الخطوة الأهم هي الوصول إلى السلطة السياسية



فينوس فائق
2005 / 2 / 22

اليوم قرأت في إحدى القنواة الخبرية نص هذا الخبر"الحكومة الكويتية تحض البرلمان على نظر "منح المرأة حقوقها السياسية" حيث أن الحكومة دعت مجلس الامة الى تحديد جلسة خاصة للنظر في منح المراة "كامل حقوقها السياسية", وفق وكالة الانباء الكويتية. كان لذلك الخبر وقعه الخاص في نفسي ، ففكرت في الحال بالكاتبة الكويتية الرائعة ليلى العثمان ، فمن المجحف أن لا تملك تلك المخلوقة الرائعة و غيرها كثيرات حقوقهن السياسية و عقلها يسع لكل المباديء و النظريات السياسية التي جاء بها الرجل بكل قوته و كتاباتها أكبر برهان.. و أنا على يقين من أن إصرار النسوة الكويتيات و نضالهن المضني كان وراء هذا الإنجاز الكبير ، إلا أن الخبر الذي قرأته على موقع قناة العربية و غيره من القنواة الإعلامية الأخرى صيغ بقلم رجل بطبيعة الحال و أضفى على الخبر صبغة ذكورية ، بحيث لم يشر بأي شكل من الأشكال إلى نضال و محاولات المرأة الكوريتية من أجل الحصول على كافة حقوقهن الإنسانية في مجتمع مدني حضاري بما فيها حقوقهن السياسية. و أشار فقط إلى أن الحكومة هي التي تقدمت بطلب تحديد جلسة خاصة لمناقشة الموضوع ، في حين بقيت المرأة الجندي المجهول و الحكومة المتمثلة في الرجل قد صحت فجأة و قررت منح المرأة حقوقها السياسية.
مرة أخرى أعود و أؤكد على أهمية أن تعي المرأة ضرورة المشاركة السياسية و تولي المناصب القيادية في المجتمع ، فمن هناك يبدأ الطريق نحو نظام ديمقراطي حقيقي.. ما دعاني لأن أعود اليوم و أكرر ما قلته قبل فترة عن مشاركة المرأة السياسية في مقال حمل عنوان "هل المشاركة السياسية للمرأة تحقق الديمقراطية أم الديمقراطية هي التي تحقق المشاركة السياسية للمرأة..؟" هو نص الخبر السابق و رسالة من أحد القراء تعقيباً على المقال المذكور ، جاء في الرسالة: إن مشكلة المرأة مشكلة شاملة، ولا يمكن حصرها بالمشاركة السياسية للمرأة وحدها. فالمشاركة السياسية من زاوية العلوم السياسية لا تنحصر بالمرأة، بل تشمل الرجل ، أي أنها مشكلة مجتمع مدني وبناء...ألخ
صحيح كل المشاكل التي تعاني منها المجتمعات البشرية في الوقت الراهن هي مشاكل تدخل في باب مشكلة المجتمع المدني ، لكن مشكلة الرجل في إطار المشاركة السياسية ليست كما هي عند المرأة ، هذا عدا عن نظرة المجتمع المتمثل في الرجل نفسه إلى نوع المشكلة التي تخص المرأة فقط ، فعدم إعتراف الرجل بالمشكلة هي أساس المشكلة ، و عدم وعي المرأة نفسها بمشكلتها تلك هي المصيبة ، فنحن الآن لسنا بصدد إعتراف الرجل بالمشكلة و محاولته المشاركة في حلها ، و إنما نحن الآن في صدد أن تعي المرأة نفسها أن هناك فعلاً مشكلة و هذه المشكلة تتطلب منها إقداماً حقيقياً نحو البحث عن الحلول ، فالمجتمعات البشرية الأبوية التي تسودها سلطة الرجل الأوحد في البيت و العمل و السلطة السياسية لا تؤمن أساساً بوجود مثل هذه المشاكل ، و هذا يذكرني بوضع أكراد سورياً فالنظام السوري يقول أنه ليس هناك مواطنون أكراد في سوريا ، فأغلقت على نفسها أبواب ، فلو قالت أن هناك كورد في سوريا لكان عليها أن تعطيهم حقهم ، هذا هو حال النظم الدكتاتورية ، و هكذا هو حال المرأة في المجتمعات المتخلفة ، الرجل فيها لا يعترف أساساً بوجود المرأة حتى لا يعطيها حقها في التعليم و العمل و السياسة ..و ما إلى ذلك..و حتى إذا إعترف بوجودها فإنه يمارس في حقها كل أنواع القهر و الظلم ..
