المرأة , الأديان والتاريخ في رواية - ظل الأفعى -



شامل عبد العزيز
2012 / 5 / 18

خصرُها بديع، الثوبُ السماوىُّ الفضفاضُ ، القصير، يشفُّ اللونَ الكُحلىَّ لملابسها الداخلية. وما ملابسها الداخلية ، إلا قطعةٌ واحدةٌ ذات جناحين محلِّقين بردفيها .. النسيجُ الكحلىُّ اللامع، يمسك بالانسياب اللدن الناصع حتى لاينفلت" ( الروائي والمفكر يوسف زيدان - روايته ظل الأفعى ) ..
يقال بأن هذا تنقل " من لحظة تأمل فلسفي صارمة إلى لحظة وجد صوفي مترعة ، ثم يسيح معه في تفاصيل الجسد ليكتب في ظل الأفعى " ما بدأنا به في السطور الأولى "
يقول في حوار أجراه معه " ملهم الملائكة " :
جوهر الأنوثة والذكورة هي الإنسانية والثورة إذا لم تؤنّث لا يعوّل عليها
غني عن التعريف الروائي يوسف زيدان فهو صاحب " عزازيل "
في تعبير :
إن ما أنّث المؤنث هو الذي ذكّر المذكر" استعارة من التراث الهرمسي في الإسكندرية ..
تفسيرها فسلجياً حسب مفكرنا :
فالجوف الفارغ في مكمن الأنثى ، والانتصاب والانتشار في عضو الرجل ، فإذا ما عاد هذا السيف إلى غمده يكتمل الحضور الإنساني ويصبح الفراغ الذي امتلأ هو الأساس الذي تقوم عليه لحظة الوصل بين عنصري الإنسانية.
كثيرة هي الأسئلة حول المرأة وأجوبتها أكثر في فكر يوسف زيدان ..
سوف أختار لكم بعضها ..
هي اليوم كتلة يتأملها البعض متشهيا من خلف حجاب ، بل يريدها البعض أسيرة برقع أعمى ، لكنها في القرية المعولمة لا تتوانى عن السير عارية في شوارع المدن الكبرى دون أن يثلم ذلك كرامتها ، أين المرأة العربية من كل هذا؟
قبل الإجابة من قبل صاحب الشأن أتمنى أن لا يفهم البعض أننا نطالب بأن تكون المرأة عارية في شوارعنا فتحرير المرأة لا علاقة له بالعري وإذا كان هناك من يفهم ذلك فهذا جنوح في التفكير وقصر نظر في معنى تحررها .. في بعض الأحيان وللأسف الشديد اقرأ من يربط تحرر المرأة بممارستها الجنس على قارعة الطريق وإذا ما اعترضنا قالوا " هذه حرية " ؟
المجتمعات العربية لديها خصوصية معينة وإرهاصات الغرب تختلف عن إرهاصات الشرق ,, تحررها معناه أن تكون بدون قيود وبدون ضغوطات من قبل المجتمع أو القبيلة أو البيت , لا علاقة للحرية الجنسية وممارستها على قارعة الطريق في تحرر المرأة ,, التحرر أن تكون المرأة سيدة نفسها وأن تكون مثل نساء العالم في أن تأخذ مكانتها الحقيقية في المجتمع فهي طبيبة ومحامية ومدرسة وسياسية ورئيسة حزب وأم ومربية , الخ .. الشرق وللأسف الشديد دائماً ينظر " بسبب الكبت ومن الطرفين المرأة والرجل " على أن تحرر المرأة يكون بالعري وهذه كارثة في مفهوم الحرية ..
بعض المقالات وكذلك بعض التعليقات تربط مفهوم المرأة العارية بالتحرر مع العلم بأن هناك قول شائع بما معناه " المرأة العارية خالية من الإغراء "
نعود لمفكرنا والإجابة عن السؤال المطروح :
الكيان الأنثوي العربي مطحون تماما ومنسحق في هذه الفترة، كانت بشائر الثورات المسماة إعلاميا بالربيع العربي تدل على أن المرأة العربية في البلدان التي ثارت أو التي تابعت الثورة من بعيد سوف تستعيد مكانتها لأننا رأينا التظاهرات المليونية في مصر وتونس واليمن حيث النساء كنّ يشاركن الرجال مشاركة عادلة في الحراك الاجتماعي، وهذا طبيعي.
لكن ، ما إن اتخذت الأمور مسارا سياسيا ممتزجا بالروح العسكرية أو الذي ترعاه المؤسسة العسكرية، حتى تراجع وضع المرأة ولن تجد في الحكومات التي تعاقبت في مصر وجوها أنثوية مع أن المرأة شاركت بشكل فعال في الثورة.
