حينما نتقدم لا نعود نحترم!



عهود السعيد
2012 / 6 / 21

الشرق الأوسط، وما ادراك ما الشرق الأوسط. هذه البقعة المتعددة الثقافات والأعراق والأديان وحتى الأفكار بحسب المنطقة الجغرافية وحتى بحسب انتماء وميول أو اتجاه أفراد العائلة (الواحدة) الفكري أو الديني على الرغم ان العائلة الواحدة ممكن ان يتعدد اتجاه افرادها على صعيد السياسية والمعتقدات/المذاهب والأفكار التي إما أن تكون محايدة او متطرفة او لا مبالية. وبناءًا على هذا يتخبط المجتمع ما بين مدٍ وجزر وينجم عن هذا المد والجز حالة متذبذبة ما بين السالب والموجب بناءًا على قوة ردود افعال الأفراد.
أحيانًا نتصور ان التعصب والتطرف منحصر فقط على صعيد الدين نظرًا للفترات السياسية التي عايشتها وتعيشها منطقة الشرق الأوسط من استغلال فئات معينة للنصوص الدينية او الدين كافتًا من أجل مصلحة سياسية يسيطرون من خلالها على بعض المجتمعات والتي يوجد لها الكثير من المتلقين الذين صار شغلهم الشاغل سؤال الآخر عن المعتقد الذي يتبعه الآخر كي يتم تقييم إن كان هذا الفرد صالح لإن يكون إنسان مرحب به ام يُحكم عليه بأن يكون منبوذ من المجتمع أو كمن مصاب بداء معدي لا يقترب منه ولا يكلمه أحد. لكن التعصب والتطرف أوسع بكثير من ذلك المفهوم، ولو نظرنا بشكل أدق لتركيبة مجتمعاتنا الشرقية، لوجدنا التعصب العرقي أمر طبيعي جدًا يأكل ويشرب مع الكثير من المجتمعات الشرقية . ألا أن مفهوم التعصب والتطرف صار أوسع وأكبر من مفهوم "المتعصب دينيًا" أو المتعصب "عرقيًا". فحتى الليبرالي (الذي تقوم حركته السياسية على الحرية والمساواة) او العلماني (الذي يرفض أسلوب الإجبار او التدخل بخيارات الفرد) ايّ المثقف الذي يعتبر الإنسان مهما كان لونه أومعتقده على رأس الهرم لإنه إنسان قبل كل شيء بدأت علامات التعصب تظهر عليه. ولكي أكون اكثر عدلًا فلا أعمم على الجميع ولكن بعض من يمثل الحركات المذكورة انحرفو عن المسار الصحيح.
بعض زملائنا من المثقفين والمفكرين لا يحاولون ايجاد حل لانتشال المرأة من مجتمع يقمعها ويدوس عليها، بل الدارج حاليًا هو الإستهزاء فقط من لباسها. وهذا ما لاحظته بالفترة الأخيرة من تعليقات استهزائية عبر الإنترنت لبعض المثقفين ممن ينتمون للحركة العلمانية والليبرالية وكذلك البعض من الملحدين على لباس النساء في الشرق الأوسط. المجتمع يغلف المرأة تحت مسميات عدة منها العادات والتقاليد وكذلك استغلال الإعتقاد الديني، ولكي أكون أكثر دقة فالرجل الشرقي هو من يغلف المرأة إلى ان صار مفهوم "التغليف"، مفهوم اجتماعي متوارث يُفرض على الأنثى كوسيلة قمعية تحد من تحليقها في أفق اثبات ذاتها وقدراتها، ألا أن أغلب من غلفتهن السلطة الذكورية متقدمات بالتفكير وينتظرن الفرصة للخروج من مستنقع الظلام عن طريق قلم المثقف وجمعيات حقوق الإنسان والمساواة. فقط قبل حوالي خمسين الى اربعين عام كان السائد في الكثير من المجتمعات الشرقية لسيما القبلية بإن "عيب" أن تدخل الفتاة للمدرسة وتتعلم ولكن في الثمانينات بدأ هذا المفهوم بالتغيّر تدريجيًا وصار ارتياد الفتاة للمدرسة شيء طبيعي، ألا أن هذه التغييرات الإيجابية يحيط حولها الكثير من السلبيات من ضمنها استمرارية اجبار الفتاة بالزواج في سن صغير يبدأ من سن الـ 13 عام واحيانًا 12 عام مع التزوير بالأوراق الرسمية لتكبير سن الفتاة كي يتم تصديق زواجها بالمحكمة وبهذا تخرج الفتاة من كنف الدراسة لإن اغلب الأزواج يرفضون تعلم المرأة. سن الزواج القانوني مختلف من بلد لآخر نظرًا لانتشار تزويج الفتيات في اليمن وهن في سن التاسعة واحيانًا في سن الثامنة تحت اضطهاد قبلي واجتماعي حاد يسلب الفتاة طفولتها ويكسرها ألف الف مرة.
ألا تستحق من تعاني من اضطهاد اجتماعي يسلبها روحها وشخصيتها وعقلها ان نقف لجانبها ونحميها وندعمها بدلًا من الإستهزاء بمظهرها الخارجي؟

المرأة المغلوب على امرها والتي حرمت من ابسط حقوقها والذي ينظر اليها المجتمع الذكوري بإنها كائن من الدرجة العاشرة وليس الثانية لا يجب أن تكون منبوذة حتى من المثقف الذي من المفترض أن يكون انساني اكثر ويدافع عنها لا يضطهدها بتعليقات لا تنم عن الثقافة والإدراك والإنسانية والتي تسيء حتى لمعنى الحركة التي يتبعها "ذلك المثقف". المرأة ليست فقط نصف المجتمع بل هي المجتمع بأكمله لإنها تربي النصف الآخر ومطالبتنا بمجتمع متقدم ومتطور ومنفتح يبدأ منها هي. ولإنها هي المفتاح يجب ان تُنشر التوعية ليتم انتشال هذا الكائن الضعيف من قعر البحر ليرى اشعة الشمس. المجتمع لن يتطور بالاستهزاء بل باحترام الآخر. أما الإستهزاء فلا يُنشأ سوى النفور من الـ "مُستهزٍء" والحركة التي يتبعها. وللأسف بإننا شعوب حينما نتقدم لا نعود نحترم الآخر!