سيدات في سجون عبد الناصر



سماح عادل
2005 / 1 / 26

صلابة المناضلات تبدت رغم سنوات الحجز والاضطهاد
مع ظهور الحركة الشيوعية في مصر ظهرت الشيوعيات المناضلات اللاتي كن يتميزن بصلابة رغم تقاليد المجتمع المتخلف واللاتي انتمين أيضا إلى كل الطبقات فلم يقتصر النضال على بنات البرجوازية بل امتد إلى العاملات الفقيرات وبنات المحافظات الصغيرة وناضلن بكفاحية وصمود وواجهن كل صنوف الاضطهاد سواء من قبل الأهل أو المجتمع الذي أدان تمردهن وشيوعيتهن أو من قبل المباحث العامة أو على مستوى الاقتصادي والتضييق عليهن في الحصول على عمل وكانت اكبر المصاعب هي الصراع ما بين رعايتهن لأبنائهن وبين تمثل مبادئهن والعمل على نشرها 0في عام 1958 كونت جمعية ( الاتحاد النسائي القومي ) التي ضمت كل الجمعيات النسائية في مصر وضمت تقدميات مثل انجي أفلاطون وفاطمة زكي وعنايات ادهم وليبراليات واختيرت سيزا النبراوي رئيسة لهذا الاتحاد وانجي أفلاطون كانت عضوة في مجلس الإدارة وسجل الاتحاد في وزارة الشئون الاجتماعية إلا انه لم يمض أسبوعان حتى منعت وزارة الداخلية الاتحاد من مزاولة نشاطه لأسباب أمنية 0وكانت المناضلات الشيوعيات ينتمين للتنظيمات الشيوعية المختلفة ومعظمهن يرتبطن في علاقات خاصة مع الرفاق أما زوجات أو حبيبات وبدأت حملة القبض الشهيرة للشيوعيين منذ أول يناير 1959 وكانت من أوائل السيدات اللاتي قبض عليهن أجلال السحيمي ثم فاطمة زكي يناير 59 حيث قبض عليها من منزلها بعد معركة عنيفة على سلم منزلها وذهبت إلى قسم عابدين ووجدت هناك أجلال السحيمي وفي منزل ليلى الشال شقوا المراتب وذهبت إلى قسم مصر القديمة واخذوا انتصار خطاب وزوجها صلاح خطاب من المنزل فجرا وتركوا أولادهم في المنزل وحيدين وظلت انتصار تنزف رحميا من بداية دخولها إلى المباحث العامة وحتى شهور وذهبت لقسم الموسكي حيث تقابلت مع ثريا شاكر زوجة فوزي حبشي التي كانت لديها طفلة رضيعة تبلغ عاما واجبروها على تركها مع أخويها في المنزل وتذكر ثريا شاكر أنها أثناء وجودها في المباحث العامة جاءت عاملة من شبرا الخيمة اسمها سيدة اعتدوا عليها بالضرب أما ثريا ادهم فكانت تبحث عن زوجها المقبوض حلمي ياسين وأصيبت بالتهاب رئوي ورغم ذلك أخذوها وهي بحالة صحية سيئة إلى مقر المباحث العامة وايفون حبشي كانت تعمل مدرسة بقرية بالقرب من كفر الزيات واستدعتها المباحث أولا ولوح لها رئيس المباحث (أنور منصور) بكرباج سوداني ثم قصوا لها شعرها واستدعوا أبيها الذي انهال عليها بالسباب ثم تركوها تذهب ثم توجهت ناظرة المدرسة وكانت من الأخوات المسلمات مع بعض المدرسات إلى قسم الشرطة بكفر الزيات ليبلغوا عن نشاطها كشيوعية وقبض عليها من المنزل ورحلوها إلى القاهرة بعد أن ذهبت للمباحث العامة وسمعت أصوات التعذيب في نفس المكان الذي قتل فيه الشهيد محمد محمود عثمان ورحل الجميع إلى السجن وأعلنت حالة الطواريء وخصص لهن عنبر الدعارة فوصل إلى السجن أولا سبعة عشر امرأة منهن ليلى شعيب وليلى عبد الحكيم ونوال المحلاوي ومحسنة توفيق وسيدة حسن وزينب من بني سويف وكانت طالبة في المدرسة وجنيفيف سيداروس وأسماء ألبقلي التي كانت على وشك الولادة وسعاد الطويل وسميرة الصاوي وعايدة بدر وزينات الصباغ واميمة أبو النصر وبعد شهرين جاءت انجي أفلاطون ووداد متري ووصل العدد إلى ثلاثة وعشرين سيدة وقد هربت انجي أفلاطون