لنكمل معاً :
وقد كتبت مقالا اشتهر في أدبيات الثورة المصرية وعنونته "الثورة إذا لم تؤنّث لا يعوّل عليها" ، وقد كان انعكاسا لفكرة أن الإنسانية هي التي تثور، ولا تكتمل معاني الإنسانية بجانب الذكورة لوحده، ولكن ما حدث أنّ النساء أُزحن إلى الخلف، سواء باسم الدين أو باسم السياسة حيث تم الإصرار على الحجاب ثم النقاب، في المقابل كان لابد أن يُحدث هذا حركة مضادة في الاتجاه، كما يجري في قوانين الفيزياء، ففي مصر ، ما إن ظهر السلفيون ، واستعلنت نساؤهم الملفوفات بالسواد، حتى تعرت البنت المصرية ونشرت صورها إلى الانترنيت- واقصد هنا علياء المهدي.
وما إن أفتى المتملكون الجدد لناصية السياسة في مصر بضرورة حجب النساء، إلا وتعمدت كثير من النسوة أن يظهرن سافرات على نحو يقدح في إحساس أصحاب الإسلام السياسي بأنهم قد انتصروا، وبالتالي فإن العري هنا ليس هدفا لذاته بل هو شعار مقابل ، كما أن الحجب ليس هدفا بحد ذاته قدر ما هو إعلان سياسي بالنصر.
والنساء في مصر اليوم يقمن بالتفاف على إعلان النصر الاسلاموي ، وما نراه اليوم في الشارع المصري أن المصريات محجبات الرؤوس لكنهن يضيقن لباسهن ليظهرن المفاتن ، هذه إذا حيل اجتماعية تتوسل بها المرأة لمنع إزاحتها عن المشهد بشكل كامل .
المرأة , الأديان والتاريخ :
على مدى آلاف السنين كان ينظر إلى المرأة باعتبارها النسخة الأرضية من الآلهة ، بل إن العبادة في الأصل كانت مؤنثة ، وحتى الديانات السماوية الثلاث - والتي هي واحدة في الأصل لكنها ثلاث في وعي الناس ، عندما صيغت هذه الديانات لأول مرة لم تستطع أن تتخلص من الحضور الأنثوي الطاغي مع أنها قد ذكّرت الإله- أي جعلته مذكّرا- بل أنها جعلت الرجل على صورة الله وهو نوع من الالتفاف فعلته الفلسفة اليونانية أيضا، المهم أن اليهودية لم تستطع أن تتخلص من الحضور الأنثوي الطاغي الممتد آلاف من السنين من قبلها ، فجعلت اليهودي هو الذي من أم يهودية وبالتالي خرجت الديانة من كل معايير التبشير والدعوى وحب الانتشار إلى المعنى الإثنوغرافي المرتبط بالنزعة الأمومية التي كانت موجودة بوفرة في مصر القديمة وفي سومر وبعدها في بابل، وظهرت في رسائل الأم لابنتها في روايتي ( ظل الأفعى ) ..
تكملة المرأة والأديان , سؤال مهم ؟
باسم الدين، يجرد أتباع بعض الديانات المرأة ليحيلها إلى ثقب للبول والإنجاب، ألا يتصل هذا بدءا برجل لم يكن يحس بمشاعر المرأة لأنه افتقد لعنصر مهم في رجولته ؟
لا، الأكثر من ذلك ثباتا هو أن الذي صاغ الموروث اليهودي في البداية قوم مأزومون ، يكتبون كتابا مقدسا ثم يجمع نصوصه عزرا الكاتب في القرن الخامس قبل الميلاد في وقت كانت فيه الجماعة اليهودية ترى نفسها على هامش العالم في عشوائية من عشوائياته محاطة من جهة الشرق بالمجد السومري والبابلي ومن جهة الغرب بالمجد المصري القديم، وكلاهما حضارات تحتفي بالأنوثة ، فالمعبودات المصرية القديمة تاسوع وطيبه تجد فيها ايزيس أو "ايسيت" ربة الأنوثة والتي تنطق قديما (الست)، ولذا يكره المصريون اللفظ العربي الشائع في وصف المرأة ( مرة) ويعتبرونه إهانة ما بعدها إهانة ، ويفضلون استخدام تعبير ( الست) الذي يتطابق لفظيا مع الوصف القديم ..
