دعوة إلى عدم ازدواجية الخطاب النسوي



ليلى فودة ياسين
2005 / 3 / 10

يوم المرأة العالمي وقفة مع الذات!
نحو رؤى مستقبلية لتكثيف النضال ونيل الحقوق والمحافظة على مكانة المرأة

الحاجة إلى الحديث عن مكانة المرأة

يوم المرأة العالمي" الذي يراه كثيرون في العالم مناسبة للحديث عن "تحرير المرأة" ونضالها يجب أن نراه نحن النساء مناسبة للكلام على مفهوم "التحيز" لمكانة المرأة في المجتمع وللنموذج الحضاري الذي تنوي المنظمات النسوية الفاعلة على تبنيه واتخاذه هدفا للمطالبة بتحقيقه.

فعلى الرغم من الاختلافات الواسعة الشقة بين الثقافات والأشخاص والمؤسسات في الاهتمام بهذا اليوم، فإن القاسم المشترك للجميع هو التواضع على أهمية قضايا المرأة وعلى كل صعيد، على الرغم من ان وضع المرأة ومكانتها الاجتماعية في أي مجتمع أو دولة أو أمة يعتبر مقياسا لمدى تطور وانفتاح ذلك المجتمع فمن خلال التعامل مع القضايا التي تخص المرأة، نكتشف مدى التطور الثقافي والحضاري لكل مجتمع في مجال النمو الإنساني والتقدم.



بدايات الثامن من آذار

تعود جذور ما سمي "يوم المرأة العالمي" إلى القرن الـ19، على خلفية "الثورة الصناعية" التي شهدتها أمريكا وأوروبا، حيث تزامن ذلك مع نمو الحركات العمالية والنقابية الجماهيرية ردًّا على تعميق استغلال العمال. لم يكن هدف هذه الحركات تحسين ظروف العمل فحسب، بل تحويل العمال والعاملات إلى قوة سياسية، لذلك كان التركيز في نضالها على "حق الاقتراع للطبقة العاملة". على خلفية كون الأغلبية الساحقة من العاملين في فرع النسيج (في أمريكا) من النساء جعل لهن دورًا مهمًا في تحديد ساعات العمل. حيث تحول هذا المطلب الى الشعار الرئيسي الذي تصدّر شعارات الأول من أيار(عيد العمال العالمي) الذي احتُفل به لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1886. لقد لعبت المظاهرات دورا مهم في طرح "مشكلة المرأة العاملة" على جدول الأعمال اليومية؛ فالمظاهرة الأولى للعاملات كانت في 1857 بنيويورك، حيث خرجت عاملات النسيج احتجاجًا على ظروف عملهن. بعد 50 عامًا من المظاهرات خرج في 8 آذار 1908 ما يقارب 15 ألف عاملة بمسيرة في نيويورك، تطالب بخفض ساعات العمل ورفع المعاش، ووقف تشغيل الأطفال، وحق الاقتراع. وكان شعار المظاهرات المركزي "خبز وورود".

من جهة ثانية ترافقت هبة النسوة مطالبة بحقوقهن نموا للحركات النسائية (في الولايات المتحدة) وخاصة بين النساء من الطبقات الوسطى حيث رفعن شعارات تطالب بحق المرأة في المشاركة بالحياة السياسية، وأولها كان حق الاقتراع، وكان اسم هذه الحركات "سوفراجيستس" (suffragists) وتعود جذورها الى فترات النضال ضد العبودية، ومن أجل انتزاع حق الأمريكيين الأفارقة بالمساواة. ولكن منعت النساء اللواتي شاركن في هذه الحركات من الخطاب من أجل "حقوق السود"، لكونهن نساء قمن بتشكيل حركة نسائية للمطالبة بحقوق المرأة أيضًا.

فكرة "الاحتفال" تحسب لائتلاف المنظمات النسائية الذي قرر عام 1908 الاحتفال بيوم المرأة في يوم الأحد الأخير من شهر شباط، وكان أول يوم للمرأة احتفل بيه في 23-2-1909.

كذلك أوروبا لم تكن بعيدة عن هذه التغييرات، ففي 1910 سافر وفد نسائي أمريكي للمؤتمر الثاني للنساء الدمقراطيات الاشتراكيات في كوبنهاجن (الدانمارك) حيث تم الاتفاق على تكريس يوم للمرأة العالمي، وكان الجو مهيأ لإعلان عن مثل هذا اليوم خاصة بعد نجاح يوم المرأة في الولايات المتحدة. لكن الاحتفال بيوم المرأة العالمي في 8 آذار تم في 1913، وبقي هذا التاريخ رمزًا لنضال المرأة.

