قبل عقد العمل



مها الجويني
2012 / 8 / 26

و بعد أن يبدي رب العمل إعجابه بمقالاتها و بما تكتب و تنشر و تلك الشهادات التي تحملها و تلك السيرة الذاتية الممتلئة خبرات و دورات تكوينية و لغات، يطرح رب العمل ذلك السؤال الوجودي :" متى نقضي عطلة أخر الأسبوع ؟" .
يسألها عن الموعد بكل ثقة و برودة دم و ابتسامة طبيعية ، لأنه يعلم جيدا أنها ستوافق، لأنه قايض غيرها بذلك ووافقن اضطرارا لكسب قوت يومهن المهدد وبالانقطاع رئيس التحرير يعلم جيدا وضعية خريجي معهد الصحافة بتونس الذين لا يملكون فرص كبيرة في العمل في مجلات أخرى . تستغرب الصحفية المبتدأة ما يحدث حولها و تعيد النظر في الملف الذي تحمله ربما كان فيه شهادة لها في علوم الجنس و المواقعة ؟ حسبها أنها مجازة في الاعلام و قضت عمرها تحلم برفع قلمها أمام الظالمين لا برفع ساقيها أمم رب عملها و نظرت إلى حذائها البسيط و تذكرت وجهها الأسمر الذي لا يوحي بلعب و شعرها العادي المشدود بمشط أسود ...
لاحظ رب العمل اضطرابها و برصانة المثقف و الحقوقي قدم لها أخر عدد من الجريدة التي فيها مقالات لتحرير المرأة و قصائد تشيد بها و قال : أنا أؤمن بنصف المجتمع و أريد مساعدتك هذا رقمي الخاص فكري مليا قبل الاجابة" ... تسلمت المضطربة العدد مع الرقم و غادرت المكتب تتعثر في خطواتها ، نزلت الدرج و دخلت الكافتيريا ، هناك أخذت نسكافية و فتحت المجلة . كانت الافتتاحية بقلم رئيس التحرير حول ضرورة تشجيع الشباب و خاصة البنات و تأطيرهم ليكونوا قيادات و رائدات في العمل الثقافي و الحقوقي و الاعلامي و يشيد أيضا في المقال بدور المرأة التونسية في ثورة 14 من يناير ...
دار هذا السؤال بذهننا : مالذي يربط بين حقوق المرأة بشعار المساواة و إستغلالها جنسيا ؟ تذكرت كلام بعض السلفيين اللذين يقولون أن:" خروج المرأة للعمل هو مرادف لليالي الحمراء " و يضيف السلفيين أيضا أن تحرير المرأة هو جعلها سلعة تباع و تشترى دون رادع. تشرفت قهوتها و تذكرت كلام جدتها رحمها الله من عاشت الاستعمار الفرنسي تقول :"وين تحط نفسك تصيبها" يعني كما ترين نفسك تجدين موقعك ، بمعنى من ترى نفسها أمة و تابع ستكون كذلك و من تعتبر نفسها حرة و أبنة حرائر ستتحصل على موقع الأسياد . كلام الجدة و نصائحها ترن في أذنها ، لقد حدثنا التاريخ عن صبرهن و وخروجهن في المظاهرات ضد المستعمر و أغلبهن لا يجدن القراءة و الكتابة . تلك من ترفض تعدد الزوجات و لا تقبل الإهانة رغم أنها فلاحة بسيطة .
الصغيرة تعلمت أن القضية مرتبطة بنظرتها لنفسها و نوعية خياراتها فهل ستختار أن تكون صحفية برتبة "مزة" تكتب عن المهرجانات و الأعمال الخيرية لسيدات المجتمع و تعتمد كتاب جون غراي (الرجل من الزهرة و المرأة من زحل) لتحلل به الظواهر الاجتماعية إهتمام النساء بكرة القدم و تأثير مياه الحنفيات على بشرة الوجه و تستخلص في النهاية أن المرأة حنونة تكره المصاعب و تميل للون الزهري و اللرجل لشدته يميل للون الازرق ... أم تختار طريق الجليلات من يصنعن الخبز بأياديهن و يتخذون من كرامتهم نبراسا و عمادا ، أولئك من يحملون الوشم الازرق عمق تاريخ تونس ، أصحاب الكادحات من لا يخدعهم زيف رأسمال .. من يسبحن ضد تيارات الموضة و القشور الزائلة...
صمتت وابتسمت ورفعت رأسها و غادرت المقهى صوب المكتبة الوطنية لاستماع محاضرة و للقاء بعض الأصدقاء، رافعة رأسها حاملة ابتسامة منتصر على شفتيها... أغلب الظن أنها ستظل مع أصحاب الكادحات الأرجح أنها الكادحة بعينها .