تعدد الزوجات جريمة



عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
2012 / 9 / 28

في زمانهم، كان أجدادنا القدماء يبيعون ويشترون بعضهم بعضاً كالبهائم في أسواق النخاسة، مكبلين بالسلاسل والأساور الحديد من أيديهم وأرجلهم، وأحياناً من ورقابهم، مخافة الهرب. في زمانهم، كان ذلك عادياً ومقبولاً وتقر به وتنظمه وتصونه وتعاقب من يخرج عنه آدابهم وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم وقوانينهم ودساتيرهم وكتبهم المقدسة، على كثرتها. في زمانهم، كان أجدادنا القدماء يتزوجون من بناتهم وأخواتهم وسباياهم، مثنى وثلاث ورباع وخماس وسداس وعشار...لأقصى ما تستطيع أن تملك أيمانهم، أي لأقصى ما يستطيع أن يمسك منهن بقوة قبضة ساعده الأيمن، سواء عن طريق السبي بحد السيف، أو الشراء من الأسواق بحر ماله، أو الحصول عليهن بطرق أخرى أكثر رحمة وإنسانية عبر الإهداء أو الهبة أو الزواج المشهر. في زمانهم كذلك، ما كان أجدادنا القدماء يرون عورة أخلاقية في عرض الأطفال والصبايا والفتيات والنساء الإماء سبايا الحروب والقنص عرايا في الأسواق لمن يدفع أكثر من الزبائن؛ وما كانوا يرون عيباً أخلاقياً في الفحش والعهر والدعارة التي كانت منتشرة في كل بيت في ذلك الزمان، لأن الرجل منهم ما كان يرى عيباً في أن يكرم ضيفه أو يهاديه بإحدى جواريه أو إمائه أو محظياته اللائي كانت تملك يمينه الكثيرات منهن، وكان هو نفسه بالطبع يستطيع أن يعتليهن جنسياً، بجوار زوجاته المتعددات، كيفما ووقتما وأينما شاء دون أي شعور بالظلم أو الافتئات أو العيب. كل ذلك وأكثر، في زمانهم وعرفهم، كان عادياً وعادلاً وأخلاقياً. كان عصر قوامه القوة الغاشمة؛ كان الرجل بألف امرأة، يستطيع أن يشتري ويعاشر ألف ألف طفلة وامرأة، لا زوجات أربعة فقط.

ثم جاء العصر الحديث بمفاهيم حديثة وثقافة حديثة حررت الإنسان من الرق والعبودية لأخيه الإنسان، وعتقت المرأة من وصاية وسيطرة وجشع الرجل وأعطتها الشخصية المعنوية والقانونية الكاملة والمستقلة في مساواة تامة مع الرجل. انتهى عصر الجواري والعبيد، العصر الذي كان باستطاعة الإنسان فيه أن يبيع ويشتري ويمتلك إنساناً آخر مثله، يعتدي عليه وينتهك حقوقه ويعامله في كل شيء معاملة الكائن البشري من الدرجة الثانية. انتهى إلى غير رجعة التفريق والتمييز بين البشر على أساس لون البشرة أو الجنس، بحيث لم يعد يوجد أي فرق أو ميزة ما بين الإنسان الأبيض أو الأسود، أو بين الذكر أو الأنثى. لأول مرة في التاريخ يصبح الكل سواسية كأسنان المشط حقيقة- مواطنون متساوون في كل الحقوق والواجبات. ثقافة العصر الحديث تساوي في كل شيء بين الرجل والرجل، والمرأة والمرأة، والرجل والمرأة، تحمي الجميع وتحفظ حقوق الجميع وتلزم الجميع أيضاً بتأدية واجباتهم بالشكل الذي تقره وتنظمه وتصونه وتعاقب من يخرج عنه الآداب والأخلاق والعادات والتقاليد والأعراف والقوانين والدساتير الحديثة والمعاصرة، والمواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية. ثقافة العصر الحديث ألغت الرق والعبودية (اتفاقية إلغاء الرق والعبودية، 1926)، وألغت أيضاً كافة أشكال التفرقة والتمييز ضد المرأة (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، 18 ديسمبر 1979). نفس هذا العصر الحديث هو الذي وضع "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، 1948"، الذي ينص في المادة 1: "يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء"؛ وفي المادة 2: "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء"؛ وفي المادة 4: "لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما"؛ وفي المادة 7: "كل الناس سواسية أمام القانون...كما أن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تميز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا."

تعدد الزوجات، فكراً وتطبيقاً، كانت جزء لا يتجزأ من منظومة الرق والعبودية القديمة، تلك المنظومة الثقافية المبنية على حق القوة الغشوم في أن تسلب وتنهب وتقتل وتغتصب وتغنم كل ما تقدر عليه دون محاسبة أو مساءلة. كان لا يعيب الرجل أن تملك يمينه من الرجال مثله الآلاف خدماً وعبيداً له، ولا من الأطفال والنساء الجواري والمحظيات آلافاً مؤلفة أخرى، ولا من الزوجات أربعة. في الأساس كانت المساواة بين البشر منعدمة، من ثم لم تكن ثمة شائبة ضمير أو أخلاق في قيام علاقة قانونية واجتماعية موثقة ومعترف بها بين الأسياد والعبيد، بحيث يعاقب العبيد على الخروج أو محاولة الخروج منها بقسوة أشد مئات المرات من العقوبة التي يلاقيها اللصوص والقتلة هذه الأيام. في ظل نفس هذا النظام القديم الذي لا يقر ولا يقبل المساواة بين البشر، لم يكن يخالف الآداب والأخلاق والأعراف والقوانين السارية أن يجمع الرجل الواحد بين أكثر من امرأة واحدة، حتى أربعة، في وقت واحد.

على أساس المساواة التامة بين البشر رجالاً ونساءً، القانون الآن يجرم الرق والعبودية ويعاقب كل من يمارسهما أو يساعد فيهما. وحيث أن تعدد الزوجات، فكراً وتطبيقاً، جزء لا يتجزأ من منظومة الرق والعبودية، يصبح تعدد الزوجات جريمة لابد أن يعاقب عليها القانون.