من رحم امها تصرخ لا



مجتبى حسن
2005 / 2 / 21

راحت تغزل بيدها مشلحاً صوفي لوليدها المرتقب .. وتقول في نفسها ما هي إلا أسابيع وتخرج إلى الوجود ..لآخذك بين أحضاني أدفئك من برد الشتاء .. لن تستغرب العيش فلن تنتقل من جوار قلبي ، وان كان خروجك من أحشائي يعزَّ علي ..إلا انك سوف تستقل في عيش وتصبح فرد تجعلني أمٌ وأباك ربُ أسرة... أيَّ طيب العيش .. سوف انظرك بعيوني وافترش لك صدري.. .يا هناءة العيش معك .. يا بني ..
قال لنا الطبيب انك مشاغب فلم يستطيع أن يعرف إن كنت صبي كما يحب أباك أن تكون أو بنت ..أنا لا فرق عندي فأنت من تكوّن في ّ وتغذّى من وريدي .. أنت جزء من جسدي وروحي واظنك الجزء الأغلى ..
إن خرجت لنا بشكل ذكوري..،فسوف يمنحك ابك كل عاطفته وستكون بكره المدلل .. كما ستكون القيم على أعماله كلها .. هذا ما حدثني به في سهرة الأمس لقد راح يخطط لك مستقبلاً يحلم به أبناء الملوك .. كيف سيدّرسك في أحسن المدارس الأجنبية من دور الحضانة إلى أن تأخذ البكلوريا... وبعدها سيبعثك إلى هارفارد لتنال من العلوم الاقتصادية اكبر شهادة.. ولقد قرر لك أن لا تعود إلا بعد نيلك درجة الدكتوره ..افرح يا عم أنت دكتور من الآن.. وسيزوجك من أرقى العائلات ..الفتاة التي تشتهي وتختار مهما كان مهرها غالياً .. الغالي للغالي..
أم إن خرجت إلى الدنيا بهيئة بنت فستكوني غنوجة أبيك .. نعم هو قال لي ذلك وصرّح بأنه سوف يأتي لك بالمدرسين إلى البيت كي لا يحرمك من التعليم إلى أن تأخذي البكلوريا ... وبعدها سيبحث لك عن ابن حلال لتقترني به .. وسوف يشتري لك شقة قريبة منا .. لتبقي تحت جناحه فأنت ستكونين على الدوام غنوجته المدللة ..
وهنا ضاق الرحم بما يحمل وتلقت الأم رفسة من جنينها وكأن لسان حاله يصرّح بأنه بنت ، وهي غير راضيةً بحديث والدته هذا الحديث الذي يظلمها قبل أن تلد ويحرمها من حقوقها ويجعلها أحدى المقتنيات لأبيها وبعد ذلك لزوج .. وخرجت أنة من رحم الأم .. وزاد التشنج على الأم مما استدعاها الاتصال بزوجها ليحضر ومعه الطبيب ..وصف الطبيب بعض الأدوية وأعطاها جرعة من مسكن لتنام ,... بعد أن هدئت أوجاعها استسلمت لنعاس .. أخذها الكرى إلى منطقة الأحلام بعد معاندة الوجع .. لتنظر في عيون قلبها.. فاتنة مياسة في صباها ..أنها ابنتها التي لطالما تشهتها بهذه الهيئة .. تلمست وجهها .. حريري الملمس... عينان تشعان ضياء غير أن الحزن ترك أثره على النظرة ..تسألها ألام في لهفة.. ما بك لما أنتِ حزينة يا فتاتي .. الم يسمح لك والدك بالذهب إلى زيارة صديقتكِ ... تردُ الصبية وعيناها اغرورقتا دمعاً : لا يا أمي القصة أكثر من ذلك ..يطلب مني والدي أن أوفق على ابن شريكه.. يريد أن يزوجني به ..تعلمين يا أمي إنني لم اعصِ والدي أبدا .. ولكن أن أتزوج بمن لم يحبه قلبي فهذا شيء اكبر من قدرتي على الاحتمال .. أنتِ تعلمين يا أمي كم قاسيت من أوامر أبي وتوصياته الزاجرة .. لقد كنت البنت الوحيدة في عائلتنا التي لم تذهب يوماً إلى مدرسة..رغم نيلي البكلوريا بدرجة تفوق .. كل أقراني أكملوا تعليمهم في الجامعات.. بنات خالاتي يتباهين بأنهن طالبات جامعة ويغمز ويلمزن كلما رأيتهن في مناسبة ... أمي أنت تعلمين أنني لا اعرف الرجل إلا من خلال صورة والدي وروايات عبير.. لم يكن لدي يوماً معرفةً بالفتيان حتى من أقاربي ..يا أم لماذا هذا الحجر كله علي هل اؤلئك الفتية أشرار .. دائماً أبي يتكلم عنهم بأسلوب لا يطمئن ... أو أن أبي لا يثق بي كي ما اخرج إلى المجتمع .. أضحت الوحدة عنون حياتي من كثرة ما أخشى أن أتعثر بكلمة أمام إحدى صديقاتك فيسمع أبي..آه ياامي هناك أشياء كثيرة تضج بصدري لا ادري من أين أبدا في الكلام ولا أين ينتهي بي رثائي هذا على نفسي.. انظر الفتيات في التلفاز وأتشهى عيشة حتى الخادمة في مسلسل دنيا... إن دنيا في المسلسل لها شخصية وهذا ما افتقده ولم يكن لي يوما كيان ... لماذا أتيتم بي ياامُ إلى هذه الدنيا إن كنتم ستحرمونني العيش ..يا أمي العيش ليس في المأكل والملبس وتقديم الهدايا ..والحرمان من الحقوق والإحساس بالكيان المستقل ..جعلتموني دّميتكم التي تسليتم بها ثمانية عشرة عام .. لماذا لم تقتنوا قطة أو كلبةً إفرنجية .. والآن تريدون تزويجي بمن لم اعرفه حتى في الشكل.. كي تكتمل لديكم صورة الدّمية بأطفالٍ حولها .. لا يا أم ارفض العيش هكذا وأظن انه حان الوقت لأقول و بملء صدري لاااااا...
ولم يتسنى للام أن ترد عليها لاستيقاظها اثر رفسة قوية من الجنين ...وتزداد التشنجات وليزيد صراخ الأم من الألم ..ويستدعى الطبيب ثانيةً .. ترتجف يد الطبيب بعد معاينتها ويخاطب الأب في كلمة بينهما ..الطبيب للأب يجب نقلها إلى المتشفى بسرعة وهناك خطورة كبيرة على حياة احديهما لن نستطيع إنقاذ الاثنين إما الأم اوالجنين .. أتى الخبر على الأب كصاعقة واتى جوابه البارد : هل قلت لي أن جنس الجنين ذكر .. رد الطبيب وما الهام الآن في جنسه المهم صحة الأم .. قال الأب !!!ولكن هل هو صبي أم بنت .. الطبيب انه بنت لكن لم اقل لكم سابقا ًلأن هناك أناس لا يحبون البنات ..الأب إذاً أسرع أسرع يا دكتور لننقذ الأم ....