المرأة العراقية و الفرصة التاريخية



نجيب المدفعي
2005 / 3 / 4

إنّ عملية التغيير السياسي- الاجتماعي التي تضطرب، في يومنا هذا، في العراق تتطلب قراءة متفحصة لأجوائها و تشخيصا دقيقا لأدواتها من قبل مختلف مكونات المجتمع العراقي. و في مقدمتهم - حجما- يأتي المكون النسوي الذي يمثل الكتلة الأكبر. فهل تنجح المرأة العراقية في انتهاز هذه الفرصة و تـُنظـِّم صفوفها و تـُسخـِّر الأدوات المتاحة من أجل إحراز أكبر المكاسب- و هي حق مشروع- من اللعبة السياسية التي نأمل أن تستمر و تقنـًّن دستوريا.

و اغتنام المرأة للظروف المتاحة لا يعني أننا، معشر الرجال، نريد من المرأة أن تكمّـل و تجمّـل صورة المشهد السياسي العراقي. و بالمقابل يمكن للرجال، و مجمل الشعب، الإفادة من الكتلة النسوية بما يقود إلى الإيغال أكثر في العملية الديمقراطية و تعزيز سلطة القانون.

على المرأة العراقية أن لا تتوقع منحها مكاسبا و مواقعا متقدمة و مؤثرة، بل عليها انتزاعها في مجتمع يسيطر عليه الرجل منذ آلاف السنين. فنحن نسمع، هذه الأيام، أصوات نسائية-هامسة- تطالب بـ (منح) المرأة حقوقها الدستورية و السياسية...الخ، في حين إن واقع الحال يستلزم من الشريحة المطالـِبة بحقوقها، تفعيل الآليات المتاحة لـ (انتزاع) الحقوق.

فعملية (المنح) لا تأتي بالضرورة بأشخاص ذوي مكنة و كفاءة بقدر ما تأتي بأشخاص (يـُجمِّـلون) الصورة، و هؤلاء يبقون ممتنين لـِمَـن (منحهم) هذه العطايا و بالتالي الشعور بالاستلاب أمامه. في حين إن عملية (الانتزاع) تجعل مَن يحقق مكسبا يتمسك به لأنه يحسّ ُ بقيمته، و هي عملية ـ أي الانتزاع ـ تفرز أشخاصا تفاعلوا مع عملية المخاض التي قادت إلى تحقيق المكسب و بالتالي فهم ذوي قدرات تجعل الآخر شريكا لهم و ليس مهيمنا عليهم.

و أنا هنا لا أدعو إلى تمرد نسوي غير منضبط، بقدر ما أدعو المرأة العراقية لتنظيم صفوفها و إيجاد قواسم مشتركة فيما بين الكيانات النسوية و تحديد أهداف لها أرضية اجتماعية يمكن العمل على تحقيقها. إن ترتيب الأفكار و تنظيم الجهود يمكن أن يكون بعدة اتجاهات، فمثلا يمكن أن تأخذ مجاميع نسوية على عاتقها التأكد من تضمين الدستور القادم فقرات تحفظ للمرأة حقوقها، و لا أقول مساواتها لكي لا نقفز بعيدا عن الأرضية الاجتماعية. في حين تعمل مجاميع أخرى على التحرك ميدانيا بين النساء للتعرف على تطلعاتهن و تعريفهن بالآفاق التي يمكن أن يرتدنها و رفع مستوى هذه التطلعات من خلال التثقيف المستمر.

إن النجاح في تضمين الدستور بالفقرات أعلاه لن يكون كافيا لكي يحفظ للمرأة كرامتها، ما لم تتحرك التنظيمات النسوية لإيجاد و استنباط آليات لتفعيل مثل هذه الفقرات. فعلى سبيل المثال يمكن للمرأة العراقية الإفادة من المؤسسة التربوية التي يشكل الكادر النسوي ثقلا أساسيا فيها، و بالتعاون مع وزارات التربية و المرأة و حقوق الإنسان، لتثقيف النشء الجديد بثقافة حقوق الإنسان و احترام المرأة.

إن تحرك المرأة بشكل فعّـال و أخذ دورها يسهم أيما إسهام في حماية المجتمع العراقي. فالمرأة بطبيعتها غير ميالة لاستخدام العنف لتحقيق تطلعاتها، و بالتالي فهي لن تلجأ إلى التغيير المسلح الذي كان ـ و مازال ـ سائدا في العراق. و هذا سيستلزم منها إجتراح و تفعيل آليات أخرى ـ حضارية ـ لإبقاء دورها حاضرا و مؤثرا في الساحة. إنّ هذه الآليات الحضارية ستخدم ـ بالنتيجة ـ مجمل المجتمع العراقي.

و كلمة لمن ينظرون للمرأة نظرة دونية، لا أريد أن أضرب أمثلة بعيدة عنكم تاريخيا و جغرافيا، و لكن لينظر كل منكم لمن حوله من النساء من أقارب و معارف، و أكاد أجزم بأنه سيكتشف امرأة أو أكثر كافحت و ما زالت تكافح من أجل أسرتها و تستحق الاحترام و التبجيل. لقد استطاعت المرأة العراقية أن تثبت عمليا قدرتها على الاضطلاع بكثير من المسؤوليات الوظيفية و الأسرية خلال الحرب العراقية الإيرانية. و هي لعمري تجربة أنتجت العديد من الكفاءات النسوية التي تحتاج إلى تحفيز و تنظيم عملها في الفترة الراهنة.

إني لأجد بائعة الخضروات و الفلاحة و العاملة والممرضة و المعلمة و الطبيبة، و تلك التي ينطفئ نور عينيها جرّاء انكبابها على ماكنة الخياطة و غيرهن كثيرات، لأحقّ ُ في أن يتقدمن الصفوف من أولئك الذين لم يجن ِ العراق منهم غير العنجهية و الشعارات الفارغة.