ثقافة-المرأة الفاضلة-



أمجد الرفاعي
2005 / 1 / 27

من النافل القول بأن حرية المرأة ضرورة إنسانية واجتماعية ووطنية قصوى،قبل أن تكون ترفاً فكرياُ وثقافياً.
وحرية المرأة تبدأ في اللحظة التي تدرك فيها واقعها المنحط المزري،ومحاولة فهم أسبابه ،فهماً علمياً صحيحاً،ومن ثم تبدأ نضالها من أجل تغييره...

فحرية المرأة شرط لازم لتحررالأوطان من ربقة الجهل والتخلف والاستعمار والاستبداد..والمرأة الحرّة والمسيطرة على عقلها وجسدها وعواطفها ،والتي لا ترضى أن تصبح أَمة أو جارية في بيت الذَّكر،لن تقبل على الاطلاق باحتلال الأجنبي لبلدها ...والمرأة المتعلمة المثقفة لن ترضى بتنشئة أبنائها الا في بيئة متعلمة ومثقفة...والمرأة التي لم تتعود على طاعة الذكر طاعة عمياء لمجرد أنها أنثى،لن تقبل بالتالي الرضوخ لأي نوع من أنواع الاستبداد الاجتماعي أو السياسي أو الجنسي..

ومنه،فالسلطات الاجتماعية والسياسية والدينية في بلداننا العربية،بما هي سلطات ذكورية استبدادية مستغلة(بكسر الغين)،تسعى جاهدة وبكل قواها لابقاء المرأة"نصف المجتمع"أسيرة الجهل والطاعة والرضوخ ،عبر تعميم ثقافات كاذبة،وملفقة،كثقافة "المرأة الفاضلة"!!.
فما هي ثقافة المرأة الفاضلة؟!.


************************


طاعة الزوج من طاعة الله!:



في كثير من الأحيان،فإن من يخطئ في حق المرأة،ويساهم في استلابها،هي المرأة نفسها!.
فهي إذ تردد (دون وعي)كثيراً من المفردات التي تساهم بشكل أو بآخر في تأبيد سلطة الذكر،والتي هي من إختراعه أصلاً،فانها تساهم في غزل الشرنقة الخانقة حول نفسها...وإذ تظن أنها تدافع عن مكارم الأخلاق وعن قيم المجتمع الفاضلة،فانها بالواقع تكون أسيرة مفاهيم الذكر وقيمه وأخلاقياته الزائفة،والتي لايهدف منها سوى جعل المرأة "ملحقاً" أو "هامشاً" له....

ومن هذه المصطلحات المقيتة مصطلح "طاعة الزوج"..فهي تظن أنها باحناء هامتها وطأطأة رأسها والتخلي عن كبريائها وكرامتهاأمام زوجها ،فانها ستكون-بلاشك-زوجة فاضلة صالحة ...وعلى خلق!.
ومن سخرية القدر أن أول درس تعلمه الأم لابنتها المقبلة على الزواج هو:أطيعي زوجك...
وفيما بعدإن لم تطعه،فانها،والعياذ بالله،ناشز..ويحق لزوجها ساعتها أن يضربها "ضرباً غير مبرح"!!!!.
أما لماذا عليها أن تطيعه،فلأنهن ناقصات عقل ودين!...أو لأن الرجال قوامون على النساء...أو.....

ولقد بذل"حماة الأخلاق والشرف والفضيلة" جهداً خارقاً عبر التاريخ كي يبقوا النساء في خانة العبيد..وما عليهن الا الطاعة لأسيادهن الذكور....
وأصبحت من تستحق لقب"السيدة الفاضلة" هي التي تردد مصطلحات الذكور "الأخلاقية" وتسهر على حمايتها ،وتنقلها الى بناتها من جيل الى جيل...
أماإن تجرأت إحداهن ففتحت بوزها قائلة:..من حقي أن...وجهة نظري أن...رأيي أن....
فعليها العوض ومنه العوض..فما هي الا فاجرة،متشبهة بالرجل....لعنها الله...كثيرا!.

