مطلوب نساء للعمل لكن دون مقابل



محمد كريزم
2005 / 2 / 4

درجت في الآونة الأخيرة بعض المؤسسات الخاصة و الأهلية و الحكومية و الشركات التجارية على إستدراج النساء لاسيما الفتيات صغيرات السن , و تشغيلهن بالسخرة دون أدنى مقابل , إستنادا على حاجتهن أو إندفاعهن للعمل أو إستغلال الظرف الإقتصادي اللواتي يرزحن تحت وطأته , أو لمجرد أن أصحاب العمل يبتغون جميلات و ليس موظفات عليهن واجبات و لهن حقوق , و ذلك تحت مسميات واهية مثل العمل تحت التدريب أو الإختبار , أو معرفة قدراتهن و كفاءاتهن , أو إثبات جدارتهن , و هذا بالتالي يتطلب فترة من الزمن قد تستغرق ستة أشهر أو أكثر تكون المرأة إستنزفت ماديا و بدنيا و نفسيا , و من ثم يفاجئها صاحب العمل أو المؤسسة بأنها غير جديرة بالتوظيف و مطلوب منها الإنصراف دون عودة , و من تبقى لفترات أطول بعد ترغيبها بالتوظيف , يجري إخضاعها للوعود الكاذبة و المماطلة و التسويف , و عندما تطالب بتحصيل حقوقها المادية , فإنها تجابه فورا بمعاملة قاسية أو مخادعة بحجة أن الأوضاع لا تسمح بالصرف و بالتالي عليها الإنتظار .....
لم تنفعها شهاداتها :
الصحفية إمتياز المغربي من مدينة رام الله لديها من الشهادات و الخبرات العملية ما يؤهلها لتكون صحفية محترفة و يجعلها تتبوأ درجة متقدمة من العمل الصحفي ,إلا أن هذه الشهادات و الخبرات و الدورات المتخصصة لم تنفعها بشيء و لم تسعفها عندما تقدم سيرتها الذاتية للمؤسسات بغرض التوظيف , فهي تعمل منذ فترة ليست بقصيرة لثلاتة إذاعات محلية مجانا منها إذاعة حكومية دون مقابل رغم أنها تقوم بعملها بمهنية جيدة و تجتهد للحصول على الأخبار و المعلومات من أجل رفد هذه الإذاعات بالرسائل الإذاعية الفورية . و إمتياز المغربي مثال واحد لمئات الفتيات اللواتي يعملن بالسخرة دون مقابل , و التي تقول بهذا الصدد أن إقدامها على العمل غير المأجور المتمثل هنا بالعمل الصحفي هو رغبتها بنقل الحقائق على أرض الواقع و فضح الممارسات الإحتلالية , و أن العمل الصحفي كما تشير لا يقتصر على الجانب العملي الظاهر بل هو صوت المواطن الفلسطيني بكل ألآلامه و افراحة وهي من خلال عملها و إيمانها بقضيتها الوطنية التي تحمل بين جنباتها الوجع الفلسطيني تحاول أن توصل ولو بصيص من الأمل لهؤلاء الناس الذين يعانوا و لا أحد يسمع أناتهم .
و عبرت المغربي عن تألمها و أسفها كونها تجتهد في عملها غير المأجور و تسعى لتحويله إلى عمل مأجور تستطيع من خلاله العيش بكرامة و تغطي نفقات عملها باهظة التكاليف إلا أنها لم تستطع بسبب مزاجية أصحاب هذه المؤسسات .
و تضيف المغربي أن بعض المؤسسات الإعلامية تتفنن في استنفاذ قدرات و طاقات الصحفيات اللواتي يعملن دون مقابل قسرياَ بحجة أن ميزانية المؤسسة لا تسمح بتخصيص رواتب للمراسلين الميدانيين , مؤكدة أن هذه المحطات الإذاعية هدفها الأول و الأخير هو الربح و إستغلال جهد و شقاء من يعملن بدون أجر .
و أشارت المغربي إلى أن الأسباب و المبررات التي تسوقها المؤسسات لا سيما الإعلامية منها غير مقنعة بتاتا , فطالما أن هذه المؤسسات لا تستطيع توظيف عاملين أو عاملات بها فلماذا تفتح أبوابها أمام الباحثين عن عمل و تلجأ للإستغلال و اللعب بعواطف الذين يأملون خيراَ منها , و إتباع أساليب ملتوية في التعامل مع من يبحث عن عمل من الرجال و النساء على حد سواء , و إبتداع طرق مهينة للضغط من أجل الرضوخ و القبول بالعمل غير المأجور تحت مسميات التدريب أو الإختبار , و هناك مؤسسات عندما تشعر أن بعض الباحثات عن عمل على درجة عالية من الكفاءة و المهنية فإنها فورا تضع أمامهن العراقيل و تصعيب مهامهن تمهيدا للإستغناء عنهن حتى لا يفتضح أمر هذه المؤسسات الوهمية .
عدم جدية :
كما أوضحت ميرفت عبد الحميد من غزة أن لها تجربة مريرة مع تلك المؤسسات التي تتعامل بإستخفاف مع الباحثات عن العمل , مشيرة إلى أن هذه المؤسسات لا تحكمها قوانين التشغيل أو العمل , و تغيب عنها الضوابط الأخلاقية .
