المرأة بين حضارات الشرق والغرب



حسين محمود التلاوي
2012 / 9 / 19

هناك فرضية شديدة الانتشار في كثير من الدوائر الغربية المعنية بموضوع المرأة بأفضلية الحضارات الغربية على الشرقية في مسألة التعامل مع المرأة، وهو الاعتقاد الذي انتقل إلى المجتمعات الشرقية، التي تشهد انتهاكات واسعة لحقوق المرأة مقارنةً بنظيرتها الغربية. وقد انتقل هذا الاعتقاد بحيث بدأت بعض الأوساط الشرقية ترى أن الانتهاكات الحاصلة في حقوق المرأة بالشرق — مقارنة بما تناله من حقوق في الغرب — هو أمر من خصائص المجتمعات الشرقية ويضرب بجذوره في تاريخ هذه المجتمعات.
إلا أن هذا الاعتقاد ليس صحيحا. ولكي يكون كلامنا موثقا مستندا إلى دلائل علمية وغير مرسل ولا مطلق على عواهنه، نورد في الأسطر القادمة مقارنة بين أوضاع المرأة في الحضارتين الإغريقية والرومانية كممثلتين للميراث الحضاري الغربي وبين الحضارة الفرعونية باعتبارها واحدة من الحضارات الرئيسية في الشرق، إلا لم تكن الحضارة الأكثر رئيسية في الشرق إن جاز التعبير. وسوف تكون المقارنة سريعة للغاية، نظرا لأن المقام ضيق ولا يتسع لإجراء مقارنة موسعة بين الحضارات الثلاثة. وسوف تقتصر المقارنة على نبذة عامة عن أوضاع المرأة في ظل الحضارات الثلاثة، ودور المرأة في المجتمعات الثلاثة.

المرأة في الحضارة الإغريقية
يقول المؤرخ البريطاني و دي بورج في كتابه "تراث العالم القديم" في طبعة مكتبة الأسرة الصادرة عام 1999 بالقاهرة: "أعلن ميناندر أن باب المنزل هو حد المرأة الحرة"، مضيفا أنه "لم يكن للنساء دور في حياة أثينا العامة المدونة". كذلك أشار في الجزء الخاص بـ"تذكرة إضافية" والذي خصصه للحديث عن واقع المرأة في المجتمع الإغريقي إلى أن أرسطو ذكر أن "النساء يختلفن عن الرجال في النوع، وعندهن نقص في القدرة العقلية" والقدرة الخلقية، ولو أنهن لا يفتقرن كليا إليهما". وخاطب أرستطاليس النساء قائلا: "كوني طيبة أيتها الفتاة الحلوة، ودعي من له القدرة" في دعوة صريحة للمرأة لكي تترك مسئولية إدارة شئون الحياة للرجل.
ويلقي الكاتب يوسف يوسف في مقال له بجريدة (الاتحاد) الكردية المزيد من الضوء على نظرة أرسطو للمرأة فيقول: " وحول طبيعة العلاقة بين الاثنين:الذكر والأنثى، فقد قال بأنها التي تنشأ بين الأعلى والأدنى، أو على غرار تلك التي تنشأ بين الحاكم والمحكوم بالتعبير الآخر. ونظرة أرسطو ليست مجردة، وهي انعكاس لإيمانه العميق بأن بذرة الرجل، هي التي تتقدم عادة بالمبدأ الفعال، وبما يسميها الروح العاملة في عملية التناسل، في حين ينحصر دور الأنثى بتقديم المادة التي يعمل فيها هذا المبدأ، ولا دور لها آخر سواه".
أما عن رأي سقراط، فحدث ولا حرج! فيكفينا منه ما قاله من أن "من أراد أن يقوي على طلب الحكمة . فليكف عن تملك النساء على نفسه"!
إلا أن رأي أفلاطون كان مخالفا لهما، حيث أعطى للمرأة دورا كبيرا في جمهوريته ومدينته الفاضلة، إلى الدرجة التي أوصلها معها إلى أهليتها بأن تستطيع تولي منصب "الملك الفيلسوف". ولعل ذلك يرجع إلى الأوضاع التي المتردية التي كانت المرأة تعانيها في أثينا على الرغم من كل الانفساح الفكري والفلسفي الذي كان سائدا في أثينا في تلك الآونة. ولكن المؤرخ دي بورج يرجع تلك الأوضاع إلى أن الإغريقي لم يكن يعلي من شأن الأسرة في مقابل الانتماء للمجتمع.
وحتى الآلهة التي كان يعبدها الإغريق كانت تمثل النساء فيها الجانب الشرير؛ حيث كانت حيرا واحدة من أسوأ الشخصيات في الميثولوجيا الإغريقية. كما جعلوا من فينوس إلهة للجمال والفتنة، دون أن يمنحوا دورا للمرأة يتناسب مع كونها نصف المجتمع. وفي الأساطير أيضا أن باندورا هي السبب في انتشار الألم بين الناس!!