وفي أحد المواقع(الدّعوية!)التي تنتشر على شبكة الانترنت نقرأ النصائح التالية:
"لا ترفعي صوتك في وجودزوجكِ خاصة".
"الوقوف بين يديه لحظة ارتدائه لملابسه وخروجه".
"عدم التردد أو التباطؤ عندما يطلب منك شيئاً بل احرصي على تقديمه بحيوية ونشاط".
"أشعريه دائما أن واجباته هي الاولوية الاولى مهما كانت مسؤولياتك وأعمالك".
وهكذا!!!..
فقد تكون المرأة مهندسة أو طبيبة أو أستاذة جامعية ومع ذلك عليها "الوقوف بين يديه" لحظةإرتدائه لملابسه..حتى ولو كان الزوج رجلاً أجرب !..لماذا؟...
لأنه...."تذكري دائما أن الزوج وسيلة نتقرب بها الى الله تعالى"!.
وكاتب النصائح السابقة العتيد، لايكتفي بالطلب من المرأة بتحويل نفسها الى جارية مهمتها خدمة الذكر فقط انما يطلب منها(ويالوقاحته !) بعد أن يغلف السم بالعسل ،أن تقوم بتعميم هذه الثقافة المتخلفة على باقي بنات جنسها ،بعد إلباس هذه الثقافة لبوساً دينياً كاذباً....
فيكتب:"تعرفي على الفقه الدعوي الذي يساعدك على التحرك بسهولة وحكمة في الوسط النسائي حتى تحققي الأهداف المطلوبة في الوقت المطلوب دون إضاعة وقت"..والمقصود بالفقه الدعوي،الفقه الذي أطلقه أصحاب العمائم،كي يستخدموه في تخدير عقل المرأة،واظهار بأن أية محاولة للتحرر هي كفر في كفر..
"إحرصي عند متابعة عملك مع أخواتك ان تخاطبي القلب قبل العقل لمناسبة ذلك مع الطبيعة النسائية". لماذا؟!!...وهنا احدى الخرافات التي يروّج لها أصحاب "الفكر "الذكوري ألا وهو أن المرأة لاتستخدم عقلها(إن هو وجد أصلاً برأيهم)في حكمها على الأمور بل تعتمد على عاطفتها..
وفي السنوات الأخيرة أخذت حلقات الدروس (الدينية)في الاتساع والانتشار،وبدأت(الشّيخات) في لمّ النسوة حولهن لتعليمهن أصول طاعة الزوج والامتثال له،لأن في ذلك طاعة الخالق!.كذلك تلقينهن -باسم الدين-أنهن ناقصات عقل ودين،وبأن قدرهن المكتوب هو الانجاب والارضاع والسهر على راحة بيوتهن..وبأن طلبهن العمل خارج المنزل،وطلبهن العلم في المدارس والجامعات إنما هو رجس من عمل الشيطان.

وهكذا نجد بأن الذكر يطلب من المرأة أن تعلم النساء الأخريات كيفية استلاب أنفسهن وقهر تطلعاتهن التحررية ...هذا بينما هو يقهقه في نفسه ساخراً......!!.


***********************

"فتيات غيشا"فاضلات!:



تحدث "ول ديورانت" في موسوعته الضخمة "قصة الحضارة" عن مجموعة من العاهرات اليابانيات يطلق عليهن اسم "فتيات الغيشا"..كانت هناك مؤسسة تشرف على انتقاء هؤلاء العاهرات منذ الصغر،فتعلمهن مختلف طرق الاعتناء بجمالهن ولباسهن ...والأهم من هذا أن هذه المؤسسة كانت تعلمهن أيضاً مختلف فنون الشعر والغناء والعزف على الآلات الموسيقية..وكان هناك أساتذة مختصّون بتعليمهن شتى ضروب الثقافة والأدب ..!
وباختصار ،كانت "فتاة الغيشا"تتخرج من هذه المؤسسة وهي في الرابعة عشر من العمر وهي تمتلك مؤهلات ثقافية وفنية رفيعة المستوى...
وكان الهدف في النهاية تقديمهن للترفيه عن الزبائن الاقطاعيين والتجار الموسرين وكبار المسؤولين..ويأتي الجنس كتحصيل حاصل.وهذا مايميزهن عن باقي المومسات العاديات...طبعاً الأجور في هذه الحالة تكون أعلى بكثير من أجرة المومس العادية....

كانت "فتاة الغيشا" تحاول في بداية دخولها على"الزبون"معرفة ميوله واهتماماته..ماذا يحب وماذا يكره..أي نوع من الموسيقى يرغب..نوع العطر الذي يفضله...الخ...وذلك كله كي تقدم خدماتها على أكمل وجه..فيخرج الرجل راضياً منبسط الأسارير...
طبعاً هذه كانت مهمة "فتاة الغيشا"اليابانية في العصور القديمة..أي اسعاد الرجل وكسب رضائه ...وكانت تؤدي هذه المهمة مقابل أجر...

