نازك العابد ، جان دارك الشرق ورائدة تحرر المرأة السورية



ربحان رمضان
2012 / 6 / 14

«لم يشهد تاريخنا الحديث مثيلاً لنازك العابد في صدق الوطنية والكفاح المتواصل والشجاعة التي قل نظيرها في التاريخ». عبد الغني العطري .

بالرغم من أن كرد سورية هم سوريون ، لإلا أنهم غير عرب ، يعني هم قومية متميزة اللغة ، والعرق والصفة ، ويتفاخروا بسوريتهم لأن سورية هي الوطن الذي يجمع القوميتين العربية والكردية ، إضافة إلى أقليات قومية متعددة أولها الآشوريين والذين يعتبرون الشعب الثالث في سورية ، ولكن وللأسف درج بعض الكتاب والقومجيين العرب على تعريب سورية واعتبار أن كل سوري هو عربي !! لا سيما الكرد .
وطالما السوري بمعناه المجازي يتكلم العربية فهو عربي ، وأحيانا بحجة الاسلام ، وطالما أنت مسلم فأنت عربي .
لاضرار من الإسلام ولا من العروبة ، وللحقيقة الإسلام لم يقل : أن كل مسلم هو عربي بالضرورة ، بل قال الله تعالى : " .. وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ..." .
أما قوله عليه السلام ، : " لافرق بين عربي أو أعجمي في التقوى " فيعني أن الفرق بين الرجل وأخيه يحدده سبحانه وليس العبد ، بما يعني ليس لحكومة أو ملك أن يقول : أنتم أفضل من غيركم لأنكم مؤمنون أو غير مؤمنون ...!!!!!
وكم لاحظت من امتعاض عندما أذكر أصل رجل أو امرأة لعبا دورا ً تايرخيا في هذا التاريخ الذي يقال عنه زورا ً بأنه :" التاريخ العربي الاسلامي ، أو الحضارة العربية الإسلامية " لدى البعض من الذين تثقفوا بثقافة الأنا ، والمثقفين بثقافة أما أنت فغير موجود ، على الرغم من أن الأنت هو الموجود ، وهو الفاعل ، ويعمدوا إلى عدم ذكر مولده أو نشأته أو يضيفوا إلى " نسبه الكردي " نسبا أخرى بغية طمس الحقيقة والتاريخ ..
لدي أمثلة عدة منها : " أن أمير الشعراء أحمد شوقي ، والذي إن كتب عنها بأن أبوه كردي يضيف أولئك الكتاب حاشية بقولهم : " إنه كردي الأب ، تركي الأم ، جدته لأبيه يونانية ، جدته لأبيه شركسية " يعني حولوه إلى مايشبه : الغجري مع شديد الاعتذار من الغجر كفئة انسانية " من أصول متعددة ، في حين أن سليمان الحلبي يبقى لديهم بطل عربي سوري بمجرد أنه مسلم ودرس الشريعة في الأزهر الشريف ، لا يذكروا أن مولده كان في قرية كوكان فوقاني في جبل الأكراد غربي سورية ، ومحمد كرد علي لمجرد أنه اهتم بقواعد اللغة العربية ، وعباس محمود العقاد وقاسم أمين ، ومحمد علي باشا مؤسس الحضارة المصرية ،ومعروف الرصافي ، وجميل صدقي الزهاوي وزرياب أكبر موسيقي في العصر العباسي ، وفؤاد بك جنبلاط والد المناضل كمال جنبلاط ، وكان قائمقاما ً لقضاء الشوف ايام الانتداب الفرنسي .. الخ من عظماء الأمة الاسلامية ، وللأسف فألئك القومجيون سواء بقصد أو بغير قصد يذكروا اسم الزعيم حسني الزعيم ، أو نوري السعيد في حين لا يذكروا أبطال التحرر الوطني في سورية كيوسف العظمة ، وابراهيم هنانووهولو باشا ابن عمر بن عبد القادر بن محمد بن قانص آل العابد وابنته نازك (1305-1379 هـ / 1887-1959م ، وهي هنا بيت القصيد وهي التي كتب عنها الكثير دون الإشارة إلى " كرديتها " وهي البطلة الشجاعة من أبطال " وأقول أبطال " لأنها ساوت الرجال في بطولتها بمعركة ميسلون التي جرت عام 1920 والتي كانت قد فصلت بين أبطال خرجوا في سبيل الدفاع عن الوطن وبين ملك وحاشية ، حملت حقائبها وغادرته إلى الغرب .. ؟؟!!!!
فقامت نازك العابد بعمل بطولي عندما حاولت إنقاذ حياة البطل السوري – الكرديأيضا ً- يوسف العظمة في معركة ميسلون ، مما دفع الملك فيصل و تقديراً لشجاعتها أن يمنحها رتبة نقيب "فخري" في الجيش السوري .
و كانت تقوم هذه المرأة بتنظيم المظاهرات المطالبة برحيل قوات الاحتلال، والاستقلال والحرية لسورية ، و تكتب في الصحف لاسيما في مجلتي العروس والحارس منددة بالاستعمار ومحرضة على الثورة ، فأغلقت السلطات الفرنسية المجلة التي كانت تصدرها باسم " نور الفيحاء " على اسم جمعيتها "الفيحاء" أي دمشق والمدرسة ، ومنعتها من عقد ندوات خاصة وعامة، فما كان منها إلا الالتحاق بالثورة السورية الكبرى .

