جامعات لوَأْدِ النِّساء!



جواد البشيتي
2012 / 9 / 23


وما زالت شجرة "ولاية الفقيه" تُعْطي ثمارها، أو مزيداً من ثمارها، في إيران؛ فالمرأة، أيْ الطالبة الجامعية، ما عاد لها الحق، في بعضٍ من الجامعات، وبموجب قرار أصْدَرته الحكومة المتفرِّعة من "ولاية الفقيه"، في دراسة نحو 77 مادة (أو تَخَصُّصاً) جامعية؛ ولقد وُصِفَ هذا القرار الحكومي، في بعضٍ من البيانات الرسمية، والذي بدأ تنفيذه، بأنَّه "اختباري (تجريبي)"، و"جزئي"؛ وشَرَعَ مؤيِّدوه (من المتعصِّبين لـ "ولاية الفقيه") يتحدَّثون عن "الدَّافِع النبيل" إلى استصداره، ألا وهو "الحِرْص على حقوق ومصالح ومكانة المرأة" كما عيَّنَتْها "الشريعة الدينية (الإسلامية)"؛ فالحيلولة بين المرأة وبين هذه التخصُّصات (التي أُقِرَّ للرجل بحقِّ احتكارها) سيَحُول (مستقبلاً) بينها وبين "شَرَّ البطالة"؛ كما سيَحُول بينها وبين "شَرَّ العنوسة"؛ وثمَّة "بَرَكَة ثالثة" له هي "استقرار الأُسْرَة (مع زيادة الإنجاب)"؛ فلقد تأكَّد لصاحب "ولاية الفقيه"، والذي يَنُوب عن "الإمام الغائب (المعصوم)" في قيادة "الأُمَّة"، وإقامة "حُكْم الله على الأرض"، وجود "صلة سببية" بين ارتفاع منسوب التعليم (والوعي والثقافة) لدى المرأة (الإيرانية) وبين ارتفاع منسوب الطلاق في المجتمع.
وهذا "الحِرْص" على المرأة إنَّما هو، والحقُّ يُقال، جزءٌ من كُلٍّ، أيْ جزءٌ من "حِرْص" أعم وأشمل وأوسع، هو "حِرْص" سُلْطَة الفقيه (على الناس في عصر الغيبة الكبرى) على تخليص وتنقية عقول ومشاعر وأذواق "الرَّعية" من "الشوائب"، والتي هي كناية عن الثقافة العالمية؛ فالفلسفة والموسيقى والفن والآداب العالمية إنَّما هي جميعاً "رِجْسٌ من عَمَل الشيطان"؛ ولا بدَّ لـ "ولاية الفقيه" من أنْ تَمْنَع "الرَّعية" من تعاطيها؛ ولقد ذَكَّرني هذا "الموقف ـ الفتوى" بفقيه من "أهل السنة والجماعة" أفْتى بتحريم الاستماع إلى أغاني فيروز؛ لأنَّها امرأة، وصوت المرأة "عَوْرَة"!
وإنَّ في الأمْرِ لَسِرَّاً، كَشَفَهُ وأماط اللثام عنه فولتير، رحمه الله، إذ قال إنَّ الرَّجُل (مع مجتمعه وحضارته) يَعْبُد المرأة ما ظَلَّت له عَبْدَة وجارية؛ فإذا سَعَت في نَيْل حرِّيَّتها وحقوقها، وانتزعتها، غَدَت "الشيطان الرجيم" الذي ينبغي له (مع ما يتمتَّع به من سُلُطات زمنية وروحية) أنْ يحاربه بلا هوادة!
والمرأة في إيران، ولِكَوْنها تَعي جيِّداً حقوقها المهضومة، وما أكثرها، وتسعى (وتُصارِع) لنَيْل حقوقها وحرِّيَّتها، متَّخِذةً من العِلْم سلاحاً تخوض به معاركها كافَّةً، هي نِصْف المجتمع الذي فيه تتركَّز المعارَضة والمقاوَمة لسُلْطَةٍ جُبِلَت على العداء لحرِّيَّة النساء، أو للمرأة الحُرَّة؛ لأنَّ المرأة لا يُمْكنها أنْ تنال حرِّيَّتها من غير أنْ تَجْعَل المجتمع كله حُرَّاً؛ وكيف للمجتمع أنْ يَغْدو حُرَّاً إذا ما كان (أو ظلَّ) نِصْفُه، أيْ النساء، "أقَلِّيَّة (سياسية وثقافية واقتصادية..)"؟!
"الفيزياء النووية"، مثلاً، هي الآن، في إيران، للذكور، أو الرِّجال، دراسةً، واختصاصاً، ومهنةً؛ أمَّا السبب الذي يِسْتَذْرِعون به فهو "سوق العمل"؛ فأسياد هذه السوق، وغالبيتهم من معشر الرِّجال الأُوتوقراطيين، يَسْتَكْرِهون (لسبب اقتصادي موضوعي!) توظيف النساء في كل صناعة تَمُتُّ بصلة إلى هذا الاختصاص الجامعيِّ الرفيع؛ فما العمل؟
لقد حَلُّوا "المشكلة"، على افْتِراض أنَّ في الأمْر مشكلة حقيقية، ليس من طريق جَعْل هذه السوق تتَّسِع للنساء، صديقة لهُنَّ، أو أقل محاباة للرجال، وإنَّما من طريق التضحية بحقوق النساء؛ فلا أسهل، ولا أرخص، من الحلول التي تشبه "بيت الطَّاعة"، تُعاد إليه كل امرأة شَقَّت عصا الطَّاعة، وامتَثَلَت لأمْر نيتشه إذ خاطبها قائلاً: "لا تقفي متردِّدةً حائرةً بين خنوع نَعَم وتمرُّد لا"!
والقائل بأهمية وضرورة جَعْل الفَرْق في الجنس فَرْقاً في التعليم الجامعي لا رادع يردعه عن جَعْل الفَرْق في العِرْق واللون والدِّين.. أيضاً فَرْقاً في التعليم نفسه، لا بَلْ في الحقوق السياسية والانتخابية والثقافية.. ؛ فلقَد ثَبُتَ وتأكَّد، في التاريخ، أنَّ مُضطَّهِد المرأة لا رادع يردعه عن ممارَسة الاضطهاد الطبقي والقومي والعرقي والدِّيني..
هُمْ الآن يتسربلون بالحِرْص على "الزواج الوطيد المديد"، وبِدَرْءِ "أبغض الحلال عند الله" عن الحياة الزوجية، وبإدامة نِعْمة التكاثر على الأزواج؛ فَلَمَّا تَبيَّن لهم، وتأكَّد، أنَّ "الشَّرَّ الإبليسي" يكمن في "المرأة المتعلِّمة الواعية المثقَّفة العاملة الحُرَّة" كَمِنوا له، وتَرصَّدوا، مُسَدِّدين "السَّهْم"، أيْ هذا "القرار الحكومي"، إلى هذا "العدو"؛ وكأنَّ "المرأة"، ولجهة حقِّها في التعليم الجامعي، هي جزء من ضغوط "الشيطان الأكبر" لثَنْي طهران عن المضي قُدُماً في "برنامجها النووي"!
إنَّه لـ "عَصْرُ الغيبة (غيبة المعصوم)"؛ ولا عزاء لنساء إيران في هذا العصر؛ لكن رُبَّما يأتيهِنَّ الفَرَج بانتهاء "الغيبة الكبرى"، وتعجيل الله فرج "المعصوم"، وعودته بعد طول غياب، ليملأ الدنيا عدلا وإنصافاً!