لمدة ثلاثة اشهر متنكرة في زى فلاحة وقبض عليها بعد اجتماع تنظيمي من الشارع. تقول ثريا ادهم ( رأيت نوعيات متعددة عاملة ومثقفة ومدرسة وموظفة وربة بيت وسيدات عاديات كل التهمة الموجهة إليهن أنهن كن يدافعن عن أقاربهن بعد الاعتقال ويقمن بتنظيم الأسر للدفاع عن حقوقهم كمعتقلين سياسيين ) وقبض على صهباء البربري وهي خريجة الجامعة المصرية كلية الآداب قسم اجتماع من غزة فلسطين هي وخطيبها الشاعر والمناضل الفلسطيني معين بسيسو ورحلا معا إلى القاهرة في قيد حديدي واحد ليذهبا إلى السجن الحربي ووضعوها في زنزانة بالدور الثالث وكانت تسمع أصوات صراخ التعذيب وقضت 48 ساعة كان الحراس يدخلون فيها كل ساعة لفرش الزنزانة كغرفة فندق من الدرجة الأولى ثم إخلاؤها بعد ساعة أخرى ويقولون لها اختاري بين الوضعين ويكون الثمن هو أن تجعل( معين) يعترف ثم احضروها لسجن القناطر وكان الوضع داخل السجن خانقا فالعنبر مغلق طوال اليوم يفتح فقط للذهاب إلى دورة المياه الموجودة بمستشفى السجن صباحا وعصرا وطابور الشمس قاصر على نصف ساعة في الصباح والأمانات المسموح بها جنيهين شهريا والكتب ممنوعة والجرائد والورق والأقلام وأجهزة الراديو وكذلك الزيارات ومسموح باستلام خطابات من الأهل بعد مرورها على رقابة المباحث العامة ومسموح بكتابة خطاب إلى الأهل كل شهر تكتب تحت إشراف مراقبة السجن ثم يقرأه مأمور السجن ثم المباحث العامة للتأشير عليه وإذا كان مرسل للواحات إلى قريب معتقل يقرأه مأمور سجن الواحات ثم الظابط النوبطشي كما كانت التغذية رديئة فالطعام بلا لون محدد كريه الطعم تثير رائحته الغثيان والأرز يحوي قش وأحجار وفضلات فئران والرعاية الطبية شبه معدومة ومنطقة القناطر نفسها مليئة بالرطوبة ولم تكن هناك أغطية كافية وإدارة السجن تغير السجانة المشرفة على العنبر كل شهر 0تروي ثريا شاكر أن المأمور استشاط غضبا عندما مر أمام الرفيقات ولم يقفن له و طلب منهن الوقوف عند رؤيته0 وكان مأمور السجن يقوم بالتفتيش اليومي الدقيق لحقائب المسجونات وعبرت انتصار خطاب عن رفض ذلك لمدير مصلحة السجون وتوقف تفتيش المأمور والتزمت المناضلات بمعاملة السجانات معاملة إنسانية مما عكس احترام متبادل وبعد اقل من شهرين في السجن أعلن عبد الناصر في تصريح مشهور لصحفي هندي شهير كارينجيا ( انه ليس في مصر معتقلين أو معتقلات ) وتم الاتفاق على الذهاب لإدارة السجن لمناقشة الأمر وتحدثت ثريا ادهم وطالبت بحضور مندوب عن الدولة ورفضن دخول العنبر واتصل المأمور بمدير المنطقة وأعلنت حالة الطواريء القصوى في السجن حيث أدخلت المسجونات العاديات إلى العنابر ووقفت السجانات وبعض مسجونات التأبيد من تاجرات المخدرات والقاتلات وبدا الأمر كأنه شجار بين المسجونات وفتحت بوابة السجن الرئيسية ودخل الجند المسلحين وحوصرت المناضلات وصدر أمر الرجوع للعنبر و إلا إطلاق النار والأسلحة مشهرة ورفضن الاستسلام وأغلق باب السجن الرئيسي وأصبحت كل واحدة في مواجهة عشرة من مسجونات التأبيد والسجانات وسحلن على الرمال إلى العنبر وتقول ثريا ادهم ( ظلت أجزاء من راسي دون شعر شهور عدة لقد انتزعت تلك الأجزاء وهم يسحلنني ويجرجرنني فوق الأرض ) وفاطمة زكي رغم المقاومة كسر حوضها وثريا شاكر هتفت وسط المعركة ( تسقط سياسة المعتقلات )وصفعت ليلى شعيب السجانة التي أغلقت عليهن العنبر ثم اخذوا فاطمة زكي وثريا