قابيل كردياً:



إبراهيم اليوسف
2012 / 11 / 10

قابيل كردياً:

إلى كوباني وشهيدها البطل ولات حسي

منذأيام، وأنا أحاول الكتابة، عن الدم السوري الذي يسفك، على نحواستثنائي، على يدي من يعتبرسورياً، وذلك من خلال استحضارالأسطورة التي ترى، أن جبل قاسيون شهدأولى جريمة في التاريخ، حيث أن جريمة قتل نصف العالم، إنما تمت في هذا الجبل-تحديداً- وللمفارقة، أنه الجبل الذي يشهدأعظم قصة للإيثارفي تاريخ البشرية، حيث فيه" مغارة الأربعين" التي ترى الأسطوة أنه لجأ إليها أربعون نبياً، هروباً من الظلم المحيق، المحد بهم، ولم يكونوا ليملكون إلا رغيقاً واحداً، كان يقدمه كل منهم للآخر، من دون أن يأكله إلى أن قضوا جميعاً...!؟
طبعاً، هناك الكثير،عن هذا الجبل السوري العالي، صنوعرفات-تاريخياً- والذي كان يحج إليه الناس إلى وقت طويل، مثنى وزرافات، ويمارسون شعائرهم الدينية،ليلة كل وقف، كي يكون بديلاً عن الحجِّ الرئيس، الذي تحول بينهما آلاف الأميال، إلى أن تم إنهاء ذلك، رسمياً، درءاً لأي التباس في أحدأركان الدين، ومن بين مايذكرعنه أضرحة عددمن النبيين، محددين بأسمائهم، كذي الكفل، ويونس، وغيرهما عليهم السلام، يحتضنها هذا الجبل الأشم....!.
والأكثردهشةً، في الأمر، أن هذا الجبل هوالأجدربأن يكون عنوان الحزن العظيم، قبل ولادة الكربلائية، اللاحقة، ولعل في إشارة المصدرذاته، إلى أن جبريل عليه السلام قدنزل إلى المكان لمواساة ثكلى البشرية الأولى، أمَّهم الأولى حواء، وأبيهم الأول، آدم. ثمَّة الكثير، من الكلام هنا، كنت أرغب، في الانطلاق منه للحديث عن الدم الجديد السيال، الدفاق، المسترخص، الثمين، دم أهلنا السوريين، الذي يستعيد أرومة الأسطورة، عبرروح قاتل، آثم، آخر، جسَّدلغة القتل، ليس بالعفوية الأولى التي تمَّت في التاريخ، وجعلتناخاسرين، إلى ماشاء الله، مادام نصف سكان البشرية، أفنوا بفناء هابيل، وإنما عبرالقتل المدروس، المخطَّط له، وما أوسع البون بين قتل يرتكب، خطأ، في مجرَّد جزء من الدقيقة، وقتل بات يستمرمنذ عشرين شهراً، وحتى الآن، كمسرحية، أبطالها محليون، وكومبارسهادوليون، وشهودهاالعالم كلّه..!
إلاأن مادعاني، إلى أن أردف موضوع قتل قابيل لهابيل، بالنعت الكردي، هوما نشهده من سموم الحقدالكردي الكردي، التي باتت تنتشر، وراح ضحايا ذلك، خطفاً، وقتلاً، وسطوة خوف، وقلق، وتوتر، وابتعاداً عن التفكيربالمهمة الرئيسة: إسقاط النظام، وحلّ القضية الكردية في سوريا حلاً عادلاًًًًًًًًً، بعد كل هذا الاضطهاد المقيت، المستمر، منذ عقود من العقل الشوفيني الذي راح يخطط لمحواحداثيات حضورالكردي، في مسرح وطنه، بأسوأ مما تم على يدي شطره الصدامي في العراق، وهوما يحتاج إلى قراءات ودراسات عميقة، لابد وأن تكتب-لاحقاً-في ظل سوريا الجديدة.
