معاناة صامتة 3



بيان صالح
2012 / 8 / 14

منذ أكثر من شهرين هي حزينة و شاحبة اللون , و تشكي من آلام في الظهر و المفاصل,قليلة الشهية ,تعاني من صداع شديد طول الوقت .
تجلس معي جسديا شاردة البال و قليلة التركيز .
امرأة بشوشة و فرحة لكن هذا كان من سنوات مضت قبل أن تخوض تجربة قاسية في حياتها , تتذكر إنها كانت تضحك و متفائلة و تحب الحياة ,فخورة بأنها تعيش في بلد امن و لها دخل اقتصادي من الدولة و لا تعتمد على زوجها في مصاريف معيشتها الأساسية.
ككل النساء ، امرأة عادية تحب ان تعيش في أمان و استقرار ,لها حب استطلاع كطفل صغير يرغب التعرف على كل شئ جديد , تحب ان تسمع عن كل ما هو جديد أن تخوض تجربة المعرفة الأولى لمحيطها .
كانت تنزعج من تدخل الآخرين بما لا يخصهم وخاصة بين الجالية ذو الأقليات الأجنبية ,ليس لها أي شهادة جامعية او عمل خارج البيت
تقترب اليوم من فترة النضج وتخزين ما يكفي من المعرفة حتى تكمل حياة قيل عنها جزافاً في المناطق العربية (سن اليأس) ،انها في سن النضوج برأيي ولا اتفق أنا ان تسمى مرحلة يأس والمرأة تكون في ريعان العقد الرابع في عمر المعرفة وربيع الجسد المتفتح على رغبات العمل والعطاء ،هذا السن لن يسمى بسن الياس في الدول الغربية ,ربما يحصل تغييرات هورمونية عند المرأة وانقطاع الدورة الشهرية ولكن هذا لا يعني سن انتهاء النشاط.
كنا نتحدث سابقا بشكل عام عن امور الجالية الأجنبية و ووضع المرأة و تربية الأطفال ..... الخ عندما كنا نلتقي لكن في أخر مرة التقيتها كان وضعها النفسي سئ جدا و سألتني اذ اعرف طبيب نفساني جيد لمساعدتها
لكن في نفس الوقت أرادت أن تشاركني بما تعاني منه قليلا و ذلك عندما فقدت السيطرة على نفسها في إخفاء الحزن بداخلها و فجأة بدا ت الدموع تنزل من عيونها و كأن بركان انفجر داخلها .
حاولت تهدئتها وأنا استمع لكلماتها المنسابة كما نبع ماء تفجر للتو من الصخور ,بدأت تقص مشكلتها الصعبة التي حسبت ان لا حل لها وربما ان نهاية الحياة ستكون كامنة في قصة لا يعرف مقدار قسوتها سوى الحياة نفسها التي تعيش تفاصيل حزنها وآلمها لوحدها هكذا هي تتصور بأن لا حل يلوح بالأفق .
إنها مشتاقة لرؤية ابنتها التي كانت اقرب شخص إليها
-- و أين هي الآن ؟ سألتها.
--إنها مختبئة في مدينة أخرى و لا اعرف عنوانها و هي لا ترغب ان تتصل بنا و قطعت العلاقة معنا
-- سألتها لماذا؟
بسبب عاداتنا و تقاليدنا المتخلفة , أحبت شاب وبعد ذلك عرف والدها و إخوانها بالآمر و لم يتقبلوا الآمر نهائيا و طلبوا منها أن ترتبط به رسميا أي تتزوجه ولكن هي طالبة لحد الآن ولا تستطيع الارتباط .
تم مراقبتها من قبلهم و تهديها بالقتل او إرسالها الى بلد الام و هي قررت ان تلجا الى إحدى بيوت المأوى وتحت المراقبة البوليسية.
ونزلت الدموع مرة أخرى في عيونها بغزارة و قالت المشكلة الكبيرة هي انا أيضا تحت ضغط كبير من قبل زوجي و عائلته و وأعيش في جحيم يومي داخل البيت , يتهمونني انا من ربت بنتي ان تخرج من عادات و تقاليدنا المحترمة والتي فيها غير مسموح ان تكون الفتاة بعلاقة بدون الزواج
أصبحت اخجل من نفسي عندما اخرج من البيت ،الناس يحدقون بي ولسان حالهم يتهمني كأنني غير شريفة و غير محترمة .
طبعا هذه واحدة من عشرات القصص التي تجد نفسها الفتيات من اصول عربية ومسلمة وغيرها لاجئة هنا، تعيش ضمن منظومة متناقضة ما بين أهل يحملون عادات وتقاليد قديمة تعنف المرأة وتحد من حريتها وبين تقاليد حياة دول أوروبية قطعت أشواط في بناء مجتمعاتها العلمانية والمدنية التي تقوم على المساواة والعدل واحترام حقوق الإنسان هذة من إحدى المشكلات الكبيرة التي تعاني منها الشابات حيث
تتعرض كثير من الفتيات داخل تلك الأسر الأجنبية المحافظة ذات التقاليد الذكورية البالية لضغوطات نفسية وجسدية بشعة , حيث تمنع الفتاة من ممارسة الحياة العادية وفرض شروط قاسية عليهم في اختار حياتهم وفرض الزواج ألقسري من أشخاص تختارها الأسرة وفي أكثر الأحوال الزواج من شاب من داخل بلد إلام والأب والبعيد ة عن حياة وتقاليد تلك الدول الغربية . وكذلك ممارسة جميع أنواع العنف والتمييز في التربية بين الأولاد والبنات.
ولعل هذه المشكلة تفتح لنا الباب لنقاشها من عدة جوانب لا تخص الفتاة لوحدها بل الأسرة ككل وقضية الاندماج الثقافي والإجتماعي ومدى قدرة هذه العائلات على ان تأخذ قيم ومفاهيم جديدة تختلف عن تلك التي يحملونها معهم وتشهر ضد الفتيات بشكل أخص عندما يتعلق الموضوع بحرية شخصية ذات علاقة بقضايا إنسانية وعاطفية تكمن في صلب حقوق الإنسان بغض النظر ذكر كان أم امرأة ،
انها المرأة من جديد ضحية المفاهيم والقيم الذكورية ، ودافعة الضرائب عن تخلف عقول تجهل إننا غادرنا منذ عهود عصر الظلمات ونعيش اليوم في القرن الواحد والعشرين وفي بلاد لجأنا اليها طلباً للأمان الجسدي ونرفض بقوة كل منظومة القيم والقوانين التي تحمي أجسادنا وعقولنا من العنف والانتهاك من جديد وعلى يد أقرب الناس من ذكور العائلة.