كتبت كلارا تسيتكين (رئيسة تحرير مجلة العاملات "مساواة" منذ عام 1892 التابعة للحزب الاشتراكي الدمقراطي) "إن هذا اليوم يجب أن يكون له مضمون أممي"، وكان المؤتمر النسائي الاشتراكي في ألمانيا عام 1906 قد وجه نداء للنساء الاشتراكيات في كل أنحاء العالم للاحتفال بيوم المرأة العالمي كل عام، يوم الثامن من آذار يوم المرأة.

المرأة العربية في البلاد إلى أين

تجد المرأة العربية في البلاد نفسها اليوم في وضع لا تحسد عليه كابنة الأقلية العربية في البلاد او كجزء من العالم العربي المحيط وحضارته. كما وتجد نفسها داخل لغط حضاري محلي وعالمي يدور حول المرأة، يدعو الى الانتباه ومراقبة الحركة الثقافية والفكرية العربية المعاصرة، في محاولة جاهدة للبحث عن هوية مستقلة للمرأة بمعزل عن أعراض الغزو الثقافي، وبمنأى عن التصور الحضاري الديني!. ان وجودنا في هذا البلاد كاقلية قومية لها خصوصيتها وضع المرأة العربية في مأزق خطير فالخطاب النسوي المزدوج الذي فرضته الظروف الواقعية علينا جعل القضية، الإنسانية والقومية، تتقدم على القضايا النسوية مثل رفع مكانة المرأة والمساواة التامة من ناحية ثانية نسينا أن المرأة جزء من مجتمعها العربي ولا يمكنها بحال من الأحوال أن تجد لنفسها موطئ قدم على الساحة الحضارية العالمية اليوم خارج إطار الثقافة الحضارية العربية، كما لا يمكنها أن تحمل أعباء ومسؤولية هويتها على الصعيد الفردي أو الاجتماعي دون الانفتاح على حضارة الآخر ومن هنا جاء التعاون الحثيث مع القوى التقدمية اليهودية والحركات النسوية الناشطة في الوسط اليهودي وخاصة المجموعات التي تؤمن بالحاجة الى التعاون مع الآخر من اجل مستقبل افضل للجميع مجموعات آمنت انه بالنضال المشترك بالامكان للمرأة ان تنال حقوقها وتحسن ظروفها المعيشية. هذا يعني بدوره تحقيق معادلة صعبة في حياتنا نحافظ من خلالها على انتمائنا دون تقوقع وتعصب، وننفتح في ذات الحين على الثقافات الأخرى دون ذوبان أو تفكك، كي يكون بمقدورنا أن نتميز بدور لائق بمتطلبات مجتمعها وبالوجهة التي اخترناها لأنفسنا كأناس فعالين يسعون الى رفع مكانة المرأة اننا نرى ان التعاون بين القوى العربية واليهودية امرا مهما لا يجب التنازل عنه.

تغييب ام تجهيل

تتعامل وسائل الاعلام المختلفة مع قضايا المرأة بين التغييب والتجاهل ولكن من جهة ثانية تغمرنا شاشات الاعلام المرئي والمقروء والمسموع بنساء يراوحن بين الجهل والفقر والتخلف، والغنى الفاحش والأطروحات الاستهلاكية ودائمًا نرى الاعلام بشكل عام يرتبط بالوضع الأول بالزواج والأمومة والتمسك بالأطر الاجتماعية الثقافية حتى أدبنا، لا يخلو من نقل مسلمات فنجد المرأة المنفردة و"المرونة الأخلاقية" التي تؤدي إلى نمط سلوك ينتهي بالانفلات عن القيم المتعارف عليها في مجتمعاتنا! وكثيرًا ما ترتبط الأدبيات العربية بالبحث عن الذات وخلع كامل لرداء الأنوثة ورفض عنيف لمهامها ومتطلباتها، وحرق غير منطقي لكل المبادئ والأعراف الرديء منها والجيد، الصالح منها والطالح على السواء .