المهم انك تجد في تاسوع طيبه آبهات كثيرات ،"حتحور" التي تتخذ شكلا مؤنثا، وما بين صيغة البقرة وصيغة اللبوة لدينا آلهة مؤنثة. للعدالة آلهة مؤنثة وهي "ناعت" ، كثيرات هن الالاهات، وجوهر العبادة يتخلق حول "ايزيس" التي صورتها المسيحية ومازجت بينها وبين صورة مريم العذراء ، فكلتاهما تلد من غير تماس ونكاح ، فهي الأصل ، الأنثى الواهبة المبدعة التي تأتي بالسائل المقدس وهو الدم ، والسائل المحيي وهو الحليب ، وكلاهما في الحقيقة يأتي من المرأة ، ثم جاءت اليهودية ودنست المرأة بعين ما تقدست به قديما في الحضارتين المصرية والسومرية والبابلية على مدى آلاف السنين، ثم استغرقت الإزاحة التدريجية الهادئة لإلوهية المرأة وقداستها قرابة ثلاثة آلاف عام لنزعها من عرش القداسة وإحلال الرجل مكانها بسبب تغيرات اقتصادية وسياسية ولأسباب عسكرية لعبت دورا مؤثرا في صياغة حضارة وثقافات العالم فيما بعد.
في هذا الإطار ظهرت الديانات ، فكانت اليهودية كارثة على الوعي الإنساني لأنها شوهت الرموز السامية في الحضارات القديمة ، وجعلت المرأة في الغالب كائنا نجسا.
المسيحية والمرأة , هناك سؤال ؟
المسيحية برهبانيتها المعروفة تعتبر المرأة طارئة على العبادة ، نجسة في اغلب الأحيان وهي الخطيئة كلها ، بل والشيطان الذي يغوي بالخطيئة ، كيف هذا والسيدة العذراء هي جزء من إعجاز المسيح ؟
لابد من الإشارة إلى أن المسيحية كانت حلقة إصلاح لليهودية وليست امتدادا لها ، ففي الوعي الكاثوليكي والارثذوكسي جاء المسيح ليصحح مسار اليهودية ولكنه لا يغير الشريعة ، بل يغير الإيقاع اليومي ، يعدل صيغة التدين ، لكنه جاء متمما للشريعة اليهودية ، وهو في ذلك يشابه صيغة الإسلام في أن نبي الإسلام إنما جاء ليتمم ما سبق . المهم ، أن الديانات الثلاث التي أراها ديانة واحدة تقوم على أسس واحدة مع اختلاف نوعي هنا أو هناك ، فالمسيحية لم تنظر من جديد لوضع المرأة إنما أخذت عن اليهودية التصور الأول ، لذلك بالغت في إزاحة المرأة ، ولو نظرت في نصوص الزواج في الأناجيل الأربعة التي اعتمدت بعد ثلاثة قرون من ظهور البشارة المسيحية الأولى ، ستجد أن المرأة في وضعها الاجتماعي مساوية للعبيد ، وأن الرجل هو السيد ، لأن المسيح صار إلهاً وتم استبعاد السيدة العذراء من المشهد ألتديني بعدما تم استلهامها من مصر القديمة ، تم التمحور في التدين حول شخصية المسيح وليس العذراء.
الرهبانية – القبّالة – التصوف :
أما الرهبانية فهي كالقبّالة في اليهودية والتصوف في الإسلام ، فهي محاولة للتخلص من هيمنة هذه النظرة الكئيبة والناقصة والمشوهة للإنسانية ، وإحداث توازن على المستوى الروحي يلحق بطبيعة الحال بالتصورات المتعلقة بالمرأة ، لذلك تجد الصوفية مثل محي الدين العربي يحتفون بالأنوثة ويجعلون الكون أنثى حسبما قال ، الرهبانية لذا لا تنظر هذه النظرة المتمحورة حول الذكورة ، وتجد أيضا في القبّالة اليهودية أتساع أفق يسمح بالنظر إلى الإنسان كجوهر جامع بين المرأة والرجل .
هذه كانت محاولات لإحداث التوازن بالاستعانة بالروح في مواجهة الموروث الفقهي والعقائدي وفي مواجهة لحظة الانطلاق الأولى التي دونت فيها النصوص التوراتية التي أزرت بالمرأة إزراء لم يقم به كتاب آخر قدمته الإنسانية ، فالمرأة في أسفار التوراة هي المستعملة دوما من اجل الحصول على الخير وفي بداية سفر التكوين يقول أبراهام- وهو إبراهيم فيما بعد- يقول لامرأته ساراي- التي هي سارة فيما بعد " يا ساراي أنت امرأة جميلة فقولي أنك أختي حتى يحصل لي خير بسببك" ويقدمها هدية للفرعون ، ثم يعود ليفعل ذلك مع "أدينهاك" في ارض كنعان المسماة اليوم فلسطين ، إذا المرأة الجميلة هي شيء للاستعمال. والمرأة في التوراة المصرية هي التي تحتال بشكل فاجر لمضاجعة الولد العبراني أي النبي يوسف ، وهو ما أشار إليه القرآن بعد ذلك بشكل مخفف جدا.
