نغم .. والغول .



حامد حمودي عباس
2012 / 10 / 13

اسمها .. نغم
صفحات وجهها المزدانة بكل ألوان الدنيا ، توزع أحاسيس الحب الجميلة على من تخالطهم ، فتجعلهم ، بعيدين عن الشعور بأن الموت هو نهاية كل حياة ..
شفاهها المليئة بعصارات ثمار البرتقال ، تستدعي الروح المحرومة لأن ترتشف شهدها حتى الثمالة ..
خطواتها وهي ترفع أطراف قدميها ، تعزف لحنا يحمل إيقاعا يشبه إيقاع سمفونيات الحروب ، يثير في دواخل النفس البشرية أحاسيس الهيبه .. إنها لا تمشي كما نمشي نحن البشر ، بل تطفو على سفوح عالمها المشحون بسحر الجمال .
نغم .. حينما تبتسم يبتسم العالم ..
جفونها المورقة على الدوام ، تقترب من بعضها البعض أحيانا ، فتوحي للناظر بأنها تمد أفكارها إلى عوالم الكون البعيده ..
حزمة لا نهاية لها من الأفكار تسكنني وأنا أتحاور معها في شأن ما .. إنني أرى عيونها وكأنها حمم بركان تنطلق إلى هناك ، حيث الأعالي ، لتشكل دوائر حلزونية ينعدم في داخلها السكون ، فهي لا تريد أن ينتابها أي سكون ليقطع عنها حركتها السرمدية الأخاذه .
كم هي جميلة نغم ، تلك الفتاة التي تجاوز بها العمر متعديا الخامسة والعشرين .. هاهي تتحدث معي وشعرة قد تمردت من بين صفوف خيوط الحرير ، منسابة فوق خدها المميت ، معلنة بأن للأنوثة سحر لم تستطع الإلمام بسره جميع كتب الأولين والآخرين .. خيالي المجنون لا يريد أن يرتد عني كعادته في مواقف كهذه .. فيأخذني قريبا منها لأتحسس أنفاسها الحارة ، تلفح جبهتي وتدورعلى صفحة وجهي بهدوء حتى تبلغ اسفل ذقني ، وفجأة يهاجمني إحساس بقشعريرة تشعرني وكأنني أتشضى في محيطي مقتربا من حالة إغماء لا تطول ، أفيق بعدها على وقع لحن حديثها الجميل .
نغم .. لا تريد ان تخبرني شيئا عن حقيقة ذلك الغول ضخم الجثة ، والذي يمتطيها كل ليلة قسرا وبلا استئذان .. فأنا اعلم بكامل قصتها دون أن أفصح لها بذلك ..
غول أشبه بالوحش الذي يهاجم بجعات الرائع جايكوفسكي في بحيرتهن ، ليحول بينهن وبين حلمهن المنشود ، يرافقها لياليها المعتمة ، فيحفر في جسدها بمعوله الملطخ بالإثم ، ليتركها جسدا مسجى لبرهة من الوقت ، ثم تستعيد قواها ببطيء ، وتذهب الى الحمام وهي تنتحب وبكل ما فيها من أصول إنسان .. في حين يبقى هو يمتص سيجارته على سرير الواقعة ، وسعاله يمتد الى ابعد ركن من أركان المنزل .
كيف لمن برعوا في وصف كوارث التاريخ ، أنهم أغفلوا كارثة لقاء بين أمرأة وغول ؟ .. كيف فاتهم أن يصفوا ملايين الأجساد الأنثوية ، وهي تتمزق كل ليلة تحت ثقل حيتان بشرية أجازت لها سنن الغاب أن تلتهم لحوم حوريات ؟ .. كم هو مفزع أن يطرق باب الخيال ، منظر امرأة تلقيها قسيمة زواج لتبقى طول العمر ، رهينة لمن لا تحب ؟ ..
ويستمر خيالي الملعون بفعله ليتسلل الى هناك ، حيث سرير الموت ، فتشخص أمامي أقوى فصول التعسف .. امرأة تلونت بلون الزهر ، يدوفها جسد مترهل ، يلهث كأنه فرس النهر ، ينطلق كألريح ، فيخلط جميع ألوان اللوحة الراقدة تحته ليجعلها باهتة لا لون لها ولا معنى .. فتشعر هي بآلام تشبه آلام تقلصات الطلق قبل الولاده .. كل شيء فيها طارد .. جميع أعضائها مستنفره .. ساقاها لا تريدان الانبساط فيصيبهما ما يشبه التشنج .. فمها مقفول بكل اقفال الدنيا ، وضيق التنفس ينتابها كلما هبط ذلك الغول على جسدها فاغرا فاه ، ينفث ريحا ملوثة آتية من أعماق جهنم .
أية جريمة يمكنها أن تدنو ببشاعتها من تلك الجريمة ؟ .. ترى لماذا توصم امرأة كهذه بالخيانة ، لو أنها لطمت هذا الوغد بنعال عتيق على صفحة شاربه ، وعانقت من يمنحها الحب ويعيدها إلى آدميتها السليبه ؟ ..
كيف لي أن أسرق نغم منتزعا إياها من كهف العذاب ، وأطير بها الى أعالي الفضاء ، مسلطا عيون نسر على أودية عالم آخر لا تسكنه الغيلان ، ومن هناك أهبط بها على صدر شاب يحمل في قلبه حنان عاشق صادق المشاعر ، ثم أقف على تلة يعمرها العشب ، وأمتع حياتي بهما وهما يتعانقان وسط معالم الفرح النقي ؟ ..
قسيمة الزواج المشرعنة قسرا ، ومحاكم التفتيش الحديثه ، وأعراف مجتمع فاقد للرشد .. تقف جميعها أمامي ، لتحبس نغم في دهاليز العدم .. وتبقيني مذبوح بسكين العجز فلا أستطيع غير العض على الأنامل .