بلا مرافق إنت أحلى



مها الجويني
2012 / 10 / 5

سيدتي الكريمة لما تحتاجين مرافق في سفرك ؟ سؤال طرحته و لا لزلت اطرحه على العديدات ممن يخترن مرافق عند السفر وذلك أسوة بما جاء في الشريعة الإسلامية من وجوب محرم عندما ترغب المرأة في أن تغادر وطنها قبل أن تذهب إلى مكان أخر .
طرحت هذا السؤال الجريء على بنات من الوطن العربي ذوات المرافقين عند السفر، في ملتقيات حقوقية أو في إطار عملي كمدربة في مجال حقوق الإنسان . الأجوبة لا تختلف عن بعضها بل كلها تدور حول نظرة المجتمع إلى البنت التي تسافر دون مرافق و حكمة الشريعة في ذلك، حسب رأيهم أن حُكم المرافق هو تكريم للمرأة و حماية لها .فبوجود المرافق : الأب ، الأخ أو الإبن تكون المرأة محمية و مصانة و لا يتجرأ أحد عليها .
ما يثير دهشتي أننا في عصر الانترنت و التكنولوجيا المتطورة و الإتفاقيات و الصكوك الدولية لا نزال نحن أمة الإسلام ننقاش حق التنقل و كيفية حماية المرأة في ذلك و نسهب في ذكر محاسن رابعة العدوية و أخلاقها الحميدة و نلقي المحاضرات في الحياء و أخلاق المرأة و طاعتها لأهلها كل هذه الجهود تأتي تحت شعار :"الإسلام هو الحل" و"خيارنا الشريعة" و" يا أمتي إستيقظي "
جاء في الأثر في بعض الأحاديث النبوية :"لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم و لايدخل عليها رجصلل إلا و معها محرم" رواه البخاري ، و روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :" لا يحل لإمرأة تؤمن بالله و اليوم الأخر ان تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم " رواه مسلم . و إستنادا على هذه الأحاديث تصدر فتاوى تحريم تنقل المرأة دون محرم . و يقوم رواد الصحوة الإسلامية من الوهابيين و دعاة السلفية بتوزيع ملصقات و ورقات تهدف إلى للزوم المرأة البيت و تحرم سفرها و خروجها و سفورها في إطار حماية الأسرة الإسلامية من البدع ومن العادات الغريبة التي ستفسد المرأة حسب إعتقادهم .
رغم تغير المجتمعات والبنى التحيتية و تغير الثقافات و تعدد الوسائل الحمائية يرى أصحاب الفتاوى أن شر الأمور محدثتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار و وفق بذلك يتم رفض التكنولوجيا أو على اللأقل تطويعها في في سبيل النهوض بمجتمعاتنا . ألا يستوجب هذا التطور العلمي إعادة النظر في فتاوى القرون الماضية ؟
وسائل النقل المتعددة و المجهزة و المؤسسات الأمنية و الأجهزة الإستخباراتية التي تتمتع بها أنظمتنا العربية ألا يمكن لها أن تقوم بتسهيل عملية تنقل المرأة و منحها بعض التحرر ؟
نعود لوظيفة المرافق الذي يؤدي دور الرقيب و الشاهد على تصرفات المرأة ، يحضر المرافق عند سفر المرأة حتى يرافقها في حديثها مع الرجال الأجانب و في لقائتها في مختلف الإطارات :محل تجاري ، مؤتمر ، ملتقى حقوقي، حوار تلفزي أو صحفي ... وفق مبدأ المرافق المرأة كائن فاقد للأهلية غير قادر على حماية نفسه ولا يستطيع التصرف دون سند أو عون أو حماية أو رقيب إن صح التعبير . و هكذا نسلك طريقنا إلى أمجاد السابقين أيام الفتوحات الإسلامية و عهد هارون الرشيد و الخلافة الإسلامية الممتدة من أقصى الشرق الى حدود بلاد الإفرنج .
دعاة اليوم يتفاخرون بأمجاد ماضي قام إزدهاره على التفتح و التحرر و التسامح حيث كانت صالونات الفكر و الأدب بالأندلس تديرها النساء و كانت المرأة في الخلافة العباسية تقول الشعر و تشارك في العمل الإجتماعي و السياسي . المتحاذقون في التغني بانجازات إبن سيناء و أبن رشد و أبن الهيثم أراهم تناسوا أن الفقيه الغزالي تفاخر بإشرافه على حرق كتب إبن رشد أحد أعمدة الفكر الإنساني في القرن 11 عملا بأمر خليفة السلاجقة في ذلك الوقت . كذلك إبن سيناء لاحقه الخليفة الغزنوي و أمر بقتله و بإتلاف كل مخطوطاته لأنها تدعوا لإعمال العقل و العلم و هذا مخالف للأصولية الدينية القائمة على التقليد و الجمود لا على الفكر و الإبداع .
من يتفاخر بنساء الإسلام أرجو أن يردوا على أسئلتي : هل كان السيدة لعائشة زوجة النبي مرافق في واقعة الجمل ؟ عندما كانت تحرض الناس على الحرب ضد سيدنا علي ؟ هل كان لخولة بنت الأزور مرافق عندما حملت السيف و دافعت عن دينها ؟ هل كان لزينب بنت السيدة فاطمة البتول مرافق و رقيب عندما قالت ليزيد ابن معاوية :"أمن العدل يأبن الطلقاء تخديرك حرائرك و إماؤك و سوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهن و أبديت وجوههن " ...
يرى المفكر الإسلامي المعاصر فريدون هويدا في كتابه الإسلام المعطل أن تدهور أوضاع المرأة يشكل سببا أخر لتراجع الحضارة الإسلامية ، ففي الثقافة البدوية لم يكن وضع المرأة محمودا إلا أنه شهد تحسنا كبيرا نتيجة الاحتكاك بالحضارات الأكثر تقدما في البلدان التي بلغها الفتح الإسلامي" . فعلى سبيل المثال السيدة سكينة إبنة الحسين و حفيدة النبي صلوات الله و سلامه عليه كان يقتدى بها في الأزياء و تستقبل في بيتها أهل العلم و الأدب من رجال و نساء ، و ٌيقال أيضا أن حفيدة الخليفة أبي بكر الصديق كانت تخرج سافرة الوجه و تلتقي برجالات العلم و الأدب .
لكن مع سيادة التزمت و الأصولية لم تعد المرأة إنسان عاقل بل كومة من التعاليم و المراسيم و الواجبات و الالتزامات ... كائن فاقد للأهلية و ووعاء حمًال للشهوات ... من أنت سيدتي ؟ أنت جزء من العالم ... و فيك ما أهو أثمن مما بين الفخذين .
فيك عقل و روح و عينان و قلب نابض للإنسانية ، يدك هي من حملت أعلام الوطن وإمتدت لكل ما احتاجته الإنسانية ، أنت الأم أنت الحماية .. أنت المٌواطنة وروحك فدائية ... صوتك حب وفيه الشجاعة العربية ..أنت الوطن و الوطن كرامة و حرية .
ما دور المرافق و أنت مكتملة العقل و تحملين كل مزايا الحضارة ؟ بلا مرافق أنت مواطنة ... بلا مرافق أنت أقوى بلا مرافق أنت أحلى ...