هل تشدد الإسلام بشأن البغاء الذي شاع في العصر السابق له لاسيما وأن الآية الكريمة في سورة النور ُتقرأ " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبغوا عرض الحياة الدنيا، ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم"؟
الحضور العربي قبل الإسلام كان يتركز في المنطقة المسماة الهلال الخصيب أي منطقة سوريا والعراق ولبنان ، أما قلب الجزيرة العربية فكان محطة قوافل لا أكثر ولا أقل و في هذا المجتمع- المحطة عرفنا كيف يتم بشكل كبير قبول الممارسات الجنسية غير النمطية.
ونتذكر هنا واقعة عمرو بن العاص الذي أنجبته أمه بعد أن واقعت أربعة رجال، لكنها اختارت العاص بن وائل ونسبته إليه، والدلالة هنا ليست فيما سبق الإسلام، بل فيما سيأتي، وهو أن يُقبل عمرو بن العاص قبولا تاما في قبيلة سهم ويتزوج من ابنة عمه السهمية رائطة، ولا يشعر بغضاضة تجاه ذلك حتى بعد أن صار أميرا لمصر وواليا عليها، حين تراهن بعض الناس على أن يسأله احدهم عن أمه وهو على المنبر أماما للناس، ففعل الرجل ذلك ، فإذا بعمرو بن العاص يقول بكل بساطة" نعم هي كانت امرأة من قريش، وما إلى ذلك...فاذهب وخذ ما جعل لك".

إذا ، المجتمع العربي قبل الإسلام ، لم يكن على النحو الذي شاع مؤخرا إعلاميا وكرسته المدونات الفقهية والشروح وشروح الشروح ، وإلا فكيف نفهم الحضور القوي والطاغي لإناث من أمثال السيدة هند بنت عتبة وتاريخها الطويل قبل الإسلام ، وطلاقها من زوجها الأول الذي اتهمها ، مع أن الرائي اليمني الشهير قام بتبرأتها ، وبشّرها أن في بطنها ملك، فقالت لا أُنجبه من هذا الرجل ، وطُلقت منه فتزوجها أبو سفيان بن حرب ابن أمية ، وأنجبت له معاوية.

وكيف نفهم أيضا الحضور القوي المهيمن للسيدة خديجة بنت خويلد التي تزوجت النبي في الغالب زواجا مسيحيا على المذهب النسطوري ، وبقي معها ملتزما لخمسة وعشرين عاما وهي التي رعت الإسلام في مهده ولم يتزوج عليها حسبما كانت تقتضي القواعد آنذاك ؟
أنا أرى الديانات الثلاث ديانة واحدة لها ثلاثة تجليات ، أو ثلاثة وجوه ، وكان الإسلام هو التجلي الثالث والأخير لها، فكان من الطبيعي أن يظهر في الإسلام هذا النزوع الأكثر تطورا.

الإسلام لم تكتب تصوراته الأولى في إطار الأزمة مثلما هو الحال في أسفار التوراة الخمسة ، ولم يكتب كتابة عشوائية مثلما حدث مع الأناجيل التي يوم استقرت الكنائس على أربعة منها كان بين الناس أكثر من 30 إنجيلا متداولا. وهكذا فقد صيغت التصورات الأولى للمسيحية بعد ثلاثة قرون من التجلي العشوائي للنص الديني .

الإسلام لم يشهد مثل ذلك ، فهو من يومه الأول يصون قرآنه ويحفظه ، وتظل الخلافات في نصوصه يسيرة جدا ولا تمس الجوهر، فمثلا " إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا... وفي رواية أخرى فتثبتوا" وكلا المعنيين واحد ، وقدّم الإسلام الصورة الأكثر تطورا من هذه الديانات ، ولكن ما لبث الفقهاء الذين يعملون في ظل السلطان أن أعادوا هذا الأمر- فيما يتعلق بالأنوثة تحديدا- إلى الأصول الأولى وتفننوا في حجب المرأة وردها إلى الصورة التي قدمتها اليهودية وأكدتها المسيحية من بعد .
هذه هي أفكار الروائي والمفكر يوسف زيدان ونظرته للمرأة من خلال روايته – ظل الأفعى _
/ ألقاكم على خير / ..