من هنا فإن الممارسة السياسية لا تعني بالضرورة الإنتماء إلى حزب سياسي معين ، بقدر ما يعني أن يكون للمرأة حضور في المجال السياسي و حضور في المناصب القيادية و السياسية ، بالتالي أن تكون قريبة من السلطة و أن يكون لها صوت مسموع ، لكن شرط أن لا يكون حضورها مثل مزهرية على منضدة أو صورة داخل إطار أو أي شيء يوضع في مكان ما للزينة ، و إنما المقصود هنا بالحضور هو الحضور الفعال و تفعيل المباديء التي دفعتها إلى تولي ذلك المنصب ، أو تلك التي دفعتها لتتولى تلك المهام و تشارك في إنتخاب نفسها مثلاً لمجالس البلديات أو عضوية البرلمان أو أي منصب سياسي آخر...
لا أنكر أن إقتحام المرأة المجالات الإجتماعية و العلمية الأخرى في البلد أمر ضروري و ربما هو الخطوة الأساس ، لكن لو بقيت تمارس حقوقها من خارج إطار السلطة و إكتفت بنشاطها في مجالات بعيدة عن مجال القرار السياسي و إكتفت بأن يدار شؤون البلاد من قبل الرجل و أن تستمع هي فقط إلى نشرات الأخبار ، فلن تكتمل بذلك صورة المرأة داخل بلد يخطو نحو الديمقراطية ، فأن تكون هناك عناصر نسوية في الدرجات العليا من سلم السلطة السياسية هذا يسهل أمور كثيرة تناضل من أجلها المرأة ، و يجعلها في وضع أقوى في مواجهة دكتاتورية المجتمع و الدين و الرجل..
و هنا يجب القول أن تولي المناصب ليست عملية صورية ، أي أنها مناصب دون صلاحيات ، أو مناصب دون مقدرة على إتخاذ القرار أو القيام بالواجبات على أكمل وجه ، فلدينا بالفعل نسوة دخلن المجال لكن كم من تلك النسوة أهل لتلك المناصب ؟ أو كم واحدة منهن تم إختيارهن على اساس مؤهلاتهن و إمكاناتهن ، و ليس على اساس أنها قريبة فلان و زوجة الشهيد فلان أو زوجة فلان في الحكومة..
عن نفسي أينما قرأت شيئاً مفرحاً عن المرأة فرحت ، و أينما قرأت شيئاً محزننا عن المرأة حزنت .. فعندما جرت الإنتخابات البلدية في المملكة العربية السعودية و سمعت من المذيع في إحدى الفضائيات العربية في نشرة الأخبار عندما قال بالحرف الواحد "توجه الناخبون الرجال في المملكة العربية السعودية إلى صناديق الإقتراع في أول تجربة إنتخابية من نوعها في المملكة..." و تنقالت بعدها وسائل الإعلام الأوروبية نفس الخبر ، فبعد تلك اللحظة لم تعد نتائج الإنتخابات تهمني بقدر أن أعرف لماذا لم تشارك المرأة في تلك الإنتخابات؟ لماذا تحرم المرأة من أن تشارك في مثل هذا الحدث التأريخي؟ ماهي الحجج؟ هل هناك نص قانوني بقضي بعدم مشاركة المرأة في الإنتخابات ؟ أم إلى ماذا يستند السعوديون في إجحافهم هذا في حق المرأة ؟ هل هي الشريعة ، هل هو عدم أهلية المرأة و تقصيرها على صعيد المشاركة السياسية ، أم نظرة الرجل إليها على أنها دون المستوى المطلوب للقيام بمهامها السياسية و القيادية داخل منظومة الحكم ؟ فكان أن إتصلت بأحد أصدقائي الصحفيين الذي يعمل محرر في صحيفة الإقتصادية التي تصدر يومياً في السعودية عن طريق البريد الألكتروني و سألته عن سبب عدم مشاركة المرأة في تلك الإنتخابات ؟ فأجابني بأنه تمت مناقشة تلك المسألة و تم الإتفاق على أن يتم السماح لها بتلك المشاركة في التجربة القادمة ، و أن ما تضطلع به المرأة حالياً من مهام و مسؤوليات و نشاطات و مشاركاتها في مجالات أخرى يغنيها عن تلك المشاركة و هي متفهمة لهذا الوضع .." و ما إلى ذلك من حجج لم تقنعني بطبيعة الحال ، فوفق كل القوانين من غير الممكن أن تعتبر نتائج مثل تلك الإنتخابات شرعية و سليمة على الأقل في نظري ، لأنه لم يسمح ببساطة لنصف المجتمع بأكمله بأن يمارس حقه الطبيعي في إنتخاب ممثليهم في البلديات و ذلك النصف هو "المرأة"...
فأي مجتمع لم يسمح فيه بدخول المرأة مجالاً مثل المجال السياسي فهو مجتمع يسوده نظام دكتاتوري لا محالة ، و إن أي نظام حكومي يكتفي بأن ينحصر دور المرأة في المجتمع في مجالات أخرى بعيدة عن السياسة و تولي مناصب حكومية و بعيداً عن دائرة القرار السياسي ، فهو نظام دكتاتوري تعسفي لن تشرق فيه شمس الديمقراطية مالم يفتح الباب أمام دخول المرأة في تلك المجالات..