نتهاك حرمة الرموز الكردية كردياً-



إبراهيم محمود
2012 / 5 / 19

نتهاك حرمة الرموز الكردية كردياً

- إبراهيم محمود

في الأمس القريب كان أحمد خاني، ومن ثم جلادت بدرخان وفيما بعد، كان جكرخوين ومن ثم نورالدين ظاظا، ولاحقاً محمد شيخو وسوبارتو، واليوم اوصمان صبري، وغداً من سيكون في قائمة الممثَّل فيهم كردياً: رشيدي كورد- روشن بدرخان- سيداي تيريز- سيداي كلش، ملا أحمدي بالو...الخ، تعبيراً عن المزيد من من الاحتراب التحزبي وتفعيله في استخدام هذه الرموز سلبياً، كما هي سلبيات القائمين على تسويق الشعارات قبل غيرها كردوارياً!

نعم، قد يكون من أولى أولويات التقدير للتاريخ لدى أي شعب، وعلى صعيد التفاعل الثقافي وتنقية المناخ المجتمعي، هو التقدير المركّز على الرموز الثقافية والسياسية التي كان لها حضورها الفاعل في مجتمعها وبين أهلها.
لكن الكرد، وباعتبارهم في الغالب أكراداً، كما هو الفارق الكبير بين القومي الفعلي والوعي الأقوامي الفئوي، ليس لديهم إجمالاً ما يعبّر لا عن التفاعل مع التاريخ، ولا التقدير لرموزهم الثقافية والسياسية، إنما يمارسون انتهاكاً لحرمتها.

إذ بغضّ النظر عن النيّة الحسنة والوعي المتبصّر لدى البعض من كردنا، في اختيارهم لرموز ثقافية وسياسية وأدبية، وجعلها أسماء لمنتديات ومراكز وجمعيات تعنيهم، وهذا يستحق الثناء، لا بل يكون ذلك بمثابة الخطوة الأولى في الطريق الصحيح تاريخياً، إلا أن المكايدات التي تجري بين المعنيين بما هو كردي وعلى أعلى مستوى طبعاً، ومن يتحرك خارج الصراط القومي المستقيم، تظهر مدى الاستخفاف بحقيقة المتداول كردياً.
فالتاريخ الكردي المأخوذ به ليس أكثر من واجهة إعلامية بالكاد جرى التنبه لأبعاده الثقافية عميقاً.
والذين يُتَّخذون رموزاً، عبر جوائز ومنتديات ومراكز وغيرها كردياً، لم تُحترَم كما يكون الاحترام، كما لو أن ثمة توجيهاً قسرياً من قبل المعنيين بالشأن الكردي، في التأكيد على أن ليس في وسع أي كان خارج حزمة متفجراتهم التكتلية، أن يعبّر عن استقلاليته أو يكون في مقدوره البروز خارج دائرة احتراباتهم ومشاحناتهم: في الحياة عبر إهمالهم وتقزيم أدوارهم، وفي الموت، بسحلهم وإخراجهم من قبورهم، وإقلاق راحتهم القليلة جداً، وجعلهم رايات تنز دماء هنا وهناك.
كأن ما تشكلت لأجله الرموز تلك، جرى العبث بها وتصريفها في مزاريب التحزبية والشقاقية والتنابذية!

ليس لدى ساستنا الكرد في الغالب ما يبشّر بخير يعمُّ الجميع" هل ثمة ضرورة لذكر أسماء الموعودين بجنة الوصايات الكردية وأصحاب الكرامات الكردية، في المضارب الكردية الملفَّعة بالغبار القومجي والعصبوي؟"، إذ ما أسهل أن يقول أحدهم من المعنيين بدرب آلام الكرد الكبرى: قل لي في أي واقع تعيش، أقل لك أي كردي أنت!
نعم، إن انتشار المراكز والنوادي والجمعيات الثقافية الكردية حيث يكون الكرد، شاهدٌ على وعي تاريخي واجتماعي وسياسي وتربوي...الخ، إنما- إنما فقط- حين يكون ذلك صحبة ذلك التوحد على ميثاق قومي يعني الجميع، ولا نجد في وسطنا مواقع تحزبية، وأسماء منابر وصحافة تحزبية، كما لو أن كلاً منها يمثّل الكردية الطهرانية، وهذا ما نشهده ونشعر به هنا وهناك، وبنوع من التشفّي تعبيراً عن ضيق أفق، هو ذاته شاهد عيان على مدى تجذر روح الانتهازية في الذين يخطّطون لاختيار أسماء من هذا النوع، ويباركون تفعيلها، وليس الذين يعيشون وحدتها وهم قلة قليلة جداً كردياً.

