المرأة ... من العبودية الى الفوضى



رينا ميني
2012 / 11 / 1

نصف المجتمع ومربية النصف الآخر، تلك هي المرأة وتلك حالها مذ وجدت على الأرض. حملت ألقاباً شتّى وشغلت العالم بقضيتها التي باتت كقضية موطئ رأسها الشرق لا حلّ لها. وربما ستفضل كذلك قضية معلّقة حتى نهاية الأزمنة. فعلى الرغم من اختلاف العصور والآراء، وعلى الرغم مما نشهده اليوم من انفتاح وتطوّر، إلا أننا ما زلنا بصدد البحث عن نهاية سعيدة وخاتمة نهائية لقضية المرأة في هذا الشرق الذي وصمنا بالعار لأننا... نساء.
حتّى اليوم ما زلنا نسمع صراخ آلاف النساء المطالبات بالحريّة، وبالمقابل أصوات تأفف الرجال من وضع محيّر في طبع ذلك المخلوق الغريب. فهل سيأتي يوم نضع فيه حدّا قاطعاً لهذا الصراع الأزلي الأبدي بين طرفي المجتمع؟ والسؤال الأهم هل تعرف المرأة معنى الحرّية التي تنادي بها؟
لا يخفى على الجميع أن المراة ومن أزمنة غابرة كانت مستعبدة ومحتقرة، ومجرّدة من صفاتها الإنسانية. وتوالت عليها سنون من الذل والوحشية، فمن جارية الى محظية، ومن مستهلَكَة الى... ذلك التاريخ المشين الذي ما زلنا الى يومنا هذا نحاسب الرجل على صناعته، نسينا أو تناسينا عمدا مشاركة المرأة في حصاد ما زرعته. فمن استسلم للقاتل خلع عنه وصف الضحية وحمل لقب المنتحر.لا بدّ لنا من الإشارة ان هنالك الكثير من النساء اللواتي رفضن الظلم وتحدين واقعهن ودفعن دمهن ثمنا لحقوقهن، ولكننا لم نسمع بهن قط فشبيهاتهن كتمن أصواتهن بالانكسار والاستسلام خوفاً من جبروت طاغية أو تعنّت عديم الرحمة. إذن ليس فقط الرجال من قتلوا النساء وانما الأسوء أن النساء قتلتهن ايضاً.
ومن حيث لا ندري، تمّت معجزة أدّت الى نهضة للأسف لم تدم، فلاحت بالافق أسماء ما زالت تتردد على مسامعنا. أسماء دفعت من وقتها وصحتها وبذلت كل الجهد لإصلاح عجز التوازن. أسماء لم تناضل من أجل المرأة وحسب بل كان الهدف الأسمى بناء وطن سليم معافى. وأشهرها: قاسم أمين، هدى الشعرواي، ابن رشد، الشيخ رفاعة الطهطاوي، الصحافي أحمد الشدياق، عبد الرحمن الكواكبي، الشيخ محمد عبده، وكثيرون ذهبوا في قضية المرأة حتى النهاية، معتمدين الأدلّة والبراهين والمنطق.
ودخلنا في عصر ذهبي اضحت فيه المرأة فعالة كالرجل، طبيبة، ومحامية وقاضية وألقاب لا حصر لهاأعادت لها قيمتها الحقيقية، القيمة الانسانية. إلا أن هذا العصر اصطدم باجيال سابقة لم تنفك يوماً عن محاربة البصيرة وتأبى إلا أن تقبع في الظّلمة. وللمفارقة أجيال من الرجال والنساء، رجالاً احسّوا بضياع ذكوريتهم، ونساء متمسكات بعبوديتهن خائفات من عالم جديد مجهول وأخريات كسالى اعتدن حياة الترف، فاكتفين بما حصلن عليه من أثمان بخسة رماها لهن اصحاب المصالح ليسكتوا ضجيجهن. وخفت صوت الحق ليعلن عن قدوم عاصفة هوجاء ناتجة عن عصور من الحقد وعن عدم ادراك لمفهوم الحرية الحقة وعن غريزة مكبوتة للسير نحو "الاسترجال". ريح الفوضى هبّت من كل جانب معلنة انحدارنا لعصر انحطاط جديد ساحقة امامها قيما ومبادئ واخلاقا اصبحت المراة من خلالها متفلّتة، منحلّة، مهملة، نصف المجتمع ومدمرة النصف الاخر.
معمعة طويلة ودوامة اطول، أصبح فيها عدو المرأة الاول هو المرأة نفسها، فالمتحررات ضيعن هباء تعب الأحرار، وبنو الجنس الواحد انقسموا الى شطرين: بين مشقة الدفاع عن الصورة الحقيقية للمرأة وبين جهل يضرب عرض الحائط سنوات العبودية والحرية.
ان اردنا حرّية المرأة فعلا، وجب علينا أمران:
الأول، أن تعود المرأة الى العقل والمنطق وان ترجع نحو الاعتدال وان تصحح ما تهشمّ من مرآة قيمتها وصيتها.
والثاني ننطلق كي نطلب من الرجال ان يستنيروا ويغيّروا ما علق في اذهانهم من رواسب الماضي وان يفهموا ان المراة مساوية للرجل بالانسانية كل المساواة وان يتخلوا عن ذكوريتهم ويكونوا رجالا.
المرأة كالوطن، يحتضن الجميع والكلّ يمزّق فيه، فافيقوا وافقن....