المرأة ليست نصف الذكر



سيد القمني
2012 / 9 / 23


الخليفة عمر ألغى فريضة إسلامية بعد تغير الأحوال

ارحموا نساءنا فهن الحنان مقابل قسوة الذكور

محترفوا التكفير يبحثون عبر الصحف عن الذكر قارىء الفتن

مرة أخرى نخوض فى المحظور و ندخل منطقة الخطر ، فالحديث عن المرأة فى مجتمع يراها مجرد حرمة ، عورة ، متاع للسيد الذكر ، ولا يرى لها وظيفة خلقت من أجلها سوى إمتاع سيدها و راحة بعلها و منحه العديد من البنين الذين هم زينة الحياة الدنيا ، هو حديث سبق أن جرنا إلى دروب المحاكم ووضعنا فى مواقف الإتهام فى العقيدة و أمام القانون ؟!

كان ذلك فرصة اقتنصها السادة الذكور الأماثل للتكفير و التحريض و إهدار الدم عبر صحف تبحث عن قارىء بضجيج الفتن ، و كتب تم تكريسها لفتاوى مشايخ آخر الزمان و ليس للرد المنطقى الهادىء حول القضايا المطروحة و مدى منطقية الطرح ، و صلاحه لشئون البلاد و العباد.

و حيث نرى القضية جزء لا يتجزأ من قضايا الحريات و التقدم من أجل أجيال أكثر علما و معرفة و عطاء و إبداع ، ومن أجل وطن يعيش الزمان و يتفاعل معه و يتسنم موقعه بين الأمم الذى يليق بتاريخه الحضارى العريق ، نرى أن القضية قضية حريتى كذكر و أنها يجب أن تمر عبر حرية الأنثى فى المجتمع لأنها نصف الآداء و الإبداع الممكن فى الوطن.

و كانت الغرابة و الدهشة أن ينص دستور البلاد على أن جميع المواطنين يتساوون فى الحقوق و الواجبات بصرف النظر عن اللون أو الجنس أو العقيدة ، ثم تحاكمنا محاكم الدولة لأننا نخلص للدستور و نحترمه و نطالب بتفعيل مواده ، ولا يخفى على أحد أن السر وراء هذا التناقض فى موقف الدولة لا يخرج عن إحتمالين

فإما أن هذه المادة الدستورية قد وضعت تجملا أمام الدنيا دون إيمان حقيقى بمحتواها ،

أو أن الدولة قد انساقت فى المزايدة على دعاة الإسلام السياسى إلى حد رأيناه فى إدخال مواد على الدستور لم تكن فى بنيته التأسيسية و تتضارب مع بقية نصوصه ، كما فى نص احتساب الشريعة الإسلامية المرجعية الرئيسية للتشريع ، و هو بالطبع الإفتراض الأرجح ، و جميعنا يعلم هذا بوضوح.

و إيمانا منا بالمواد المدنية بالدستور احتراما لتلك المواد المدنية ، و إيمانا بأننا لا نخرج على عقيدتنا الحنيفية بل نقول إسلاما فى إسلام ، نؤكد مبدئيا أننا نرى المرأة كائنا كاملا عاقلا راشدا لا تقل شأن عن أى ذكر ، و أنها أبدا ليست مجرد متاع ، و أنها أبدا ليست مجرد نصف ذكر ، فهى قد كون طبيبة أو محامية أو عالمة متخصصة منتجة مبدعة ، وإن الذكر قد يكون رجلا خامل الشأن ، مجرد كائن عالة على الوطن ، ولا يستحق أحيانا القوت الذى يمنحه له هذا الوطن.

لقد سبق أن حوكم مفكرون و حوكمنا معهم لا لذنب حقيقى ، فط لأننا أعلنا أمانينا الوطنية فى تفعيل المواد المدنية للدستور بأن تأخذ المرأة المصرية مكانها فى المجتمع حتى يمكنها أن تؤدى دورها فى العطاء ، و أن توضع فى مكانها الإنسانى اللائق ، و قد سبق أن قلنا أن أهل القبلة لا يكفرون مسلما يتمنى أو يتساءل.

و هنا سنطرح مبررات التمنى مع التساؤلات عسانا نظفر بمجتهد من رجال الدين ذوى المكانة ، نفتح أمامه أبواب التاريخ ليدون على مدخلها إسمه بين من أعطوا للوطن و بذلوا من أجله ، نطرح ما نطرح عسانا نظفر بشيخ جليل يود أن يسجل إسمه إلى جوار السيد جمال الدين الأفغانى و الشيخ الجليل محمد عبده ، لأننا لا نقول أننا نقدم إجتهادا بقدر ما نقدم تساؤلات و أمانى و مبررات هذه الأمانى المشروعة و المنطقية.

على مستوى مسألة التوريث يعلم كل مسلم أنها قد تغيرت بتغير الواقع و مستجداته خلال حياة الرسول نفسه ثلاث مرات ، لأن القرآن لم يأتى دفعة واحدة مثل ألواح موسى بل جاء مفرقا منجما تغيرت أحكامه و تبدلت بتغير الواقع و تحركه ، فتفاعل مع الواقع و انفعل به و فعل فيه.

