عزيزتى المرأة : قليل من العتاب - دعوة لتكوين جبهة عربية لمواجهة العنف والتمييز ضد المرأة



كريم عامر
2005 / 2 / 13

لا ننكر أن المرأة تعانى أشد المعاناة من إمتهان كرامتها وإنتهاك آدميتها وإغتصاب حقوقها وتحجيم - أو إلغاء - دورها ، ولا ننكر أيضا أنها تتعرض لعملية طمس - واسعة النطاق - لهويتها ومحاولات خبيثة لمحو تاريخها المشرف الملىء بالبطولات والتضحيات فى سبيل رفعة شأن أمتها وإعلاء هامتها ورقى شأنها ، كما لا ننكر أيضا أننا - نحن الرجال - متهمون - بل ومدانون - بكل هذه الإتهامات التى ذكرتها ، بل وأجزم أننا نتحمل أكبر قدر من المسؤلية عن هذه الإنتهاكات لحقوقها ، فالعبىء الأكبر يقع علينا فى مسؤليتنا تجاه هذه الانتهاكات الفظيعة لآدمية المرأه ، فليس وراء تعاسة المرأة سوى الرجل الذى ينظر اليها على أنها ليس لها أدنى أهمية تذكر سوى كونها أداة متعته والاناء الذى يحفظ فيه ماء ذكورته حتى تنجب له الأبناء الذكور والا تركها باحثا عن غيرها .
وفى الإطار نفسه ، فإن المسؤلية عن هذا التهميش والامتهان والتحجيم والإغتصاب ، وعلى الرغم من أنها تقع على كاهلنا العىء الأكبر فى المسؤلية عن هذه الأمور ، إلا أننا نشرك معنا المرأة أيضا وندخلها قفص الإتهام ونجعلها تشاركنا التهمة وتشاطرنا الإدانه .
فالحق لايضيع طالما وجدت وراءه مطالب ، فنحن نطالب منذ زمن بعيد بتحرير المرأة وإخراجها من السجن الذى وضعناها فيه ، وإعطائها كافة حقوقها المسلوبة منها بأن نجعلها معنا على قدم المساواة فى كل شىء ، وطالبنا كثيرا وبحت أصواتنا بوقف الإنتهاكات الصارخة لكرامة المرأة ، ووقف الإعتداءات الظالمة على كيان المرأة قلبا وقالبا ، وطالبنا كثيرا بوقف الإنتهاكات اللا إنسانية لجسد المرأة ، وطالبنا بوقف العمليات الإجرامية التى تشن على جسد المرأة تحت شعار " ختان الإناث " ، وطالبنا برد الاعتبار للمرأة ، وطالبنا بإعطائها حقها فى الحياة بالطريقة التى تريدها دون تدخل سلطوى من أحد مهما كانت درجة قرابته بالنسبة لها .
طالبنا كثيرا .... وبحت أصواتنا .... حاولنا صنع المستحيل ..... حاولنا إختراق عقلها والنفاذ الى داخله كى نوقظها من سباتها العميق .
حاولنا كثيرا .... وفى النهاية بائت كل محاولاتنا بالفشل ..... هل تعرفون لماذا ؟!! .
كلكم يتوقع أن فشل محاولاتنا يرجع الى تمسك مجتمعاتنا بالتقاليد البالية والعادات الخربة العفنة ، وكلكم يظن أن السبب فى ذالك يرجع إلى عدم قدرة المرأة على مقاومة الظلم الواقع عليها من أولياء أمورها والذين يعاملونها بتمييز صريح وظلم مبين واضح .
ولكنى وجدت السبب فى غير هذا كله ، لقد وجدت السبب فى غير مايتوقع الكثيرون منا ، لقد وجدت العله ! ، ولكن فى غير موطن الداء !!! .
إننى - وللأسف الشديد - وجدتها فى المرأة العربية ذاتها .
لقد شعرت بالخجل الشديد من أن أواجه نصف المجتمع بهذه التهمة المذرية ، وأحسست بأننى أنقلب على نفسى وأنا الذى خسرت جميع أصدقائى - إضافة الى أعدائى - عندما دافعت بحرارة عن قضية المرأة ، وشعرت بأننى أرافع فى قضية أعلم مسبقا أنها قضية خاسرة ، أو أننى أسير فى طريق وعر ليس له نهاية ، ولكنى أدركت فى غمرة مشاعرى الحزينة على ماتوصلت اليه - وليتنى لم أفعل - أن هذا لايمنع من الإستمرار فى الطريق نحو النهايه ومواصلة السير حتى أكبو أو أبلغ مرامى :
وعلى أن أسعى وليس على إدراك النجاح
لقد تعاملت مع الكثيرات فى بيئتى ، وكلما حدثتهن عن رأيي فى قضيتهن أيدننى بحرارة ةشددن على يدى متضامنات معى فى كل ما أصنع - تضامنا كلاميا ليس الا - ، ولكن عندما كنت أسألهن عن دورهن - وهن صاحبات القضية - فى هذا الشأن كانت إجابتهن تنم عن سلبية واضحة ورضا بالواقع على مرارته .
