مسئولية الأنثى عن التحرش



نصارعبدالله
2012 / 9 / 4

مسئولية الأنثى عن التحرش؟ د/نصار عبدالله
قدر لى بالمصادفة أن أشاهد حلقة تليفزيونية استضاف فيها مقدمها فنانة معروفة تعرضت للتحرش مؤخرا، حيث قامت سيادتها ـ يؤيدها فى ذلك مقدم البرنامج ـ بتوجيه نقد لاذع وقاس إلى أولئك الذين يحاولون أن يحملوا الأنثى التى تتعرض لهذه التجربة المؤلمة مسئولية ما تعرضت له بمقولة إن الزى الذى ترتديه هو فى الغالب ما يجلب لها التحرش . وقد استندت الفنانة ( ويؤيدها أيضا مقدم البرنامج فى هذا الإستناد) إلى أن المحجبات والمنقبات كثيرا ما يتعرضن أيضا للتحرش ، وبالتالى فإن التحرش هو مسئولية المتحرش وليس مسئولية المتحرش بها ، وعلينا من ثم أن نتصدى للجناة وحدهم دون أن نحاول إلقاء اللوم على ضحاياهم . وعندما حاول واحد من أصحاب المداخلات أن يوضح أن هناك من الحالات ما تكون فيه المسئولية مشتركة بين الطرفين: ( المتحرش ، والمتحرش بها ) ... ناله ما ناله من التقريع ما سواء من الفنانة الضيفة، أومن المحاور المستضيف فى آن واحد، و بغض النظر عن أن المحاور قد خالف الحياد المفترض فيه وانحاز بشكل صارخ إلى إحدى وجهتى النظر ، فإننى هنا أود أن أقول إن الإعفاء الكامل والمطلق للأنثى من سائر أنواع المسئولية أيا ما كان الزى الذى ترتديه وأيا ما كان السلوك الذى تسلكه قد يكون فى حالات بعينها موقفا متعاميا عن الواقع أو متعاليا عليه . صحيح أننا إذا ركزنا على ما ينبغى ، وفقط على مستوى ما ينبغى فليس من حق أى شخص أن يتحرش بأنثى سواء بالفعل او باللفظ أو بالنظر حتى لو كانت تسير شبه عارية أو حتى لو كانت عارية فعلا!! . أما على مستوى ما هو كائن فإن الأمر يختلف حيث نجد أن المنظومة الثقافية للمجتمع الذى تتحرك الأنثى فى إطاره سوف تعبر عن نفسها بالضرورة، وسوف تترجم نفسها بالضرورة إلى أفعال معينةعندما تتجاوز الأنثى حدا معينا من الزى أو السلوك عما يعد مألوفا فى تلك الثقافة ، وليس بوسع الأنثى أن تعتصم بمنظومتها الثقافية الخاصة حتى لو كانت من وجهة نظرها أرقى وأكثر إنسانية وأخلاقية من منظومة المجتمع الذى تتحرك فى إطاره . وهنا ينبغى عليها أن تأخذ تلك المنظومة فى الحسبان ، وفى حالة سلوكها على نحو يستفزتلك المنظومة بقدر معين فإنها يقع عليها جانب من المسئولية وإلا كانت متعالية على الواقع أو متعامية عنه. وذلك خلافا لما ذكرته الفنانة وأيدها فى ذلك مستضيفها من أن المتحرش لا يفرق بين محجبة ومنقبة وسافرة ، وبالتالى فإن المسئولية تقع عليه وحده فى جميع الحالات !!ربما يكون ما ذكراه كلاهما صحيحا فى جانب منه، غير أننا لسوء الحظ ليس لدينا إحصاءات موثقة عن معدلات التخرش بالمنقبات والمحجبات مقارنا بمعدلات التحرش بغير المحجبات أوباللواتى يرتدين أزياء غريبة وغير مالوفة ، وليس بوسعنا من ثم أن نقرر ببساطة إنه طالما أن هناك حالات تحرش بالمحجبات والمنقبات فلا علاقة للزى بالتحرش ، والمسئولية تقع بالتالى على المتحرش وحده . إن الوصول إلى هذه النتيجة يحتاج إلى إحصاءات عديدة موثقة وإلى حساب دقيق لمعامل الإرتباط بين الظاهرتين . فإذا ما أردنا أن نرتكن إلى الإنطباع الأولى ، فإن الإنطباع الذى يقودنا إليه المنطق البسيط يقول لنا إن المتوقع أنه كلما ازداد شذوذ الزى عن المألوف كلما ازدادت احتمالات التعرض للتحرش . لا حظ أننى ما زلت أتكلم عن الواقع الكائن فحسب، وهو ما حاولت الضيفة ومستضيفها الإيحاء بأنه لا يعرف فرقا بين ضحايا التخرش من المحجبات والمنقبات وضحاياه من غيرهن ، وأنا لا أستطيع أن أرفض بشكل قاطع هذه المقولة التى قالت بها الفنانة ومستضيفها، ولا أستطيع أيضا أن أؤيدها بشكل قاطع ، لكننى أطالب المشتغلين بعلم الإجتماع فى جامعاتنا المصرية ، وكذلك الباحثين فى المركز القومى للبحوث الإجتماعية ، أطالبهم بأن يقوموا ببحوثهم حول هذه الظاهرة وأن يقدموا لنا إجابات علمية موثقة ، وأظن أننا فى هذه المرحلة أحوج ما نكون إلى مثل هذه الدراسات.
[email protected]