و أضافت عبد الحميد التي تحمل شهادة جامعية أن بعض المؤسسات الخاصة عرضت عليها التوظيف بعد فترة إختبار لقدراتها المهنية التي لن تطول عن شهر , فوافقت , و مر شهر الإختبار و أكثر من خمسة شهور من المماطلة و التسويف و الوعود بأن التوظيف بات قريبا بعد أن أثبتت جدارة كبيرة حسب إعتراف صاحب المؤسسة , منوهة إلى أنه طوال هذه الفترة لم تأخذ فلسا واحدا , رغم أنها صرفت من جيبها الخاص أموالاَ طائلة كانت هي بحاجة لها أكثر , و عندما طالبت بتسوية وضعها و تثبيتها في العمل المأجور كونها أثبتت أنها جديرة بذلك , جاءها الرد أن المؤسسة ليست بحاجة لموظفات و لديها ما يكفي من العمالة .
إستغلال في غياب القوانين :
السيدة ليلى البيومي منسقة مشروع فرص متساوية للعاملات في جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية أوضحت أن عمل النساء غير المأجور جاء كنتيجة طبيعية لإنعدام توفر فرص العمل خلال الأربع سنوات الماضية ما دفع بعض النساء للتوجه إلى هذه المؤسسات و المنشأت التشغيلية بحثاَ عن عمل , في وقت يحاول فيه أصحاب العمل إستثمار الموارد بأقل التكاليف , ما أدي إلى حدوث الإستغلال لا سيما النساء بهذا الشأن من خلال تكريس سياسة المماطلة و ممارسة الضغوط على الباحثات عن العمل و إخضاعهن لفترات زمنية غير محددة تحت التدريب أو الإختبار دون وجود عقد عمل , و هذا ما يتنافى مع قوانين العمل التي تنص صراحة على أن فترة التجريب حددت بثلاثة شهور و التأكيد على وجود عقد عمل خلال تلك الفترة التجريبية أو بدونه بشرط تقاضي راتب شهري , و يستطيع صاحب العمل تمديد فترة التجريب لمدة ثلاثة شهور أخرى بنفس الشروط السابقة , على أن لا تتعدى فترة الإختبار أو التجريب ستة شهور بأي حال من الأحوال , و من ثم يتقرر مصير الباحثه عن العمل فيما إذا سيتم توظيفها و توقيع عقد عمل أم لا .
و أشارت البيومي إلى جملة من العوامل و الأسباب أدت إلى إستغلال النساء في العمل غير المأجور منها تفشي البطالة و قلة فرص العمل المتوفرة مما عزز من موقف أصحاب العمل للتمادي في الإستغلال لهذه الفئة .
و أنحت البيومي باللائمة على وزارة العمل التي لم تحرك ساكنا في مجال مسؤولياتها على هذا الصعيد و قالت البيومي أن وزارة العمل كونها جهه رقابية على تنفيذ القوانين تتحمل جزء كبير من إنتشار هذا الإستغلال اللواتي يقعن فيه الباحثات عن العمل , مؤكدة على الدور المهم و الحيوي لمفتشي العمل لمنع هذا الإستغلال و فحص الإنتهاكات التي تتعرض لها النساء في اماكن العمل و خاصة عدم دفع الأجور , إلا أنها عبرت عن أسفها لعدم تفعيل هذا الدور من جانب وزارة العمل , مشيرة في نفس الوقت إلى أن جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية خاطبت وزارة العمل اكثر من مرة بضرورة تواجد مفتشين العمل في الأماكن و المنشأت التشغيلية التي يعتقد أن بها إستغلال للنساء العاملات بعقود رسمية أو مؤقتة تحت التدريب و التأكد من تطبيق لوائح العمل التنفيذية .
و ميزت البيومي بين العمل التطوعي الذي ينبع من رغبة ذاتية للمتطوعة التي تسعى لتقديم خدمات للمجتمع و يتميز بوضوح العلاقة و بين إستغلال النساء في العمل غير المأجور الذي لا تحكمه ضوابط أو قوانين و هو بمثابة صيغة تضليلية من قبل أصحاب العمل , مشيرة إلى أن المترددات على هذه المؤسسات يسود إعتقاد بينهن أن لهن أحقية في العمل فيها و بالتالي يرغبن في إطالة المكوث في المؤسسة على أمل التوظيف .
و أضافت البيومي أن بعض المؤسسات الأهلية أساءت إلى مفهوم التطوع كعمل إنساني بالدرجة الأولى , من خلال إستغلال النساء المتطوعات و تشغيلهن بأعمال مكتبية أو إدارية هي بالأساس من مهام الموظفيين الذين يتقاضون رواتب شهرية , منوهة إلى أن المتطوعات يتحملن جزء من مسؤولية الإستغلال الذي وقعن فيه كونهن قبلن هذا العمل .