كان الكثيرات منهن يشكين لى من التمييز الذى يتعرضن له فى كل مكان يذهبون اليه .. فى البيت .. فى الجامعة .. فى العمل .. فى بيوت العبادة .. وفى كل مكان يتواجدن فيه مع غيرهن من الذكور ، وكن يظهرن لى إمتعاضهن من هذه الأساليب المهية التى يعاملن بها ، كن يشكين لى مر الشكوى من سوء معاملة اهليهن لهن ويبكين بين يدى بكاءا كفيل بقطع نياط القلوب وتمزيق أوردتها وشرايينها .
وعندما كنت أنصحهن بمواجهة الواقع والتمرد والثورة عليه إذ أن هذا هو السبيل الوحيد - بالنسبة لهن - للخروج من هذه الأزمة ، كن يتراجعن فى خوف ويتوارين فى خجل قائلات لى بأن المواجهة مع تقاليد المجتمع عملية فدائية لاضحية لها سواهن وأن من يواجه هذه التقاليد هو كمن يواجه الموت وهو يعلم أنه هالك لامحاله .
عبارات ملؤها اليأس والخوف والتراجع والفرار وكل المعانى السلبية الموجودة فى المعاجم العربية وغير العربية كنت أسمعها منهن وأراها واضحة بادية على تقاسيم وجوههن ، كانت السلبية واضحة جلية أمامى ملء السمع والعين وأنا أرى طائفة من النساء قد نجح أعدائهن من الذكور فى تحويلهن الى قوالب جامدة لا حياة فيها ولا إرادة لها سوى مايريده أسيادهن وولاة أمورهن .
لقد صدمت كثيرا وأنا أستمع الى تلك الردود السلبية من الكثيرا اللاتى التقيت بهن ، وأحسست أن دعاة التحرير على كثرتهم إبتداءا من قاسم أمين وإنتهاءا بالمعاصرين منهم قد أصبحوا كمن يؤذن فى مالطة ، تحولت دعواتهم الى صرخة فى واد لا يسمعها إلا من يطلقعا دون أن يجد إستجابة من أحد .
فالمشكلة ليست فى كون النساء فى عصرنا - إلا من رحم ربى منهن - سلبيات فى المطالبة بحقوقهن فحسب ، بل إن المصيبة الأكبر هى كون بعضهن راضيات عن الوضع المخزى الفاضح الذى يعشنه بل ومحرضات - أحيانا - على الإستمرار فيه دون وعى منهن بأنهن يسرن طائعات نحو هاوية سحيقة لانهاية لها ولا قرار ، بل الأكثر سوءا من ذالك تضامن بعضهن مع الرجل ضد أخواتهن وبناتهن من النساء الأمر الذى يعكس مدى التردى الذى وصل اليه حال المرأة العربية فى عصرنا الحالى بعد سلسلة كبيرة من النجاحات التى حققتها على الصعيدين الحقوقى والإنسانى .
لقد إشتهر النساء منذ قديم الأزل بخاصية هامة تميزهن كثيرا عن بقية الجماعات الاجتماعية الأخرى ألا وهى تضامنهن الإجتماعى ووقوفهن مع بعضهن فى صف واحد فى أوقات الأزمات محاربين كل مؤامرة تهدف الى الإعتداء عليهن والإنتقاص من حقوقهن ويحفل التاريخ بذكر هذه المآثر عنهن فيما كان يعرف فى وقت من الأوقات بثورة العبيد والنساء ، ولكننا وجدنا أن المجتمع الذكورى قد إستطاع ان يشق هذه الوحده ويزعزع من هذا التضامن حتى انقلبت المرأه رأسا على عقب وتبدل حالها من متضاممنة فى وقت من الوقات مع أخواتها وبناتها وصديقاتها الى التضامن مع الرجل ومساعدته فى انتهاكه لحقوق أقرانها من النساء .
فوجدنا المرأة تقف مع الرجل وتساعده وهو يقوم بجر ابنته جرا نحو الجزار الآدمى المعروف زورا بالطبيب حتى يقوم بتر أعضائها الجنسية ، ورأينا المرأة تساعد زوجها فى التخلص من إبنتها التى مارست حقها الطبيعى فى حب من تهوى والذهاب مع من تريد وإختيار والد أبنائها على هواها الخاص .
ورأينا المرأة تشارك الرجل فى أحقر تجارة عرفها التاريخ وهى تجارة الرقيق المستترة تحت غطاء الزواج ، فوجدنا الفتاة ليس لها من أمرها شىء سوى فعل مايمليه عليها قدرها وكل مافى الأمر أنها ستباع بمبلغ من المال ( يسمونه مجازا بالمهر أو الصداق ) يتسلمه الأب وربما يأخذه مناصفة مع الأم ويأتى المشترى / الزوج ليقبض البضاعة / الأمة / الزوجة .