ادهم لمقابلة مأمور السجن ولانهما عاجزتين عن الحركة وضعوهن في بطانيتين وحملوهن على الأكتاف ورفضت ثريا ادهم التحدث معه إلا في حضور النيابة وأرسلت الإدارة بهما إلى التأديب بالحبس الانفرادي دون وجبة عشاء لمدة ثلاثة عشر يوما ورفضت ثريا ادهم الذهاب إلى المستشفى رغم سوء حالتها الصحية وتم تكدير العنبر كله طوال ثلاثة عشر يوما وجاءت بعثة للتفتيش على السجن أثناء ذلك ووضعت الإدارة الرفيقات في حجرات خلف السجن وأغلقوا عليهن النوافذ ودقوا شيشها بالمسامير وظللن يصحن ولم يسمعهن احد وتقول ليلى الشال ( في وقت السحل اشتركت مع الزميلات رغم أن هذا مخالفا لخط حدتو وبالفعل وجه إلى نقد حزبي بهذا الخصوص ) وبالنسبة للحياة العامة اثنتان فقط لم يشتركا في الحياة العامة أسماء ألبقلي وسميرة الصاوي ولم ينتسبا لأي تنظيم حزبي وكانت الظروف المعيشية صعبة يعانين حرمانا شديدا وكانوا يقسمن أي شيء يصل إلى واحد وعشرين قطعة عددهن حتى الموجودات في المستشفى لهن نصيب وكانت سعاد الطويل هي أخصائية التقسيم تستطيع تقسيم أي شيء إلى هذا العدد وكانت واحدة من الرفيقات يتم تحديدها بالتناوب تكون مندوبة عند الإدارة تستلم الطعام من المتعهد وتحضر ما يحتاجون إليه من كانتين السجن وكان الطعام رديئا وغير كاف والأطباء يساعدوهن بمنحهن مواد غذائية كعلاج وكان أكل المتعهد ومخصصات العلاج توزع على الزميلات المعتقلات والمسجونات والسجانة النوبطشية والسجينة النوبطشية وكانت علاقة الرفيقات بالمسجونات طيبة تصل إلى حد التعاون معهن وإخفاء أشيائهن عند التفتيش وكانت الرفيقات يثقفن أنفسهن كل واحدة تعطي ما عندها في صورة محاضرات ففاطمة زكي تحاضر في العلوم وأسماء ألبقلي في التاريخ وثريا ادهم في اللغة العربية وجنيفيف سيداروس إنجليزي وانجي أفلاطون فرنسي وامتد الأمر إلى إعداد مجلة مسموعة والمسألة عنها انجي أفلاطون وأسماء ألبقلي وفيها برنامج اسمه بساط الريح تروي فيه كل رفيقة عن حياتها واستطاعت انجي أن تناضل في أن يسمح لها برسم لوحات مع استمرار معاناتها في تهريب لوحاتها التي كان يطمع فيها السجانون وكانوا يقومون بترفيه أنفسهن عن طريق تقليد الزملاء أو حفلات تنكرية أو تمثيل مسرحيات وكانت انتصار خطاب تخرجها وتؤلفها وكانت محسنة توفيق تغني لهن ليلا كما ولدت أسماء ألبقلي في السجن طفلا أسمته ياسر وظل في السجن لمدة سنتين ورفضت المباحث العامة أن يرى ياسر أباه الذي كان في سجن القناطر رجال وكان محظور على الرفيقات رؤية أولادهن على خلاف السجينات وعندما حاولت ثريا شاكر بالحيلة أن ترى أولادها نصبت لها محاكمة لكن مأمور السجن كان متعاطفا معها وذات مرة حاول أبو ثريا شاكر رؤيتها وهي في مستشفى القصر العيني واحضر لها ابنتها وعندما علم حارسها سلمهما للمباحث العامة حيث حقق معهما لمدة يوم كامل وذات مرة أرسل ابن انتصار خطاب إليها بتهديد بالانتحار إذا لم توقع على ورقة لتخرج من السجن له ولإخوته وكان الصراع داخلها محتدما لكنها لم تستجب لضعف ابنها 0اتخذت المباحث العامة الأمراض وسيلة للضغط على المعتقلين فكانت لا تسمح بالعلاج للمعتقلات إلا بعد كفاح طويل وفي النهاية ترسلهن إلى معتقل مستشفى القصر العيني وهو عبارة عن عنبر مكون من ثلاث حجرات عرضة للتفتيش المستمر أو لمحاولة الإقناع للعدول عن السياسة وأصيبت ليلى شعيب بورم وكافحت لكي توافق المباحث على علاجها