وقابيل الكردي، لايزال يظنُّ النقد مؤامرة كونية عليه، والبكاء على الضحية التي يقتلهابكلتا يديه جريمة، وخيانة، ونكراناً لعظمة أناه، ولكي يثبت أخوه الكردي أنه كردي، عليه أن يصفق، إذا ما اختطف كردي كردياً، وأن يرقص ويسبح بحمده، إن انتهك حرمته، وكرامته، وإن كل تفكيرخارج دائرة تفكيره، إنماهي المنكرعينه، وهويشكل أغرب حالة في التاريخ-طراً-لأن كل من يقوم بممثل هذه الممارسات، إنما يبحث، في ما إذاكان حريصاً على أخوته لأخيه، أن يبدي الندم، ويفكربالعودة إلى جادة الصواب، لا أن تدفعه ذهنيته لاختراع أسباب تخوين من يقول له: لا، وهوالقائل:لا، لمن هوأشد ظلماً، وطغياناً،في الأصل.
إن حادثة إطلاق النار، في كوباني، على المتظاهرين الكرد، وقتل أحدهم-في إطارسجل خاص لهكذا قتل...- وجرح آخرين، لمجردأنهم يرفعون لافتات، لاتعجبهم، ولمجردأنهم يعتزون بعلم كردي، هوالأصل عندهم، في ضمائرهم، ولن يستبدل بسواه، إلا إثراتفاق شعبي عام، إلى جانب أنهم يرفعون علم استقلال، يتم الاتفاق عليه، من قبل الملايين التي صنعت الثورة، ولها الفضل على صاحب البندقية نفسها، في أن يرسم ملامح حضوره من جديد، بعدأن تآمرالعالم عليه، وهوالضحية في الأصل، والمعول الأكبرعليه، في الإنجازات الوطنية والقومية الكبرى،هذه الحادثة، تدفعنا-جميعاً- ومجدداً، لأن نقف في وجه من يحول الثورة عن مسارها، ويلهي الكردي بمشاغل داخلية صغيرة، ما يشكل خطراً على حاضره، وحقه، ومستقبله.
من هنا، فإننا لاننتظرأي تسويغ من أحد لمايتم، لأن الجريمة جريمة، وانتهاك الحقوق بتفاصيلها الصغيرة والرئيسة انتهاك، أياً كان فاعل ذاك، بل إننا لننتظرأمراً آخر، وهوأن يقول أخوتنا هؤلاء، وهم في ذروة ارتباكهم السياسي، والسلوكي:سنعودإلى فيء الأخوة العالي، ولاوقت الآن، لتشخيص كل ماتم-على فداحة الخسارات الباهظة، وعمق الجراحات السحيقة، الأليمة-لاأن نفلسف أخطاءنا، ونصدرفتاوينا إلى العالم بغية إقناعه، وكأن أربعة ملايين كردي، في اجتماع حزبي، وماعليهم سوى الطاعة للقرارالمنزل...أوالفرمان الرباني.....!
إن هؤلاء الأخوة-وهم الأعزاء-وليس لأحد منا ثمة موقف مسبق منهم، نفرح بأفراحهم، ونحزن بأحزانهم، جرحنا واحد، حلمنا واحد، وألمنا واحد، وقضيتنا واحدة، وخلاصنا واحد، هم نحن، ونحن هم، ولكن، لابدَّ عليهم من أن يعترفوا وبصوت عال، مدو، أنهم أخطأوا، فإن ذلك سيرتفع إلى مقام حجم تضحيات هذا الحزب الجسام، عبرسنين طويلة، وليس أمامنا من وقت فائض، للهاث، والتفكيربالخيارات، لأننا فعلاً-ركاب سفينة واحدة-إن غرقت غرقنا جميعاً، بل سكان بيت واحد... سكان ذات واحدة... شركاء روح واحدة... فلنفتح قلوبنا لبعضنا بعضاً، ولنفتح كذلك نوافذ أرواحنا على حب بعضنابعضاً، ولنعلم جميعاً أن من ينقد بدم قلبه، إنماهومعني بنا، وليس مجرد مارق، أفاق، نؤلب صبيتنا البلهاء،لرشقه بالحجارة.....!
شخصياً، وعلى خلاف نبوءات كثيرين، ممن غرقوا في تشاؤمهم، نتيجة متابعاتهم، لما يرتكب-كردياً-من أخطاء فادحة، كهذه، مازلت متفائلاً أن صوت الضميرالكردي، في أي زمان ومكان، لابدأن يعلو، لأن المرحلة حساسة، وخطيرة، فلنقرع جميعاً الأجراس، ونضع أصابعنا على الجرح، مهما كانت ضريبة ذلك...!