بناتنا بين مطرقة العنوسة وسندان الزواج الفاشل



عصام عبد العزيز المعموري
2012 / 11 / 27

بناتنا بين مطرقة العنوسة وسندان الزواج الفاشل

- معهد إعداد المعلمين – بعقوبة

لا أزال أختزن في ذاكرتي مقولة طريفة للفيلسوف ( سقراط ) يشجع فيها الشاب على الزواج بقوله : (عليك السعي طلبا" للزواج بشتى الطرق فان حصلت على زوجة جيدة فستصبح سعيدا" وان حصلت على زوجة رديئة فستصبح فيلسوفا" ) فهل أن الزواج الفاشل يقود الفرد حقا"إلى حقل الفلسفة ؟ هل هذا يعزى إلى تراكم الخبرات في الحياة الزوجية التي كتب لها الفشل وأصبح فيها الطرفان يحسبان ألف حساب قبل الشروع في تجربة زواج جديدة ؟
وفي الوقت الذي يشجع فيه ( سقراط ) على الزواج بغض النظر عن نتائج هذا الزواج هنالك قول آخر يقف في الطرف الآخر مفاده : ( لا تحزن إن فاتك قطار الزواج فلأن يفوتك القطار خير من أن يدهسك ) وأيا" كانت وجهات النظر فإننا أمام ظاهرة لا يمكن تجاهلها فرضت نفسها بقوة على الرأي العام وتتطلب دق ناقوس الخطر تجنبا" لما لا يحمد عقباه .. إنها العنوسة التي وصلت أرقام من اتصفن بها إلى مؤشرات تثير التساؤلات تشخيصا" ووقاية وعلاجا"
كثيرة هي أسباب العنوسة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ومنها اطلاع المقبلات على الزواج على تجارب زميلاتهن المتزوجات وهن يرين تعاسة البعض منهن .. فللزوجة في مجتمعاتنا أدوار عديدة يجب عليها القيام بها .. فدورها الأول هو الطاهية التي يجب أن تجيد كل فنون الطهي ويجب أن تنافس مطبخ ( منال العالم ) لتحظى بقلب الزوج تأكيدا" للمقولة الشهيرة (أقرب الطرق إلى قلب الرجل معدته ) ودورها الثاني هو الحميمية التي تشبع غرائز الزوج ولا تدعه يفكر بإشباعها خارج إطار الزوجية ولتحقيق ذلك التواصل يجب عليها أن تتفنن في الحصول على وجه مشرق أخاذ وبشرة نضرة تسر الزوج فتراها تتابع بشغف ( جمالك سيدتي ) في أغلب وسائل الإعلام لعلها تحظى بقوام ممشوق يضاهي قوام ( هيفاء وهبي ) أو ( نانسي عجرم ) أو ( ميريام فارس ) أو غيرهن .. وفي مقابلة مع الفنان ( فؤاد المهندس ) قال بسخرية( اللهم عجرم نساءنا ) نسبة الى ( نانسي عجرم ) . ودورها الثالث يتمثل بإجادة فن الإصغاء للزوج المحمّل بهموم العمل والحياة والتفاعل الايجابي مع تلك الهموم وغير ذلك من الأدوار يضاف إليها أدوار أخرى ان كانت موظفة .. وكل دور من هذه الأدوار له متطلباته ومقومات نجاح ويفرض على المرأة تأهيلا" يصعب الاستعداد له .
ولو أردنا إيجاز أسباب العنوسة في مجتمعنا يمكن ذكر ما يأتي :
1- طموح البعض من فتياتنا لإكمال دراستهن العليا :
بعد أن تكمل الفتاة دراستها العليا تجد نفسها في هوة مع الآخرين حيث يرتفع لديها ما يسمى بمفهوم الذات الذي يعني فكرة المرء عن نفسه حيث ترى نفسها أفضل من الآخرين ممن يحملون شهادة أدنى إضافة إلى أن عمرها قد شارف على الثلاثين الذي يبدأ فيه الإقبال على الزواج من الإناث يتدنى حيث أن الذكور يفضلون ممن هن بين العشرين والثلاثين وربما أقل من ذلك وفي تعليق لأستاذة جامعية سعودية تحمل لقب الأستاذية ممن فاتهن قطار الزواج قالت بحسرة : خذوا كل شهاداتي وألقابي العلمية وأعطوني زوجا" وأولاد .
2- رغبة الرجال بالزواج من موظفة :