في القصر العيني ثم لكي توافق على إجراء جراحة وبعدها كان الأمر يتطلب متابعة شهرية وافقت عليها المباحث بصعوبة وأصيبت ليلى الشال بالتهاب الزائدة الدودية وحاول الحارس أن يدخل غرفة العمليات وظل يراقبها من الزجاج 00حاولت الرفيقات فرض الحد الأدنى من الحقوق التي تتمتع بها القاتلة وتاجرة المخدرات والعاهرة تلك التي تتمثل في تطبيق لائحة السجون عليهن 0خاصة بعد مرور أكثر من سنتين وكانت البداية مساندة الرفاق في معتقل الواحات في إضرابهم عن الطعام يوليو 1961 فأضربت أربع رفيقات (انتصار خطاب ــ ليلى الشال ــ ليلى شعيب ــ سعاد الطويل ) واستمر إضرابهن حتى أنهاه الرفاق و كانت انتصار خطاب مسئولة الأمان تخبيء لديها الأوراق السياسية التي يرسلها الرفاق لهن وعند الإفراج عن الدفعة الثانية في سبتمبر 1962سلمت انتصار المخبأ الحزبي إلى انجي أفلاطون وقرروا إقامة حفلة للمفرج عنهن ثم وأثناء ذلك دخل العنبر عشرون رجلا وأحاط به ثلاثون فتشوا كل شيء غير أنهم لم يعثروا على المخبأ الحزبي وكان مليئا بالوثائق ثم حرمن من الزيارة والجرائد وتقول انجي أفلاطون (أن هذه الكبسة التي لم تحدث من قبل كانت بسبب أن المباحث العامة تود الإيقاع بين المفرج عنهن وباقي الرفيقات كما أنها تشك أن سجن النساء يشكل حلقة وصل بين مختلف السجون والمعتقلات بل أنها تشك في إدارة السجن ذاتها ) ثم بعد سنة طرحت فكرة الإضراب مرة أخرى ورفضها الرفاق لكنهم تركوا القرار للرفيقات كذلك رفضت العائلات لكنهن اضربن وكان الشعار ( الإفراج أو الموت )مع بعض المطالب الخاصة بتحسين ظروف المعيشة وتم الاتفاق على دخول ثلاثة عشر رفيقة بعد أن تم الإفراج عن ست رفيقات هن انتصار خطاب ومحسنة توفيق وليلى عبد الحكيم وليلى الشال وليلى شعيب ووداد متري وذهبت ثريا ادهم للقصر العيني لتكون حلقة الاتصال بالأهالي والرفاق والمضربات وفي اليوم الثالث جاءت النيابة ونقلت المضربات إلى عنبر في مستشفى السجن وبعد ثمانية أيام استخدموا الأهالي للضغط عليهن فجاء أبو ثريا شاكر وولداها ليضغطوا عليها لكنها رفضت ولم تكرر المباحث المحاولة وبعد ستة عشر يوما أوشكت ثلاث رفيقات على الموت أخطرهن فاطمة زكي ثم جنيفيف سيداروس ثم ثريا شاكر وفي اليوم السابع عشر جاء رجلان من المباحث العامة ورفضا فكرة الإفراج وبدآ في مناقشة المطالب مسموح بجريدة الأهرام فقط وممنوع الزيارة وقراءة الكتب حتى من مكتبة السجن وحددا خطابا كل خمسة عشر يوما بدلا من شهر وزيادة الأمانات إلى أربعة جنيهات واتفقت الرفيقات على فك الإضراب بمحضر تكتب فيه كل الاتفاقات والتنبيه على المأمور بالتنفيذ ونص في المحضر على وعد بالإفراج وأصبحن يطهين الطعام بأنفسهن ويفتح باب العنبر طوال النهار 0اما بالنسبة للإفراج فقد أفرج عن الرفيقات على ثلاث دفعات الأولى في يوليو 1960 والثانية سبتمبر 1962 والثالثة يوليو 1963 وبعد الإفراج عن الرفيقات لم ينقطع القمع والاضطهاد فقد وصل الأمر إلى عرقلة إمكانية الحصول على عمل فقد خرجت انتصار خطاب لتعمل في فندق شبرد في المطبخ ثم رئيسة قسم التنظيف لكن المباحث العامة تتبعتها وضغطت على المدير ليفصلها من عملها كأنها لصة لكن أيضا لم ينقطع النضال فقد سافرت فاطمة زكي وثريا ادهم ونوال المحلاوي إلى أزواجهن في سجن المحاريق بالوادي الجديد وعاد نضال الزوجات من اجل الإفراج عن أزواجهن والمسجونين الشيوعيين