية والثقافية واساليبه السلمية والعنفية وصولا الى الثورات. وكان لابد للمرأة وهي اشد فئات المجتمع البشري اضطهادا وظلما من ان تخوض النضال السياسي الواعي. فالمرأة العراقية ادهشت المجتمع العراقي بمساهمتها في ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني لبلدها، رغم كل ما كانت تعانيه من جهل وامية واضطهاد وعبودية.
ولعبت البلدان الاشتراكية في حينها والحركات السياسية المدافعة عن حقوق الانسان ولاسيما عن حقوق المرأة دورا كبيرا في تطوير الوعي السياسي والاجتماعي للمرأة في جميع انحاء العالم بما في ذلك المرأة العربية ونشأت منظمات نسوية وساهمت في المؤتمرات العالمية واكتسبت خبرة ولعبت دورا بارزا في توعية النسوة في بلادها وفي مكافحة الامية وساهمت في النضالات الوطنية ومع تطور الحركة الوطنية ونشوء الاحزاب السياسية دخلت المرأة العربية الاحزاب السياسية وبرزت بطلات رائعات مثل جميلة بوحيرد وغيرها العشرات من البطلات الفلسطينيات والعراقيات ومنهن فتاة الجسر التي اقتحمت جدار النار امام المتظاهرين في وثبة كانون/1948.، وملايين النسوة في عرا ق اليوم اللاتي قاومن النظام الدكتاتوري وحمين اجيال من ابناء الرافدين من الفناء مجراء الارهاب والحروب والحصاروينهضن اليوم للنضال من اجل تحرير العراق من الاحتلال الامريكي وبناء العراق الديموقراطي المزدهر.
ويقف في مقدمة مهام القوى الوطنية الواعية توجيه كل نضال شعبنا بمختلف اشكاله من اجل طرد الاحتلال وتعرية كل الاوهام التي تبنى على امكانية بناء الديموقراطية واعادة الامن في ظل الاحتلال وان بالامكان بعد ذلك الطلب من قوات الاحتلال بالرحيل و سترحل.!! مبررين ذلك مرة بالاعتماد على الوضع الدولي والعالمي .في حين برهن اقدام الادارة الامريكية على الحرب رغم ارادة المنظمات الدولية وقوانينها ورغم ارادة ملايين البشر الذين خرجوا بمظاهراتهم لمعارضتها. وتارة اخرى بتجاوزوهم كل تجارب الشعوب ويطرحون: "فالنجرب والننتظر" دون ان يعبأوا بان العدو يستغل فترة الانتظار لبناء القواعد الاجتماعية ولاسيما من قوى الارهاب وشراء الدمم وبناء القواعد العسكرية فضلا عن تخدير يقظة الجماهير .
ومع ذلك هب الشعب العراقي منذ اليوم الاول للاحتلال لمقاومة الاحتلال ولكن بدون قيادة سياسية واعية تربط بين المقاومة المسلحة والمقاومة السلمية ، فبدون الربط بين جميع اشكال المقاومة يفقد المقاومة المسلحة القاعدة الجماهيرية والمعين الذي لايمكن ان تعيش بدونه الامر الذي يضعف مقاومتها امام الاشكال الارهابية وبذلك تقدم اكبر خدمة لقوات الاحتلال . وكذلك المقاومة السلمية المعزولة عن المقاومة المسلحة لايمكن ان تحقق طرد قوات الاحتلال ويسهل على قوات الاحتلال تحجيمها باستخدام قواتها مباشرة او بواسطة منظماتها الارهابية المتعددة . وقد اثبتت الفترة الماضية كل هذه الحقائق وهي ليست بالقليلة.
ان المرأة العراقية لا يمكن ان تخدعها الشعارات البراقة لاجهزة قوات الاحتلال المدنية ومساعداتها السخية لمنظماتها ، وفرض نسبة 25% لعضوية المرأة في البرلمان وما سيصدره من قوانين ودساتير فهي تعلم بان كل ذلك يبقى عرضة للتشويه كما فعل صدام حسين فقد كان على عضوات المجلس الوطني المصادقة على جميع القوانين الرجعية ضد المرأة وفي مقدمتها قطع رؤوس النساء كما انه خرق جميع المواثيق والقوانين الدولية التي وقع عليها فيما يخص المرأة وامام انظار العالم وتوجيهات الادارة الامريكية . وهي اذ تنطلق بعشرات المنظمات النسوية لتمارس دورها في الانتخابات واحتلال المناصب الحكومية والادارية للمساهمة في تقرير سياسة البلد ومصيره فهي تدرك ان كل ذلك مؤقتا و مشروطا ببقاء قوات الاحتلال وهيمنتها على حاضر ومستقبل شعبنا . ويجري تهديدها دائما بما يقترفه الارهابيون من جرائم خطف واغتصاب وقتل النسوة ، وفرض الحجاب بل وتهديدها بالبديل الذي نفذه الارهابيون في الفلوجة بحق ابنائها البررة، البديل الشبيه بحكم طالبان في افغانستان.
وما علينا نساء ورجالا الا النضال المتواصل رغم كل الصعوبات والعوائق وبكل الوسائل والاساليب، التي خبرها شعبنا وشعوب العالم وتطويرها بما يتلاءم وتطور العصر ، فشعبنا لا ولن يستكين لذل الاحتلال وقادر على خلق القيادات الكفوءة لتحقيق اهدافه بالتحرر والمساهمة في تحرير البشرية.
19/1/2005