إننا مدعوُّون إلى العمل الحثيث لإخراج المرأة العربية مما هي فيه اليوم من ضياع لمطالبها الأساسية على منهج سليم يستند إلى ثوابت واضحة، لا تعتمد على الافكار المنقولة، والتي لا نفهم منها إلا الظواهر المنقوصة المموَّهة. ينبغي علينا في هذا السياق أن نمتلك الجرأة والقدرة على فتح الملفات كلها، وإعادة النظر في ميراثنا الهائل في كافة المجالات ومحاولة قراءته قراءة عصرية بعين الناقد البصير لا بمنظور الجهل المركب، والأمية المزدوجة، والتهور الأحمق.تقدم آم تقهقر!

لا بد من وضع خطوط لافتة للنظر تحت موضوعات قد انغمسنا في ترديدها، والخوض فيها دون التوصل إلى حلول ترضي وتناسب متطلبات المرحلة. كقضايا التعليم ، والعمل، والحرية الشخصية، وتمثيل المرأة في مواقع القرار وان لا تبقى ديكورا او مصفقا. يجب ان تاخذ المرأة موقعًا اكبر في المؤسسات التي بيدها القرارات يجب ان تتوقف عن كونها اداة يتجمل بها السياسي في محاولة لكسب التاييد الأوسع ويستغلها الى حين وعندما يصل الى مبتغاه والى موقع القيادة يتناساها ويصم اذنيه عن مطالبها الحقة.

من جهة ثانية أثبتت المرأة، قدرًا لا يستهان به من النمو والموازنة بين الحفاظ على الهوية والتلاؤم مع خطاب العصر، وتخفيف حدة الجدل الاجتماعي والديني القائم بين دعاة التقوقع من جهة وعدم الاعتراف بالواقع، والى دعاة اعطاء المرأة الحرية غير المشروطة، بحيث أوجدت صيغة ما للخروج من هذه الأزمة، وذلك على الرغم مما تعانيه. فهناك ثلاث أولويات أساسية للمرحلة القادمة:

أولا: عدم ربط قضية اخذ المرأة العربية لمكانتها بتحقيق النموذج الجاهز الذي تطرحه العولمة على شعوب العالم اليوم.

وثانيا: أن نعمد إلى دراسة جادة حول واقع المرأة في بلادنا خاصة لان الامر بات يعد ضرورة ملحة لحماية المرأة ومكتسباتها.

ثالثا: يجب الفهم أن كرامة المرأة قضية ترتبط بشكل مباشرة بحرية وكرامة الإنسان ولا يمكن فهمها إلا في إطار نهوض المجتمع كله رجالاً ونساءً وأطفالاً، والخروج من قوقعة الخوف وسراديب العادات والتقاليد العفنة.

فنحن مطالبون في يوم المرأة العالمي بل وفي سائر أيام السنة بالعمل على نصرة المرأة، وعلى رفض فصل قضية المرأة عن قضية حقوق الإنسان وحرياته، وأن ندرك جميعا أن قيمـة الإنسـان لا ترتبط بكونه ذكرا أو أنثى، ولكنها تكمن بمكونات شخصيته الذاتية، فيما ينجزه في الموقع الذي هو فيه، وتكمن في مدى قدرته على توظيف ما لديه من كفاءات، ليساهم في العطاء على كل الصعد.

وقفة مع الذات بين طرحين:

تجد المرأة نفسنا اليوم في وضع لا نحسد عليه وسط هذا اللغط الحضاري العالمي الذي يدور حول المرأة، القضية، ضانين في ذلك التحضر والتقدم وحفظ الأطر الإنسانية القومية، وقد نسينا أن المرأة العربية لا يمكنها بحال من الأحوال أن تجد لنفسها موطئ قدم على الساحة الحضارية العالمية اليوم خارج إطار الثقافة الحضارية الوطنية كما لا يمكنها أن تحمل أعباء ومسؤولية هويتها على الصعيد الفردي أو الأسري أو الاجتماعي أو حتى العالمي دون الانفتاح على الحضارة الغربية؛ وهذا يعني تحقيق معادلة صعبة في حياتها تحفظ من خلالها أصالة الجذور دون تقوقع وتعصب، وتنفتح في ذات الحين على الثقافات والحضارات الأخرى دون ذوبان أو تفلَّت؛ لتستطيع أن تتميز بدور لائق بمتطلبات هذه الأمة وهذا العصر كامرأة وكإنسان وكعضو فعال في مجتمعها. يجب اليوم السعي الى وضع خطوط لافتة للنظر تحت موضوعات انغمسنا في ترديدها، والخوض بها دون التوصل إلى حل يرضي الجميع ويناسب ومتطلبات المرحلة.



