ليست أميرة وليست جوهرة



إبرام رأفت
2012 / 11 / 10

منذ عقود قليلة، كانت الثقافة العامة في الولايات المتحدة تحط من شأن الأمريكان السود ذوي الأصول الأفريقية. وبالغ البعض في احتقار السود لدرجة اعتبارهم نجاسة لا يطاق التعايش معها، وأطلقوا عليهم ألفاظاً للسخرية كالنسانيس السوداء. وبناء على هذا صدر وقتها قانون «جيم كرو» الذي يفصل تماماً بين البيض والسود في جميع مناحي الحياة العامة، حتى في وسائل المواصلات وفي استخدام صنابير المياه.

ونتيجة لهذا الاحتقار، نشأت حركة شعبية سوداء سُميَّت «حركة الحقوق المدنية»، طالبت بإنهاء هذا الاحتقار المهين للسود وإنهاء هذا الفصل العنصري الغير مبرر. ولأنه نادراً ما يعترف شخص عنصري بجريمته، أخذ بعض البيض الرافضين لحركة الحقوق المدنية في تبرير تصرفاتهم الحمقاء والدعوة لاستمرار قانون «جيم كرو» تحت مسمى «متساوون لكن منفصلون».

وفي بلداننا المتحدثة بالعربية الآن، هناك من يكررون سيناريو «جيم كرو» بتمييزه العنصري ولكن تجاه المرأة. فهناك من الرجال من اعتبر المرأة نجاسة لدرجة عدم مد يده لمصافحتها تحت أي ظرف حتى لا يصيب سيادته مس من نجاستها. وهناك من أطلق العديد من عبارات السخرية على النساء، بل أن هناك من طالب بتطبيق سيناريو «جيم كرو» بحذافيره بالمطالبة بالفصل الكامل بين الذكور والإناث في وسائل المواصلات والجامعات وجميع مناحي الحياة. ولو كان لابد من تواجدها أمامه في الشارع مثلاً، فيجب إخفائها عن أنظاره بوأدها في قطعة كبيرة من القماش حتى لا يتنجس برؤيتها.

وكما برر العنصريون لقانون «جيم كرو»، ها هم العنصريون الآن يبررون أيضاً تلك التصرفات البغيضة تجاه المرأة. فيحاولون ترديد المغالطات وإقناع الرأي العام المجتمعي بأن النساء في بلداننا تعامل كالأميرات. فالأميرة تحيا في قصرها بعيداً عن أنظار الناس. فلا تخالطهم ولا تتعامل مع عامة الشعب، ولا يُسمَح لها بمصافحتهم.
ورغم أن من يرددون تلك المغالطات هدفهم تبرير العنصرية عن طريق استخدام بعض الكلمات الخلابة، إلا أنهم - بدون وعي - صدقوا في جزء كبير من تشبيههم هذا. فهناك ما هو مشترك بين النساء في بلداننا وبين الأميرات في القديم.

فمن قرائتنا لقصص الملوك القدماء، نرى أن الكثير منهم استخدم بناته الأميرات كقطع من الحلوى لمكافئة من يرضونه، بينما استخدم البعض بناته كوسيلة لمد نفوذه وسلطانه وتوسيع مملكته. فكم من قصة قرأنا بأن يعد ملكاً شعبه إن خرج منهم رجلاً شجاعاً وحقق مطلبه سيتم مكافأته بتزويجه لابنته. وكم من مرة قرأنا عن ملك يزوج ابنته لابن ملك آخر ليحصل منه على نفوذ ومزايا.
ففي كل تلك القصص نرى أن الأميرة كانت مجرد شيء منزوع الإرادة يتم استخدامها لتحقيق شهوات الملك من نفوذ وسلطان وغيره. وحقاً هذا هو حال الكثير من النساء في بلداننا، شيء منزوع الإرادة يتم التحكم فيها من كل ما هو ذكر. لا يتعدى دورها في الحياة كونها «مفعولاً به» تتلقى الأفعال دائماً، ولا يُسمَح لها بدور «الفاعل».

أما المغالطة الأخرى التي تتردد بكثافة في مجتمعاتنا لتبرير إقصاء المرأة عن المجتمع والحياة العامة وتهميشها وحجب حتى اسمها عن أن يُعرَف، هي أن المرأة في بلادنا كالجوهرة. فإذا امتلكت جوهرة ثمينة يوماً ما، لن تكون قادراً إلا أن تحفظها في مكان آمن بعيداً عن أنظار الناس وألا تسمح لأي شخص بمعرفتها أو رؤيتها.

والعجيب أن هناك من الفتيات من يسرّهن هذا التشبيه ويرين فيه قيمتهن. ولكني في الحقيقة لا أدرى ما الفارق بين الجوهرة وبين «عصا المكنسة». فكلاهما سلعة وكلاهما منعدم الإرادة وكلاهما يتم التحكم فيه بحسب إرادة ورغبة مالكه. الفارق الوحيد هو أن الجوهرة سلعة باهظة الثمن أما «عصا المكنسة» فهي سلعة متواضعة الثمن. ولكن فيما يتعلق بالإرادة، فلا فرق بين جوهرة أو «عصا مكنسة» أو حتى امرأة ممن استعبدن أنفسهن لمثل هذه الأفكار.

والآن ليت مجتمعنا يكف عن معاملة المرأة كأميرة وجوهرة، وليته ينظر لها على إنها إنسان عادي له كامل الحقوق ومطلق المساواة مع الرجل. بل الأهم أن تتخلص المرأة من نظرتها لنفسها كأميرة وجوهرة وأن تكف عن ترديد مثل هذه المغالطات التي لا هدف من ورائها إلا تبرير العنصرية وتقييد إنسانيتها.