يفضل أغلب الرجال إن لم نقل جميعهم الزواج من موظفة لمواجهة متطلبات الحياة العصرية وما تتطلبه من نفقات .. في الوقت الذي أصبح فيه الحصول على وظيفة للرجل والمرأة حلما" يصعب تحقيقه .
3- انتظار فارس الأحلام من قبل الفتاة : تحلم بعض فتياتنا برجل وسيم وغني وذي ذكاء لماح ويمتلك مواصفات يندر وجودها ورفضها كل المتقدمين الذين تنقصهم تلك المواصفات ..فترفض هذا لأنه طويل أو قصير أو أصلع أو أنفه كبير ... فمن أين لنا أن نوفر لها (مهند ) جديد ليتزوج (نور ) ويعيش ( في ثبات ونبات ) !
4- عدم قبول الفتاة بالمتزوج من امرأة أخرى
5- طمع الآباء في مرتبات بناتهم وتأخير فكرة الزواج مما يؤدي إلى ضياع الفرصة منهن
6- الرفاهية الزائدة للبنات التي تؤدي إلى عدم التفكير بالزواج وتحمل مسؤوليته .
7- البطالة وعدم توفر فرص العمل لدى الكثير من الشباب
8- عقدة الأفكار المسبقة : تحكم الكثير من فتياتنا على المتقدمين لها قياسا" بتجارب زميلاتها في العمل أو الدراسة وهذا أمر خاطئ فلكل تجربة خصوصيتها التي لا يمكن أن تقارن بغيرها .
9- المهور الكبيرة التي يطلبها أولياء الأمور
10- إصرار بعض الأسر على تزويج أبنائها من صغيرات السن إضافة إلى رغبة الرجال بالزواج من صغيرة مطيعة لينة بين يديه ولا يفضل امرأة تعتد بشخصيتها ، فالرجل الشرقي يريد حبيبة بعقل أوروبي وزوجة بعقل شرقي .
11- التفكك الأسري : إن التفكك الأسري يجعل المرأة تكره الرجال لا شعوريا" لأن ذلك سوف يخزن في العقل الباطن أو اللاوعي فتتصور أن كل الرجال نسخة من أبيها أو أخيها .
هذه بعض من أسباب تأخر الزواج أو العنوسة لدى فتياتنا وان ناقشنا نتائج تلك الظاهرة فلها آثار نفسية واجتماعية وغير ذلك ، فبعد سن الأربعين يكون الحمل والولادة مسألة فيها نوع من المجازفة لأنها تتعلق بالهورمونات والأطفال والتشوهات الخلقية ، إضافة إلى أن المرأة العانس بعد الأربعين تصبح حادة المزاج وحساسة وتسيء الظن بالآخرين ، وتشعر بالغيرة والحسد من الأخريات وتشعر غير الموظفة بأنها أصبحت خادمة في بيت أهلها أو بعد موت والديها لدى أخوانها وزوجاتهم ، وتكون معرضة للقسوة والاضطهاد وعدم التعامل الحسن وقد تضطر إلى التنقل بين بيوت أخوتها لعدم تقبل المجتمع الشرقي لامرأة تسكن وحدها .
أما علاج تلك الظاهرة فيكمن في ضرورة إدراك كل من الرجل والمرأة أن الإنسان الكامل لا وجود له وان الجمال هو جمال العقل والروح وان مسألة الجمال مسألة نسبية فمن يعتبر جميلا" في نظرك يعتبر قبيحا" لدى الآخرين وبالعكس ، وقال سيد الكائنات محمد (ص) : (من أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) وضرورة عدم التدليل الزائد للأبناء والبنات والتربية الصالحة لهم وتوعيتهم بأن الحياة قصيرة فلا تقصروها بالهموم وعدم استبعاد فكرة زواج البنت إثناء دراستها فهنالك العديد من التجارب الناجحة لفتيات كن متفوقات في دراستهن وناجحات في زواجهن .
ان العنوسة لا تعني تعاسة فكم من المتزوجين يحسدون العزاب ويتمنون حياة العزوبية وقديما " قال شاعر ( كل من تلقاه يشكو دهره .. ياليت شعري هذه الدنيا لمن ) فالمتزوج متذمر والأعزب متذمر .. فمن هو السعيد إذن ؟ قال ( ص) : ( من بات آمنا" في سربه معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها) هذا هو تلخيص بليغ لأسباب السعادة : أمن ، عافية ، قوت يوم ، وتبقى الفجوة بين الامتلاك ، والرضا بين ما لدى الإنسان وما يريده.