أولى الآيات حول الميراث جعلته لذوى الأرحام دون تحديد أنصبة ، و لمن كان له عقد موالاة ، حيث كان بعض الناس قبل الدعوة ، يتحابون لدرجة أن يتعاقدوا عقدا يجعل كل منهما وليا للآخر يرثه عند موته ، و قد أقرت الآيات هذه العقود فقالت : “ و لكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان و الأقربون و الذين عقدت أيمانكم فآتوا نصيبهم “ 33 ــ النساء.

و بعد ذلك تم نسخ هذه الآية بآية جديدة هى آية الوصية : “ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين و الأقربين بالمعروف حقا على المتقين“ 180 ــ البقرة.

و لم يلبث الأمر على حاله ، فالواقع سريع الحركة ، فتحرك الوحى مغيرا ناسخا ما سلف بالآية : “يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين“ 11 ــ النساء.

و كانت تلك آخر آية بخصوص الإرث تواصلت بها السماء مع الأرض ، حيث توقف الوحى برحيل النبى ص إلى الرفيق الأعلى ، و عندها توقف المسلمون حتى اليوم رغم مرور أكثر من 1400 سنة حدثت فيها متغيرات كبرى و هائلة.

و من جانبنا.. ربما نفهم من تتالى آيات بأحكام ثلاثة أنه كان درسا للمؤمنين ، فلو أراد الله حكما صارما قاطعا واحدا لكان قادرا على تبيانه مرة واحدة دون تغيير أو تبديل ، و إذا كان للتغيير و التبديل حكمة فلا شك أن الحكم تحتمل أكثر من فهم ، و الفهم المتعدد يحتمل القول أن ذلك كان درسا للمؤمنين للإعتبار ، و أن الإسلام ليس متجمدا ثابتا ، بل إن للمسلمين دورا متحركا فاعلا فيه ماداموا هم المؤمنون به ، و أن المعنى هو أن يتغيروا بتغير المستجدات فى الأحكام التى تتعلق بحياتهم و معاشهم ولا تمس جوهر العقيدة و الغيبيات المطلقة.

و بهذا المعنى أفلا يكون تغير الحكم ثلاث مرات خلال حياة الرسول و ثباته بعدها مدعاة للقول بجمود الأمة خلال أكثر من ألف و أربعمائة عام بعدها جمودا صارخا حرصا على مبدأ الشخصية الثقافية الثابتة الواحدة.

ربما يجد قارئنا فيما نقول هنا مجرد إفتراض يمثل إندفاعا غير حميد فى الفهم ، لهذا سنضع هنا أهم مبررات هذا التمنى و التساؤل منطقيا و شرعيا.

لقد وعى الفقه الشيعى الدرس فجعل البنت كالولد تحجب الميراث ، لكن الفقه السنى رفض أن تحجب البنات الميراث حتى لو كن عشرات ، لكن هل يجرؤ مجترىء على تكفير الفقه الشيعى لهذا السبب سوى من يظنون أنهم المطلعون على المقاصد الإلهية مباشرة؟

هل توقفت الأمة عن ولادة فقهاء كبار يملكون الجرأة الكافية لقول يتمثلون به أسوة باجتهاد الخليفة الراشد المجتهد عمر بن الخطاب ، الذى لم يجتهد فى حكم ، بل وصل به الأمر إلى إلغاء سهم الؤلفة قلوبهم رم نص الآية الكريمة على أن هذا السهم : “فريضة من الله“ 60 ــ التوبة. بقول صريح فصيح و نص لا يحتمل لبسا ولا تأويلا؟

لقد ألغى الخليفة عمر فريضة إسلامية صريحة بعد أن تغيرت الأحوال و قوى شأن الإسلام ولم يعد بحاجة إلى شراء إيمان الناس ، لقد غير عمر و أمضى اجتهاده و نفذ قراره و فرضه و تم العمل به حتى اليوم ، بينما لم يكن قد مضى على وفاة النبى ص سنوات تعد على أصابع اليدين ، و نحن لا نريد تييرا ولا تبديلا بعد مضى القرون الطوال السوالف.

سيرد علينا من يقول : و لكن هذا هو الصحابى الجليل و الخليفة الراشد و أحد المبشرين بالجنة و صهر الرسول ص و ليس مثلنا مسلما يعيش فى بواكير القرن الحادى و العشرين. و هنا نرد بأن تلك حجة عليكم لا علينا ، فكل تلك الصفات فى بن الخطاب ميزات له فى عالم الخلد لكنها أبدا لا تعطيه قدسية ، فهى له و ليست علينا ، فلم يكن يأتيه وحى حتى نرضى باجتهاده بعد أن رفعت الأقلام و جفت الصحف وما الرضا به إلا لمعقوليته و ليس لقدسية صاحبه.

