دائرة العنف ضد المرأة غريزية تاريخية



حميد الهاشمي
2005 / 2 / 11

تعقيبا على مقالة الاستاذة وجيهة الحويدر ، والمعنونة " من أين تبدأ الدائرة؟" والتي تضمنت مناقشة لوضع المرأة في العالم عامة وفي العالم العربي خاصة، والمقالة الاخرى المعقبة من قبل الاستاذ مردخاي كيدار والمعنونة " أختي، من هنا تبدأ الدائرة!!" وقد وجدت في كلا المادتين ما يستحق القراءة والتعقيب بنفس الوقت طالما ان لدي ما احاول اضافته هنا.
ففي مقالة الاستاذة الحويدر تركز على تكريس المنهج الذي يأخذ الظاهرة بوضعها الحالي ويقدمها "كمقطع عرضي" دون الأخذ بجذور الظاهرة ليس في العالم العربي فقط انما في تاريخ البشرية جمعاء او لنقل تاريخ الانسان ربما بصورة ادق. اما في مقالة السيد مردخاي فانه يركز على جانب العلاقة الجنسية ومايترتب عليها في علاقة الرجل بالمرأة وباتالي منزلة كل منهما.
ونحن هنا نحاول ان نحلل النتائج نفسها التي خرجت بها تلك الدراسات التي استشهدت بها الكاتبة نقلا عن نيويورك تايمز" بتاريخ 23 يناير" وغيرها من الدراسات، والتي رجحت ان سبب تدني منزلة المرأة او قلة نصيبها في نيل المناصب او تعرضها للاضطهاد هو ناتج اساليب التنشئة الاجتماعية وطرق التعامل التي تبدأ من البيت مرورا بالمدرسة طبعا ولاتنتهي بمؤسسات العمل.
والسؤال الاجدر ان نسأله ونحن بصدد البحث عن "نقطة بدأ الدائرة"، هو : لماذا تتجه او تسير اساليب التنشئة الاجتماعية وطرق التعامل بهذا الشكل ولماذا تحط من قدر المرأة؟!
والسبب الذي نرجحه هو امر مرتبط بالجانب الغريزي – تاريخي (ولا نقصد غريزة الجنس هنا) للانسان بإعتباره "حيوان" بغض النظر عن تميزه عن باقي الحيوانات الاخرى. فغريزة التسلط موجودة ومتأصلة في الانسان حاله حال باقي الحيوانات الاخرى، وقد نشأت ثقافة استضعاف الآخر (الضعيف) واضطهاده واستعباده كتحصيل حاصل لهذه الغريزة.
لقد استضعفت المرأة لأنها غير قادرة على القتال كالرجل في بيئات التصارع منذ فجر الانسانية الاول، فتأسس لها وضدها تراث قائم على استضعاف مكانتها وتحديد ادوارها ووظائفها لتكون كالسلعة تباع وتشترى وتستخدم لاشباع الغريزة والشهوة وترمى وقت انتفاء حاجتها، وتقتل وقتما يشك بأنها وقعت فريسة او ضحية للغازي والطامع او متى ما رفعت الصوت رافضة استعبادها او (تسليعها).
وقد كان لمختلف اصناف العلوم ادوار في تحليل وتفسير ظاهرة استضعاف المرأة والحط من قدرها. فالثابت ان المرأة بصورة عامة اضعف من الرجل بدنيا. وفي ثقافات الشعوب عامة ايضا ظهر تدني مكانة المرأة وقلة نصيبها مقارنة بالرجل، وينطبق هذا على شتى الدول والاديان. الا ان علم الانسان (الانثروبولوجيا) اظهر لنا نماذج من ثقافات بعض الشعوب البدائية التي تظهر عكس ماهو شائع حيث علو مكانة المرأة مقابل تدني مكانة الرجل، حيث المرأة هي الآمر الناهي، وهي استثناءات فريدة.
وفي مجتمعاتنا فان المرأة لطالما كانت ضحية التفسيرات الدينية المبنية على قاعدة قيمية ثقافية اساسها منطق ومفاهيم القبيلة والعشيرة بإعتبارها الاشكال الاولية للتنظيم الاجتماعي الضابط، والقوة والضعف الذي اساسه بدائية الانسان والتي اسست على قاعدة شريعة الغاب، حيث البقاء والسلطة والسيادة للاقوى، وفيه يتم اخضاع المرأة كونها (مخلوق ضعيف) لمنظومة متشابكة تخدم وتكرس مصالح هذا (الاقوى).
وهكذا بنيت ثقافة الرجل باعتباره الاقوى على قاعدة شريعة الغاب.

ان سيطرة المؤسسات القبلية والعشائرية على انساق حياة المجتمع قد غيبت دور التنظيمات العصرية ومؤسسات المجتمع المدني والتي من المفترض ان تكون بديلة عن تنظيمات القبيلة والعشيرة وتفرعاتهما من جهة وكمصادر وعي ومبعث تطور في غالب الاحيان.

القبيلة او العشيرة (تنظيم اصغر ومتفرع عن القبيلة) كتنظيم عصبي تؤدي دورها الرئيسي في توفير الامن والامان بالدرجة الاولى لافرادها قبل ان تسند قوتهم الاقتصادية بحماية مصالحهم او تحقق لهم غنائم ومكاسب أخرى عن طريق الغزو.

لقد جرت (عرفنة – نسبة الى العرف- وشرعنة) ادوار المرأة ووظائفها في المجتمع تلازميا بين العرف العشائري والدين، اي دين كان.
حيث اكتسبت الاعراف شرعيات كبيرة بل قدسية حينما بنت معظم الاديان سننها وشرائعها على ركام الكثير من القواعد العرفية، او فسرت نصوصها الدينية بهذه الكيفية اي وفقا لترسبات ومفاهيم قبلية بل عززت الكثير منها مثلما حاولت تعديل البعض الآخر.

واذا كانت هذه صورة العشيرة وهذه وظائفها وادوارها وموقف الدين منها فلماذا تستمر في مجتمع ما لا يحتاجها؟!
فالصورة اذن هي ثقافة بنيت على اساس غريزي يعتمد على قاعدة الاقوى هو السيد، وهي التي تمتد بعمق تاريخي يصل الى فجر الانسانية الاول وقد كرس هذه الثقافة القيم الاجتماعية النابعة من طبيعة حياة وبناء اشكال التنظيمات الاجتماعية القرابية خاصة والقيم الدينية التي بني معظمها على ركام هذه القيم (الاجتماعية). والمسألة لا ترتبط بالوضع الجنسي الذي يكون عليه الرجل او المراة لان مفاهيم هذا الامر اختلفت ايضا بتنوع هذه الاوضاع واختلافها، كما ان مفاهيما من قبل الشعور بالدونية لدى المرأة وبالتفوق عند الرجل والاستمتاع من قبل الرجل فيما يتعلق بالعملية الجنسية هي مفاهيم نسبية لاتنطبق على غالبية المجتمعات والرجال والنساء..


* أكاديمي وباحث أنثروبولوجي مقيم في هولندا.