هذه الرموز كانت، رغم روابطها التحزبية في بعض الحالات، تشدُّ على ما هو وحدوي، إنما كانت تفصح عن ألمها وعن معاناتها الكردية ومن خلال وعيها الثقافي والسياسي، تجاه وضعية التشرذم الكردية في القول والكتابة.
وما يجري، من يستطيع ضبط " ساعته" الكردية على توقيت صحيح، ويكون منتسباً إلى الزمن المأخوذ به عالمياً؟ من يستطيع الضمان على أن ارتياده لهذا المركز أو ذاك لا يسجَّل عليه، باعتباره متشيعاً للمعني به وليس للاسم؟
من في وسعه أن يصادق على سلامة هذه الخطوات، وهي في أصل أصولها الكبرى تحزبية وافتئاتية؟ كما لو أن ثمة نية لدى الآخرين من المتحزبين والحمد لله" الكردي اسماً"، في أن يجاروا من سبقوهم" وما حدا أحسن من حدا"، إذ تقتضي الضرورة التحزبية الشغالة على مدى التاريخ الكردي " المعصرة القومجية"، وجوب عدم وجود استثناء يتنفس بحرية خارج هذه الزوابع في تبديد القوى، وفي الأنشطة المتعلقة بوحدة الصف الكردي في كل ما يخص الكرد، كما هو مخطَّط تقديراً أو حقيقة، في أذهان من هم في الواجهة السياسية الكردية هنا وهناك مجدداً.

إن هؤلاء الساسة الكرد ومن في صفهم من المسيسين، كتّاباً وسواهم، يقيمون في الجغرافيا وهي في شتاتها المحلي وليس حتى العام كردياً، حيث يعجزون عن فهم الحياة خارج ثكناتهم التحزبية الثابتة والمتحركة، أي عن فهم ما يجب عليهم أداؤه باعتبارهم مرضى التاريخ بامتياز، وضحايا جغرافياتهم المبعثرة، ولهذا يبحثون عن رموز ثقافتهم، أو من هم على وعي لافت فيما هو تاريخي إضافة إلى الجغرافيا الرحبة لهم، كما لو أن هؤلاء الساسة يطلبون التاريخ من خلالهم، كما لو أن تدوين التاريخ وهم ضمناً يكون من خلال من أرادوهم موتى في الحياة، وها هم يحيلونهم مدداً لحياتهم الموات..

فليطمئن إذاً، من لم يُقدَّر حق قدره في حياته، وهو مطعون فيه، على أنه سوف يخرج إلى النور بعد موته باسمه وصورته ومختارات مختزلة وسيئة الإخراج مما تميَّز به في المعيار القومجي الكردي، وسيكون رمزاً ومجسّد اسم جائزة خلَّبية، للتأكيد على أن ساستنا لا تفوتهم شاردة أو واردة، وأن ليس في وسع أي كان التفكير باستقلالية أنَّى كان موقعه ومقر إقامته، وأن ليس في مقدور أي كان، التحرك أو التصرف بمصيره بعيداً عن لوثاتهم الوصاياتية والوجاهية.
إذ ليس لدى أي حزب كردي، ودون استثناء، ما يمنحه براءة ذمة من الإساءة التاريخية إلى رمزه الكردي: الثقافي والفني والسياسي الثقافي معاً، وأنه لم يدَّخر جهداً للالتفاف عليه وتجييره لصالحه حتى اللحظة، وما لجوءه إلى هذا السطو العلني على هذا الرمز الثقافي أو السياسي الثقافي معاً، وإطلاقه اسماً على مركزه التحزبي أو جمعيته المتحزبة، أو قاعته الافتئاتية...الخ، إلا التعبير الأدل على إفلاسه الذاتي، وكيف أن ينشحن من الخارج، إذ ما نشهده ليس سوى أسماء تحزبية وأن الرموز مجرَّدة من سويتها الثقافية، من كرديتها، حيث الرايات الإيديولوجية" صفاقة" هنا وهناك، وإلا- أيضاً- كيف لمدينة مثل " قامشلو" تنوء تحت ثقل هذه الأوزار والانتهاكات الكردية أو برسمها بدعوى التنوع؟ وكيف يجيز المعنيون بما هو فني أو ثقافي أو أدبي لأنفسهم أن يباركوا هذه" الانتهاكات"، كما لو أنهم غير منتبهين لخطورة الحالة: الظاهرة؟

لا أمل، كما أتصور، وفي المدى المنظور، بظهور ربيع" كردي- كردي" يجعلنا نتنفس الصعداء وندخل التاريخ بالفعل!