لماذا طارت الفتاة صوب مکة بالذات؟



نزار جاف
2005 / 2 / 5

وردتني إستفسارات عديدة حول " تهربي من إبداء موقفي الصريح بشأن الفتاة الطائرة " و کذلک أنني "لفلفت المسألة بعرضها من دون التحدث عن أن الذي جرى حقيقة و ليس خرافة ! " والاظرف من کل ذلک أنني تلقيت مکالمات هاتفية تبشرني " بالعقاب الدنيوي قبل الآخروي" لأنني تعرضت لقضية " أکبر من رأسي و رأس الذين خلفوني " حسبما جاء في أحد الرسائل الالکترونية التي کانت مطعمة أيضا بکلمات في غاية " التهذيب و الادب " . وقبل أن أبين موقفي الصريح جدا من الموضوع أود الاشارة الى مسألة مهمة وهي أنني لم أتلقي رسائل ألکترونية أو مکالمات هاتفية کالتي تلقيتها حول موضوع الفتاة الطائرة من أربيل الى مکة ، وهي في حقيقتها تبين أمرا في غاية الاهمية و الخطورة تتجلى في رکون قطاعات واسعة من الشرائح الاجتماعية المختلفة الى مسألة الخرافة و التشبث بها کطوق نجاة للکثير من الامور الحياتية الحساسة ! ومن المفيد جدا أن أشير هنا الى موضوع خرافي آخر کان قبل سنوات مضت " حديث الدنيا و شاغل الناس " في أربيل ذاتها ، حيث غزت مدينة أربيل لابل کل مدن کوردستان و حتى بعض من المدن الکوردية في إيران مسألة " الماعز الذکر " الذي کان يملک أثداءا تدر الحليب ، فقامت الدنيا حينها و أشاعوا أن حليب الماعز الذکر ذاک فيه شفاء من أخطر الامراض و أشدها فتکا بالانسان بالاضافة الى قدرتها السحرية على منح المرأة العاقر قدرة للإنجاب !! وقد کنت بنفسي شاهدا على الطوابير الطويلة التي وقفت وفي أيديها القوارير وماشابه لکي تستلم شيئا من حليب " الثدي الذکري " !! وطبيعي کان لابد من دفع مبلغ مقابل هذا الحليب الاسطوري . ومضى حديث ذلک الماعز السحري وقد ترک الکثير من الشائعات و " الخزعبلات" حول شفاء ذلک الذي کان به السرطان وإحيائه لذلک المشلول الشبه ميت و " على هالرنة طحين? ناعم " حتى جاءنا أخيرا النبأ و البشارة السعيدة بطيران" فاطمة" بنت فرناس " الکوردي طبعا مع الاعتذار من عباس إبن فرناس المسکين الذي طار بأجنحة من ريش و ليس مثل " سوبرمان " تماما کما هو الحال في الموديل الکوردي للطائرة الفرناسية البشرية ! لکن المثير في مسألة الفتاة الطائرة في قرية کاينج بمحافظة أربيل هو أنهم إستغلوا هذه المرة فتاة في مقتبل عمرها لأکثر من سبب قد نوجزه فيما يلي :
1 ـ أن کل مايتعلق بالجنس الانثوي في شرقنا الموبوء بالکبت و الحرمان الجنسي هو بحد ذاته مثير للناس ودافع قوي لهم کي يتطلعوا لمعرفة المزيد عنه .
2 ـ کونها فتاة و أنها مأمورة من قبل الله و رسوله بعدم مقابلة أي کائن ذکري!! يجعل للمسألة بعدا خرافيا خارقا للعادة و طفرة فنطازية على کل ماهو مألوف .
3 ـ جعلوا رحلتها بإتجاه مکة بالذات کي يلفتوا الانظار و يشدوا الانتبا?ه من قبل کل الناس للبعد المقدس في المسألة من خلال إسباغها بهالة دينية ، ناهيک أن صورة فتاة طائرة هو أقرب للملاک من صورة الرجل الطائر الذي هو أقرب للمصائب و الويلات !
وکما ألمعت في مقالي السابق أن هناک الکثير من المتوافدين لشرب " جرعة الماء الشافية " لسوبر فتاة عصرها " فاطمة بنت فرناس الکوردي " و طبيعي جدا جدا أن يکون هناک مبلغا من المال مقابل تلک الجرعة من إکسير الحياة و إلا فإن تأثيرها سوف لن يکون کما تشاءه بنت فرناس الکوردي . بکلام آخر فصيح و صريح المسألة کلها دجل في شعوذة مدافة بشئ من " الکلاوات" لکن الذي يحز في نفسي هو إستغلالهم لفتاة مسکينة في مقتبل عمرها في مسألة مشبوهة کهذه ودفعها الى سلوک طريق بعيد جادة الحق و الصواب ، إنهم يقتلون إنسانية فتاة بإسم الخرافة التجارية وهو أقذر مافي المسألة . ورغم أنني قرأت الکثير عن " الباراسايکولوجي" و لي ملاحظات خاصة حول بعض من القدرات الخفية للإنسان و التي يتحدث عنها الدکتور ألکسيس کاريل في کتابه " الانسان ذلک المجهول " وکذلک الامر بالنسبة لکتاب " قدرة الترکيز " للدکتور جوزيف مورفي لکن کلا الرجلين يتحدثان بصراحة عن جوانب من القدرات الخفية في الانسان والتي لو عرف کيفية إستغلالها لکانت له سطوة على آفاق جديدة في الحياة ، إلا أنهما حصرا تلک القدرات في ذات الانسان و ليس في خارجه کما هو الحال في الماعز الذکري أو المسکينة " فاطمة" .

کاتب و صحفي کوردي
مقيم في المانيا