لقد نشأت "نازك العابد" في بيئة النخبة الارستقراطية ، فتعلمت اللغتين العربية والتركية في المدرستين الرشيديتين الدمشقية والموصلية ودرست الفرنسية في مدرسة الراهبات في الصالحية بدمشق، و تعلمت مبادئ الانكليزية والألمانية بجهودها الخاصة .
اهتمت بفنون التصوير والموسيقا (البيانو)، و التمريض والاسعاف .
في عام 1919 تقدمت بعدة عرائض بعد أن استكتبت تواقيع سيدات دمشق عليها مؤيدة " الاستقلال " أثناء وجود اللجنة كراين الأميركية لاستفتاء السوريين في الانتداب عام 1919، و قادت تظاهرات نساء المعارضة في هذا السبيل .
وساهمت في تأسيس جمعية للمرأة عام 1914وشاركت في تأسيس الصليب الأحمر الدولي في سورية .
عائلة العابد الدمشقية كردية ، وكان هولو بن عبد القادر باشا زعيما ً للبرازية في بلاد الشام ، وقائمقاماً في سهل البقاع ثم عين متصرفاً لعدد من الألوية التابعة لدمشق حيث لعب دوراً هاماً في تطوير الإدارة في المناطق الريفية ، ثم عاد إلى دمشق و انتخب عضواً في مجلس إدارة ولاية بلاد الشام عام 1879 م ، ثم رئيساً لها حوالي 1890م .
يقول البعض أن سبب تجاوز الكتاب اليساريين لتدوين سيرتها هو انتسابها لعائلة ارستقراطية حكمت البلاد ، وإن سبب تقصير الكتاب اليمينيون في الكتابة والتدوين عنها كان عقدة نقص الرجولة لديهم خاصة و أن نازك العابد كانت سبّاقة في نزع الحجاب والدعوة إلى التحرر..
إن تجاوز بطولتها في ميسلون كان سببه الجبن والخوف الذي طغلا على الكثير من الرجال ممن سكنوا وسكتوا وصمتوا لمـّا اجتاح غورو بدباباته سورية في الخامس والعشرين من آب عام 1920 تماما كما سكت الكثيرين من الرجال اليوم وهم يروا نظام بشار الأسد الاستبدادي وهو يتعدى على حرائرنا وأطفالنا ، ابتداء من طل الملوحي ، وانتهاء ً بأم حمزة الخطيب ..
لما عادت نازك العابد حية من ميسلون أصدر الفرنسيون قراراً بنفييها إلى إسطنبول لمدة عامين ولما عادت عام 1922 إلى دمشق ساهمت وشاركت في ثورة الغوطة مشاركة فعالة ، و كانت مُعينة للثوار في الغوطة " ناحية النشابية " حيث أقامت في أراضي أبيها ، فكانت مساندة ومرشدة لهم بصمت وهدوء وخفية.
في عام 1929 تزوجت من المفكر اللبناني محمد جميل بيهم الذي مثل بيروت في المؤتمر السوري الأول المنعقد في دمشق عام 1920 عندما ُأعلنت سورية مملكة ونصب الملك فيصل عليها ملك ، وانتقلت مع زوجها للإقامة في بيروت .
قد أسست نازك بعد نكبة فلسطين جمعية لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين وقامت بتأسيس عصبة المرأة العاملة بعد انتقالها مع زوجها إلى بيروت وأسست جمعيات اجتماعية عدة منها: جمعية المرأة العاملة، وميتم تربية بنات شهداء لبنان عام 1957. وفي السبعين من عمرها أسست لجنة مهمتها تثقيف الأم اللبنانية في مجالات الحياة كافة. انتخبت عام (1959م) رئيسة لها، وقد أقيم بهذه المناسبة أول احتفال بعيد الأم في لبنان.

توفيت نازك العابد في العام نفسه 1959/م عن عمر ناهز 72 عامًا، قضته نضالا ً ، وكبرياء و شموخ ، ثائرة ، كاتبة ، أم حنون جمع كل ذلك في امرأة من الممكن أن يقال عنها ماقاله أمير الشعراء شوقي :

قم حي هذي النيرات حي الحسان الخيرات
واخفض جبينــــــك هيبة للخرد المتخفرات

دفنت في مقبرة العائلة بحي الميدان بدمشق .

= = = = = = = = = = = = = = =
* عضو في المجلس الوطني السوري .