وتاريخنا العربي-الاسلامي يحفل بأمثال "فتيات الغيشا "من الجواري الحسان المتقنات لمختلف أنواع الفنون والثقافة.وكان سعر الجارية يتحدد بناء على ماتملكه من مؤهلات جسدية وثقافية ترضي السلاطين والموسرين (انظر كتاب الأغاني).

بالعودة الى كاتب النصائح،والتي يعتبرها كدرر ثمينة-نجده وكانه يطلب من زوجاتنا جميعاً أن يتحولن الى "فتيات غيشا" ،أو جاريات من جواري السلطان..لاهم لهن سوى إسعاد الزوج والترفيه عنه ونيل الرضا..
دون النظر الى حاجاتهن الداخلية،النفسية والعاطفية......المهم نيل الرضا...!!.

"أنت ريحانة بيتك فأشعري زوجك بعطر هذه الريحانة منذ لحظة دخوله البيت".
" كوني كل ليلة عروساً له ولا تسبقيه إلى النوم إلا للضرورة ".
" تذكري دائما انوثتك وحافظي عليها وعلى اظهارها له بالشكل المناسب والوقت المناسب".

...طبعاً بعد أن تفني المرأة جسدها بالطبخ وتنظيف المنزل وأداء الأعمال المنزليةاللامتناهية،عليها بعد ذلك أن تكون "ريحانة" فواحة العطر...ومابالك أيضاً بالمرأة العاملة خارج المنزل، والتي يتطلب عملها في أحيان كثيرة ساعات عمل أطول من ساعات عمل الزوج..هل من الواجب عليها بعد عودتها وقد هدّها التعب،وزخّ منها العرق، أن تتحول الى" ريحانة"!،وكل ما على الزوج إلاأن يأتي ويشمها......؟!.


*************************

"أخت رجال!":


حين يمتدح شخص ما إمرأة، يقول عنها "أخت رجال"!..فهو يعني بداهة بأن الصفات الحميدة تنطبق على جنس الرجال فقط.أما الصفات السلبية والمنحطة فهي من اختصاص النساء.
فالمرأة هي الخطيئة،والشيطان،والاثم،والأفعى،وناقصة العقل......الخ.
ونجد كثيراً من الكتّاب ممن يجاهرون بعدائهم للمرأة،وكرههم لها،يتفننون بكتابة المقالات التي تحض على احتقار المرأة والحط من شأنها..
ثم ينتبه أحدهم فجأة ويتذكر بأن الأم هي إمرأة أيضاً...فيشعر بتأنيب الضمير ويسارع الى القول:"لا...الأم حاجة تانية خالص"!!.
وكيف ذلك؟!..فيقول:الأم هي الخصب والعطاء..هي الوطن..هي الرمز..الخ من هذه الخزعبلات...
طيب،والأخت والابنة والزوجة وابنة الجيران،ألسن أمهات أيضاً؟!..
-بلى،لكني أعني أمي أنا فقط!.

عدم المؤاخذة،هذا نفاق بيّن...

وأعظم نفاق شائع في هذه الأيام ما نراه من مبالغة في الاحتفال بـ"عيد الأم"..وكذلك أعياد المرأة..وغيره من الرشاوى المقدمة للمرأة والتي ظاهرها تكريم وباطنها شيء آخر!.
فبعد أن تفني المرأة عمرها كله في خدمة أولادها وزوجها والاهتمام بهم على حساب جسدها وروحها وعقلها،وبعد أن تنسى تماماً بأنها إنسان ومن حقها أن تعيش،عندها يقدم لها أبناؤها هذه الرشوة الصغيرة المتمثلة بـ"عيد الأم"..طبعاً مع وعد قاطع بأن"الجنة تحت أقدام الأمهات"...!
لهؤلاء نقول:أعظم تكريم للأم هو النضال في سبيل تحرير المرأة ككل.
ومن البديهي بأن من يطالب بحرية النساء يتوجب عليه أن يدفع ثمن هذه المطالبة،وهذا الخروج عن تقاليد ونواميس المجتمع المتخلف المحيط به..وأن يتخلى عن الامتيازات المغرية التي يوفرها له وضعه كذكر....فان لم يفعل يصبح عندها انساناً متفذلكاً متحذلقاً ومنافقاً..


*************************


وأخيراً،لابد لنا في نهاية هذا المقال من التأكيد على أن المطالبة والعمل على تحرير المرأة،لايمكن النظر إليه على أنه صراع جنسي محض بين الذكر والأنثى،إنما يأتي في سياق النضال من أجل تحرير المجتمع ككل من جهله وظلاميته وتخلفه وعبوديته..وكل أشكال الاستبداد.