رأينا الأم التى تعرضت لأبشع انتهاك للكرامة يتعرض له آدمى تكرر ماحدث لها مع ابنتها وتجعل الأجيال النتعاقبة تعيش فى دائة مغلقة من الممارسات العنيفة واللا أخلاقية التى تمارس بحقها فى سلوك سادى لايعكس سوى رغبة داخلية فى الإنتقام مما حدث لها عن طريق تكرار مافعله أعدائها مع ابنتها ، وظلت المرأة تمارس السادية التى مورست بحقها وهى صغيرة مع ابنتها ظنا منها أن القدر قد كتب عليهن العيش ذليلات كسيرات لا وظيفة لهن فى هذه الحياة سوى ارضاء الرجل وخدمته وإطفاء جذوة شهوته دون أن يكون لهن أدنى حظ أو نصيب منها .
إننى أتسائل .... الى متى تظل المرأة صامتة على هذا الوضع المخزى رغم كراهيتها له ؟!!
الى متى هذه السلبية فى التعامل مع هذه الأمور المصيرية التى تواجه كل فتاة فى مجتمعنا ؟!
إلى متى تظل المرأة راضية عن هذا الوضع المخزى المشين الذى إختزلها تماما وحولها إلا مهبل ورحم .. ليس إلا ؟


إننى لا أريد أن يسىء النساء فهمى وأخشى أن يتسلل الى قلوبهن أننى أتهجم عليهن أو أننى تحولت الى عدو لهن بعد أن كنت صديقا مناصرا حميما لهن ، لا أريد أن تفهم المرأة هذا لأننى لا أعنيه ولن يتطرق الى عقلى مثل هذه الأمور أبدا ، ولكن كل مافى الأمر هو أننى أهيب بكن أن لاتتركن حقوقكن تنهب وأنتن خالدات فى نوم عميق ربما تتحزل أحلامكن فيه الى كوابيس حقيقة مزعجة .
فإلى متى تستعذبن عذابكن وتقبلن أيادى وأرجل جلاديكن ؟
إلى متى ترضون بأن تختولن الى أنصاف بشر ... بل إلى أقل من ذالك ؟
إننى سئمت من الكتابة ومملت الشعارات والهتافات والمقالات والخطب الرنانة التى لاصدى لها الا كحفيف الشجر .
إننا نريد تطبيقا عمليا لهذه الشعارات ، لانريد سكوتا بعد اليوم فالساكت عن الحق شسطان أخرس ، لا نريدكن من الآن فصاعدا أن تسكتن على خطأ أو إهانة ، إنكن على حافة الهاوية وأعداؤكن يدفعون بكن نحوها فلا تعطوهن الفرصه لكى يصوا الى اهدافهم الخبيثة التى تستهدف تحويلكن الى سلع تباع وتشترى فى أسواق النخاسة .
إننا نريد تكوين جبهة عربية موحدة لمواجهة الإعتداء على المرأة بشتى صوره وبتنوع أساليبه ، نريد أن نضع أيدينا فى أيدى أخواتنا وأمهاتنا وبناتنا وزوجاتنا وصديقاتنا وعشيقاتنا وجميع من ينتمى الى النصف الحلو المؤنث ممن نعرفهن ومن لانعرفهن ، نريد أن نقول لهن إننا معكن فى كل خطوة تخطونها فى الطريق نحو نيل كامل حقوقكن ومقاومة من يحاولون سلبكن كرامتكن وآدميتكن ، وزحزحة من يقف عقبة فى الطريق الذى تردن السير فيه من أمامكن .
إننى ادعو جميع القراء والقارئات ممن يؤيدن فكرتى فى هذا المضمار إلى مشاركتى فى تكوين جبهة عربية لمقامة التمييز والعنف ضد المرأة يعمل كل منا من خلالها فى محيطه الإجتماعى الخاص على مساعدة النساء اللاتى يعانين من مشاكل إجتماعية أو أسرية فى مواجهة الصعوبات التى تعيقهن عن السير فى طريق الحرية الكاملة التى لايتدخل فيها أصحاب السلطات من الآباء والأخوة والأزواج فى سبيل الخروج من هذه الوكدة التى تعيشها المرأة العربية نتيجة سيطرة المفاهيم الرجعية الاسلامية الذكورية على العقل العربى .
نريد تكوين هذه الجبهة لكى نساعد المراة من خلالها على التمرد على تقاليد مجتمعها والخروج عن مألوفه القديم البالى الأمر الذى يجعلنا نبنى مجتمعا جديدا تسود فيه قيم الحب والحرية والإخاء والمساواة التى نحلم جميعا أن نراها سائدة على أرضنا أسوة ببقية شعوب العالم الحر .
إننى فى انتظار إقتراحاتكم فى هذا الخصوص ، وأتمنى ان تكون للمرأة العربية نصيب كبير فيها فهى صاحبة القضية ، فمن الأولى أن تبدى اهتمامها بها وأن تكون أول من يقترح فى مثل هذا المر ، فنرجو منها أن تدع سلبيتها جانبا وأن تشاركنا فى محاولاتنا لإنجاح هذه المبادرة التى نرجو أن تكون فاتحة خير بالنسبة لمجتمعاتنا .