الحرية الجامحة بين الشباب



فاروق عطية
2012 / 5 / 12

رحت أفكر بعمق فيما دار فى جلستنا بالأمس من حوار. كنا نجلس ثلاثتنا على مقهى تيم هورتون ونحن نحتسى القهوة الساخنة اللذيذة, نتذاكر أيامنا الخوالى ونسعد بذكريات جلساتنا ولعب الطاولة التى نهواها على قهوة أبو حجازية بالسويس. فاجأنا الأخ ابو هنادى بآهة حزينة وتصريح يشوبه الخوف على بناته فى سنهن الحرجة بهذه البلاد التى تعطى كل الحرية للشباب، تابعه أبو الحسن بابتسامة انتصار قائلا: الحمد لله أن الله لم يرزقنى بالبنات حتى أبات مرتاح البال. فكرت كثيرا فى مخاوف الصديق أبو هنادى كما أقلقتنى أكثر فرحة الحبيب أبو الحسن وحمده الله أن ذريته من الذكور وأنه ينام مرتاح البال ولا يخشى عليهم من الحرية الجامحة فى هذه البلاد. رحت أفكر بعمق وفى النهاية أيقنت أننا كشرقيين نخلط المفاهيم ونهوى ازدواجية المعايير, وان تصريحات صديقىٌ هى صدى حقيقى لأحاسيس جميع أفراد جالياتنا بلا استثناء. نحن نفرق فى مخاوفنا بين أبنائنا من الصبيان والبنات, ولا أجد منطقا لهذه النظرة المختلفة فالبنت والولد متساويان كبشر مطلوب منهما العفة واتباع تعاليم الأديان. بل ركز الكتاب المقدس على الذكر قبل الأنثى حيث قال: من نظر لزوجة أخيه واشتهاها فقد زنى بها. لماذا كل هذا الخوف على البنت من الحرية وترك الحبل على الغارب للولد وهما متساويان كبشر خلقهما الله أحرارا؟ وأن الله سيحاسب أى منهما على أخطائه إذا أساء حريته ولا يحاسب أهله إلا إذا قصروا فى النصح والتوجيه. بالطبع أنا لا أدعو لإعطاء الحرية للبنات كما هو متاح هنا، ولكننى أرجو أن تكون التربية المنزلية تربية دينية متوازنة لكلا الجنسين لنحصنهما بالدين من شرور الحرية الزائدة, ثم نترك لهما الحرية مع المتابعة اليقظة واستمرار التوجيه والإرشاد. ويكون اهتمامنا بالولد مثل البنت بل يزيد, لأن انحراف الولد وهو الطرف الأقوى يجرف فى طريقه البنات وهن الطرف الأقل صلابة. ولكننا تعودنا فى بلادنا الضغط المستمر على البنات وترك الحرية للبنين, لإيماننا أن شرفنا فى عفة بناتنا لأن أخطائهن تكون واضحة بفقدان العذرية أو ظهور الحمل مما يجلب العار، اما الولد فلا يبدو عليه أى مظهر فلا خوف من حريته. شئنا أو لم نشأ سيختلط أبنائنا بأمثالهم من شباب هذه البلاد وسيندمجون معهم فى سلوكياتهم, ويجب ألا نخشى ذلك إذا طعمناهم بتعاليم الدين والنصح مع العطف والصداقة حتى نحميهم من الانحراف فى سنين عمرهم الخطرة. والشيئ الذى غاب عن صديقىّ أن الانفلات لم يعد مقصورا على الغرب بل هو أشد وأنكى فى بلادنا, لكن الفرق أن الناس هنا لا يخفون ما يفعلون, كل شيئ بين وواضح وبلا خجل, أما فى بلادنا فالصورة أكثر قتالمة وأشد سوادا, يتظاهرون بالطهارة ويفعلون ما يشاءون فى السر. فما نقرأه الآن عن آلاف حالات الزواج العرفى بين طلاب الجامعات والدعارة المنتشرة فى البيوت السرية وزواج القاصرات لعواجيز أمراء العرب, وآخرها جماعات تبادل الزوجات, كلها أشياء يشيب لها الولدان رغم مظاهر التدين الخادع. الأنثى فى بلادنا تخشى ما تخشاه أن تفقد غشاء البكارة وإن فقدته تشتريه صينيا لتبدو شريفة عند الزواج. ومن تحافظ على شرفها قبل الزواج قد تندفع فى مغامرات محرمة بعد الزواج. هنا يفعل الشباب ما يرغبون ولكن لا خيانة بين الأزواج أو حتى بين من يعيشون كأصدقاء, فعندما يتغير نبض القلب لديهم بكل بساطة ينفصلون, أما عندنا عندما يتقلص الحب بين الأزواج لا فكاك إلا بالمحاكم والقضايا والخُلع وتشريد أالأولاد بين عند الأب وقهر الأم.
فى طريق عودتى للمنزل ماشيا كعادتى مخترقا البارك المجاور لمنزلى لاحظت الكثير من الشباب والشابات يجلسون على الأرائك فى عناق العشاق, غير آبهين بمن يمر فى طريقه بهم فهم مندمجون وفى عشقهم سادرون. وفى إحدى المقاعد شاهدت إبنتى سلمى بين احضان شاب مفتول العضلات غائبين فى قبلة طويلة. دارت بى الأرض ولم أتمالك نفسى وهجمت عليهما لافتراسهما, لكنهما انفلتا من بين يدى وانطلقا لا يلويان على شيئ. سرت إلى منزلى منكس الرأس والشرر يتطاير من عينى، ومجرد دخولى الدار استقبلتنى أم العربى بابتسامتها المعهودة, فأزحتها عن طريقى واندفعت لحجرة سلمى وفى نيتى معاقبتها أشد العقاب ولكننى وجدت غرفتها خاوية. عدت أدراجى لغرفة المعيشة صارخا فى وجه أم العربى: أين ابنتك الفاجرة سلمى؟ وكان جسدى يرتعش من الانفعال وأنفاسى كادت أن تتلاشى وأحسست بآلام تذبح صدرى, فصرخت من شدة الألم.. واستيقظت على صوت ام العربى الساخر: مش تبطل الهباب اللى انت فيه ده؟ هو انت عندك بنت واسمها سلمى كمان؟.. الله بشفيك من العيا الخفيف..!!