تقدم ام تقهقر

يأتي اليوم العالمي للمرأة لهذا العام (2005) بينما تتصاعد معدلات العنف ضد المرأة في جميع مناطق العالم دون تمييز واستعباد جنسي للمرأة، ولكن ذلك لا يعني قطا أن يكون مبررًا لما يمارس من سحق لإنسانيتها واستعبادها النفسي للفتاة والمرأة. بزعم ضرورة حماية المرأة من المجتمع ومن نفسها!



اننا في مرحلة تشهد على ان التعامل مع القضايا الملحة للمرأة على كل الصعد يتم باستحياء كما وان هناك قوى دخلوا على خط المواجهة مع مطالب ومطامح المرأة العربية. ان برنامج تلك القوى لا يخدم مصالح وأمنيات المرأة العربية بل يتعدى عليها ويرى بان عدم مساواة النساء ممارسة غير مستهجنة. ان 8 من آذار يعد رمزاً لنضال المرأة لنيل حقوقها، وهو رمز لنضال المرأة في كل مكان. وهو تاريخ مجيد وطويل في كل العالم حيث ان الحركة النسوية والتحررية وطوال الأعوام المنصرمة خلدت هذه المناسبة ونظمت بحلولها حفلات ومظاهرات خاصة وصاخبة تطالب بحقوق المرأة وبتحررها وبمساواتها مع الرجل فمن واجبنا ان نخلد هذه المناسبة اليوم وننطلق منها بغية بناء الحركة النسوية على أسس ووفق برنامج واقعي وتحرري لتطوير تلك الحركة وسد أفكار وسياسات وممارسات القوى والجهات التي تحاول بشتى الوسائل النيل من المرأة واستغلالها وتقييدها بقيود أبوية وعشائرية ودينية وتدوين وشرعنة ذلك في القوانين. نحن كحركة نسوية لها باع طويلة في النضال نجد بان التحقيق الكامل لمطالب المرأة وتحررها النهائي وحصولها على المساواة الكاملة في الحقوق مرهون بتحقيق السلام العادل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الى جانب دولة إسرائيل وعاصمتها القدس الشريف ، ولذلك فاننا نخوض نضالا خاصا ودءوبا في الحركة لينال كل صاحب حق حقه. من جهة أخرى نرى ان اليوم العالمي للمرأة ياتي هذا العام (2005) بينما تتصاعد معدلات العنف ضد النساء في جميع مناطق العالم دون تمييز فلذلك يجب ان تتكاتف الجهود لحماية المرأة من كل أنواع العنف ويجب أن تتضافر الظروف والجهود لقلع هذه الظاهرة من جذورها. والعمل سوية هو وسيلة لحل قضايا المرأة.

ولكن يجب ان نعلم ان الحركة النسوية لا تقتصر على حركة النساء الدمقراطيات بل نجد ان هناك حاجة لكي تشارك كافة القوى والاطراف السياسية والشخصيات النسوية والتعاون من اجل رفع مكانة المرأة إننا نؤمن بمد يد العون والتضامن مع الذين يخدمون قضية المرأة وقضية تحررها ومساواتها.

إن الثامن من آذار يوم نضال. وعلى المرأة العمل على تكثيف دائرة القوى التي تسعى الى دعم مطالب المرأة، فعبر النضال المنظم والمبرمج، نتمكن من الوقوف في وجه السياسة المنفلتة للحكومة والتي تهدد بالأساس حقوق المرأة التي اكتسبتها عبر سنوات من النضال المستمر، ندعوكم في 8 من آذار الى خوض نضال شامل وموحد في الظرف الراهن لنتقدم إلى الأمام لتشكيل صف جديد يساعدنا على توجيه قوانا من اجل عدم المساس بحقوقنا ونيل المكانة التي نستحقها في التمثيل السياسي المناسب. نحن مطالبون في يوم المرأة العالمي بل وفي سائر أيام السنة بالعمل على النضال والسعي من اجل المرأة، وعلى رفض فصل قضية المرأة عن قضايانا الاجتماعية والسياسية. كذلك يجب أن ندرك جميعا أن قيمـة الإنسـان تكمن في مدى قدرته على توظيف ما لديه من كفاءات، ليساهم في العطاء على أي صعيد وفي دفع مكانتنا الاجتماعية والسياسية.

(طمرة)