و أوضحت البيومي مدى الإجحاف الذي يلحق بهؤلاء النساء اللواتي يعملن بدون أجر و خصت بالذكر هنا المزارعات ضمن إطار العائلة كونهن يبذلن جهد كبير و يشقين تحت أشعة الشمس الحارقة , و لا يتقاضين أجورهن كما للرجال , و لا توجد قوانين تكفل حقوقهن بهذا الشأن أو حماية لهن , و بالتالي تبقى التبعية الإقتصادية مكرسة في المجتمع الفلسطيني , بمعنى أن النساء سيظلن يعانين من هذا الإحجاف طالما بقيت النظرة السائدة التي تشجع على إهدار حقوق النساء .
و أشارت البيومي إلى لجوء البعض لتسخيف عمل المرأة و إظهارها أنها غير جديرة للقيام بأي عمل و عندما تعمل فهي لا تستحق أجر , و هناك من يخشى من تحرر المرأة إقتصاديا , أو تمكنها من إعالة نفسها بنفسها كونها ستتمتع بحقوق تؤهلها للمشاركة في صنع القرار.
و دعت البيومي إلى تثقيف النساء في مجال العمل و تعريفهن بحقوقهن و إكسابهن ثقافة تمكنهن من الدفاع عن أنفسهن , و طالبت الجهات المختصة بضرورة وضع سياسات و برامج قادرة على توفير فرص عمل للرجال و النساء , و التخفيف بقدر المستطاع من حدة البطالة المتفشية في المجتمع الفلسطيني , و إستحداث برامج تنموية فعالة , علما أن إستفادة النساء من مشاريع الطوارىء لا تتعدى 5% مما يدلل على وجود نوع من الإقصاء أو التهميش للنساء من البرامج التشغيلية .
تحديد شكل العلاقة :
السيدة زينب الغنيمي نائب مدير عام إدارة التشغيل بوزارة العمل أوضحت أن فترة التجربة و إثبات الكفاءة للباحثين أو الباحثات عن عمل الذين يسعون للتوظيف في إحدى المؤسسات حددها القانون بثلاثة شهور تحت الإختبار قبل توقيع عقد العمل الرسمي , و إذا إنتهت فترة الشهور الثلاثة و تجاوزت لو يوم واحد أو يومين عندئذ يتحول تلقائياَ عقد العمل المؤقت إلى عقد عمل دائم , و يحل محل التدريب أو الإختبار العمل الرسمي الذي يتمتع صاحبه بكل الحقوق و المزايا حسب قانون العمل .
و أكدت الغنيمي على أن فترة التدريب أو الإختبار هي فترة مدفوعة الأجر و ليس مجاناَ كما يعتقد البعض , و خلاف ذلك يعتبر بمثابة إستغلال , منوهة إلى أنه في حال أبرم عقد عمل مؤقت و كان الهدف منه التشغيل أو التوظيف في وقت لاحق و أمضى المتدرب أو المتدربة الشهور الثلاثة بدون أجر , تقع هنا مخالفة عمالية و يتم بموجبها إعمال القوانين حسب طبيعة المخالفة .
و فرقت الغنيمي ما بين خريجات الجامعات اللواتي يذهبن لمؤسسات متخصصة بهدف كسب الخبرة و التجربة المهنية و الإستفادة من قدرات و طاقات المؤسسة , و بين الباحثات عن عمل من أجل التوظيف ووعدن بذلك , حيث أن الفئة الأولى لا يتم دفع أجور لهن و صاحب العمل غير ملزم بالدفع , أما الفئة الثانية يجب دفع أجورهن كما ينص القانون .
و أشارت الغنيمي إلى أن وزارة العمل من خلال مفتشيها تتابع القضايا العمالية , و من تشعر أنها إستغلت أو أهدرت حقوقها أو تعرضت لنوع من الغبن و الإجحاف عليها التوجه لمكتب العمل و تقديم شكوى بهذا الخصوص , منوهة إلى أن مفتشي وزارة العمل يتحركون بناءاَ على شكاوي أو معلومات تفيد بوجود إنتهاكات لقوانين العمل في إحدى المنشأت التشغيلية المسجلة بوزارة العمل , معربة في نفس الوقت عن أسفها لعدم لجوء هؤلاء النسوة لتقديم الشكاوي , و ذلك لعدم إستثارة صاحب المنشأة و بالتالي حرمانهن من أي أمل في التوظيف .
و أضافت الغنيمي أن سوق العرض و الطلب يلعب دوراَ مهما في التشغيل , كما أن البطالة تؤثر سلباَ في هذا الإتجاه , و كذلك النساء اللواتي يبحثن عن عمل يتوجب عليهن معرفة ما يقدمن عليه حيث أن صيغة و شكل العلاقة مع صاحب العمل يترتب عليها الحقوق التي يفترض حصولهن عليها .
و أوضحت الغنيمي أن قوانين العمل و الخدمة المدنية لا تسمح مطلقاَ للمؤسسات الحكومية بإخضاع الباحثات عن عمل لفترات تجريب أو قطع الوعود لهن بالتوظيف و من ثم التنصل منها , إلا أنه يجوز التطوع في العمل الأهلي غير الربحي بدون أجر إنسجاما مع روح و جوهر العمل الأهلي .