المرأة في الدولة الرومانية
تكفينا نظرة على ما قاله المشرع الروماني جايوس من أنه "توجب عاداتنا على النساء الرشيدات أنفسهن أن يبقين تحت الوصاية لخفة عقولهن"!! وذلك وفقا لول ديورانت في كتابه "قصة الحضارة"، مضيفا في جزء يتعلق بملكية الأرض بأن الطريقة نفسها التي كان الرجل يضع يده بها على الأرض هي التي يضع يده بها على المرأة، فيقول: "بهذه الطريقة طريقة الملك بالانتفاع أو وضع اليد كانت المرأة التي تعاشر رجلاً عاماً كاملاً لا تغيب عنه فيه ثلاث ليال تصبح ملكاً له"!
كذلك أوضح ديورانت في كتابه أن شرائع الجمهورية تفترض أن المرأة "لا حق لها على نفسها Sui Iuris مطلقا بل إنها على الدوام خاضعة لولي من الذكور"، مؤكدا أن الاهتمام المفرط بالنساء بعد زوال هذه الوصاية هو السبب في انهيار الإمبراطورية الرومانية لانكباب الرجال على الوله والافتنان بالنساء، ويذكر للإمبراطور "إنجازا تاريخيا" في أواخر عهد الدولة بأنه أصدر "مرسوماً يجعل من حق النساء أن يتصرفن في أملاكهن كيفما شئن بشرط أن يحصلن قبل ذلك على موافقة أوليائهن"!
وفيما يتعلق بالعبادات، كانت أفروديت تلعب الدور نفسه الذي لعبته فينوس لدى الإغريق، فيما خلى الدين الروماني من المرأة القوية الفاعلة المؤثرة في مجتمع الآلهة.

المرأة عند الفراعنة
نأتي إلى الحضارة الفرعونية باعتبارها ممثلة للحضارات الشرقية في هذا الموضوع على الأقل. كانت المرأة الفرعونية تتمتع باحترام بالغ في المجتمع، ولا أدل على ذلك مما ورد في كتب التاريخ من أن عرش الفراعنة اعتلته النساء لفترات ليست بالقصيرة. ومن بين النساء الملكات حتشبسوت، خامس فراعنة الأسرة الثامنة عشر، وحكمت من 1503 ق.م. حتى 1482 ق.م. وتميز عهدها بقوة الجيش والبناء والرحلات التي قامت بها. وهي الابنة الكبرى لفرعون مصر الملك تحوتمس الأول وأمها الملكة أحمس، وذلك وفقا لموسوعة ويكيبيديا.
وعلى الرغم من المشكلات التي واجهتها في بادئ الأمر بسبب كونها امرأة، إلا أن المصري القديم بما كان يتمتع به من قدرة على تقبل المرأة، استطاع تقبل وجودها في الحكم، وأصبحت واحدة من أنجح الحكام في تاريخ مصر القديم، وربما تاريخ العالم ككل. فقد اهتمت حتشبسوت بالأسطول التجاري المصري؛ فأنشأت السفن الكبيرة واستغلتها في النقل الداخلي لنقل المسلات، التي أمرت بإضافتها إلى معبد الكرنك تمجيدا للإله آمون أو إرسال السفن في بعثات للتبادل التجاري مع جيرانها، واتسم عهدها بالرفاهية في مصر والسلام.
كما يقول بسام الشماع الباحث التاريخي وشيخ المرشدين السياحيين المصريين في حوار صحفي مع جريدة (اليوم السابع) المصرية في 22 نوفمبر 2009 إن المرأة كانت متعلمة مثقفة ووصلت إلى مراكز ريادية تفردت بها الحضارة الفرعونية؛ حيث ظهرت فيها أول وزيرة للصحة في التاريخ وهى سيشيت الطبيبة الملكية المشرفة على الأطباء فى البلاط الملكى 2500 ق.م. ويمكن ضرب المزيد من الأمثلة بأسطورة إيزيس وأوزيريس، التي مثلت الإخلاص الذي كانت عليه المرأة لزوجها، إلى جانب تقدير الفراعنة لها بإظهارها على هذا القدر من الوفاء.
وعلى الرغم مما يمكن أن يقال من أن المرأة في الحضارات الشرقية الأخرى كانت مهانة مثل الحضارة الفارسية، نقول إن التكريم لم يكن في الفرعونية وحدها، فنجد في الحضارة العربية شخصية الملك بلقيس التي حكمت سبأ، وهو ما يعني أن المرأة كانت تحظى بالتكريم في بعض الحضارات الشرقية بينما كانت في أدنى مستوى لها في حضارات أخرى شرقية أيضا.
إذن، يمكن القول إن الحضارات الشرقية ليست هي الشر المطلق فيما يتعلق بحقوق المرأة، بل إنها تفوقت في نموذج الحضارة الفرعونية على الكثير من الحضارات الغربية، وبالتالي، فإن الاتهام الموجه للشرق حاليا بأن الانتهاكات في حقوق المرأة التي تتعرض لها المرأة — على اعتبار أن المرأة في الغرب تحظى بكامل حقوقها ولا تستغل كسلعة ولكن لهذا موضوع آخر — ليس لها جذور تاريخية؛ فالانتهاك يأتي في إطار منظومة متكاملة من الاستبداد والديكتاتورية؛ فإذا ما سادت الديمقراطية، تحسنت حقوق المرأة؛ لأنها الأضعف في المجتمع، والمجتمعات الإنسانية تعمل حاليا بمبدأ "البقاء للأقوى" و"شريعة الغاب". فإذا قضت الديمقراطية على هاتين الآفتين، انتصرت المرأة، وحصلت على حقوقها.
******