إن الشائع بين الناس عن قدسية لحقت بالصحابة معلوم أن سببها علماء الحديث الذين أعطوا الصحابة وضعا فوق بشرى ، و ذلك برض المساواة فى الحديث بين عمر بن الخطاب وآخرين من الرواة مثل أبى هريرة و ابن عباس ، حتى لتجد أبا هريرة فى علم الحديث أهم من الصحابة الخلفاء الراشدين مجتمعين ، حتى ضرب علماء الحديث بشهادة ابن الخطاب كل الحوائط لأنهم لو أخذوا بها لحذفوا مئات الأحاديث المنسوبة إلى أبى هريرة ، و مثله أيضا عبد الله بن عباس الذى كان له من العمر سنوات عشر عندما توفى الرسول.

ولا بأس علينا ولا حرام ولا جرم نرتكبه إن ذكرنا و تذكرنا أن علم أصول الفقه قد تم وضعه بعد عمر بن الخطاب بعشرات السنين ، فلم يعلمه الخليفة و علمناه نحن فأعطى من يريد الإجتهاد ميزة إضافية اليوم ، ناهيك عن العلم الحديث بكشوفه و منجزاته ووسائله التى تساعد مجتهد اليوم ولم تكن فى طائلة عمر ابن الخطاب. ثم إن القاعدة الفقهية تقول “ إن العلة تدور مع المعلول وجودا و عدما “ و العلفة فى جعل المرأة نصف ذكر هى أن الذكر يدفع مهرها و يعولها هى و أولادها ، لكن ذلك كان فى الأزمنة الغوابر ، و المرأة اليوم دخلت كل ميدان بعد تغير أوضاع الدنيا وأصبحت تعمل و تربح وتعول البيت بدورها ، بل و تضيف إلى عملها فى الدواوين عملها فى البيت تفضلا منها و مكرمة ، وهكذا زالت العلة فما الحكمة فى بقاء الحكم المعلول؟

سيرد علينا هنا أهل التعصب الذكورى أن المرأة تظل رغم ذلك ناقصة ، لأنها تحمل وتلد و تحيض وهو ما يمنعها من آداء الفرائض فى مواقيتها ، و يبقى الرد : هل إنتقص ذلك من إنسانيتها أو من إسلامها فأصبحت من غير المسلمين ؟ خاصة أن عدم آدائها الفرائض لأسباب فسيولوجية جاء بأوامر دينية و ليس عن إرادة ورغبة منها.

وتظل الدهشة تزعجنا و تشككنا فى ذلك الموقف شديد التعنت من قضية المرأة بالتحديد وبالذات ، و التركيزعلى المرأة وميراثها وحيضها ولباسها وفتنتها حتى تأخذنا الشكوك كل مأخذ فى الحالة النفسية و الهموم الجنسية لهؤلاء المتعصبين ، وفى مدى حقيقة ما يعلنون و صدق ما يبطنون لأن هناك ماهوأجدى بهديرهم وصراخهم وفيه للأمة النفع العظيم ، إذ لم نسمع منهم صوتا جهيرا لتنفيذ أحكام الدين فيما يتعلق بزكاة الركاز على المعادن وأهمها البترول بالطبع ، و التى لو تم تطبيقها لرفعت الفقر عن كل بلاد المسلمين

فأين صوتهم؟

أم أن المركز القدسى البترودولارى له أثرآخر فيؤمنون ببعض الكتاب و يغضون الطرف عن بعضه؟ وهل لذلك علاقة بعيشهم الهنىء وطعامهم المرىء

مجرد تساؤلات بريئة إزاء تشددهم فى قضية المرأة و إزاء قضية فقر بلاد المسلمين رغم أنها محلولة بزكاة الركاز ، و هى القضية الأجدى بالصراخ من قضية الميراث والحجاب والطمث ، والأهم هنا أن تبريرهم لنقص المرأة بعيوب خلقية فسيولوجية مردود عليها بالقرآن نفسه فنقرأ الآيات الكريمة و هى تتابع : “ فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك و إن كانت واحدة فلها النصف و لأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك “ 11 ــ النساء.



هنا أيها السادة حالة مساواة واضحة لم تضع بإعتبارها الحيض و النفاس كعلامات نقص ، فمن مات وكان له أخ أو أخت أو والدان أب و أم تساويا فى الميراث. الأمر إذن ليس لعيب جسدى يعوق المرأة عن أن تكون إنسانا كامل الأهلية و إلا ما تساوت الأخت مع الأخ و الأب مع الأم

الكلمة الأخيرة أسمعونا صوت عراككم من أجل رفع الفقر عن كاهل المسلمين ، طالبوا أيها السادة بزكاة الركاز لعلكم ترحمون ، و ارحموا نساءنا فهن أخت ووالدة وإبنة ، كما تميزن بالحيض تميزن بحنو ورحمة لا يعرفها الذكور ، و هنا الخلاف الفسيولوجى ، و هنا أثره الحقيقى و نتيجته ، الحنان الأنثوى الذى يجعل الحياة تخضر أمامنا مقابل القسوة الذكورية الغشوم التى تصيب حياتنا بالجفاف و التصحر.