دوامة العنف: المرأة و الشرف



شهلا كعبي
2012 / 11 / 29

في البحث عن أسباب تعنيف المرأة في المجتمع الاهوازي نري إن موضوع الشرف و بكل فروعه و تفاصيله ، و بما فيه مفهوم الرجولة، يکون السبب الرئيسي في استغلال المرأة واضطهادها. فرغم إن عوامل أخري مثل ضعف القوانين وغياب المؤسسات المدنية تلعب دورا مهما في تكوين هذا الواقع الدوني لكن تبقي قضية الشرف هي القاعدة لكثير من الاضطهادات ضد المراة.
فحرصا علي الشرف تسلب من المرأة سلطتها علي جسدها وحياتها ومن ثم فتح الطريق لمزيد من التحكم بالمرأة. الطفلة تدخل عالم المحرمات قبل أن تدرك إنها أنثي والمرأة تبقي أحيانا طفلة من حيث الفكر والشخصية حتى نهاية عمرها لان لم تتح لها الفرصة لكي تتعرف علي نفسها و قدراتها! فكلما أرادت أن تخطو خطوة أو أن تجرب شيئا قالوا لها أنتي أنثي ما أدراك بأمور الدنيا ... وفي الاخير لا تجني سوي مزيدا من الأضرار النفسية والجسدية والكبت و الحرمان.
وكأحدي أثار هذه المضايقات وأخطرها يمكننا الإشارة إلي موضوع انتحار الفتيات. هذه الظاهرة أصبحت تتوسع شيئا فشيئا في المجتمع وربما يمكننا القول إنها أصبحت البديلة لجرائم الشرف التقليدية.
في الصيف الماضي حصلت ثلاثة حالات انتحار للفتيات في مدينة تستر ناهيک عن الانتحارات الفاشلة وباقي الانتحارات التي رقمها غير مسجل! و أخر ضحية التي سمعت عنها هي ذکية التميمية البالغة من العمر 16 سنة (الاسم يكون حقيقي، فلا داعي للتستر عن هذه الجرائم) في منطقة الشعيبية. هذه الفتاة شنقت نفسها يومين قبل عيد الفطر وفي أول قصة التي ألفتها أسرة الضحية ادعت بعدم علمها ودهشتها لأسباب هذا الانتحار لكن الفحوصات الطبية أثبتت زيف هذه الادعاءات بحيث آثار الضرب والجرح كانت موجودة علي كل أنحاء جسدها.
ففي اغلب حالات الانتحار، العنف المتكرر المستخدم ضد الفتاة يكون السبب الرئيسي للانتحار، كما هو الحال في موضوع فاطمة كرملا كعب، فانتحرت هذه الفتاه بحرق نفسها عندما قام أخاها بضربها في صباح يوم الحادثة...و من يعلم ربما حرقوها ومن ثم ألفوا قصة الانتحار.
فالتعاملات الأخوية الغير حنونة والنظرات الأبوية الحاقدة ونصائح الأم الداعية للتقليل من الخروج والحيوية والتكثير في تحجيب الجسد و الصوت و ..الخ كلها تؤدي الي حدوث هذا النوع من الانتحارات.
و الاخطر في الامر فان هذه الجرائم لا تقتصر علي البيئات التقليدية فحسب و انما هناك عدة حالات التي المنتحرة تكون بنت جامعية و تنتمي الي بيئة متعلمة ( عائلة متعلمة نسبيا" و زوج جامعي...) لكنها تقدم علي الانتحار بعدما يرهقها و يتعبها الصراع اليومي مع العقليات الذكورية الظالمة الموجودة حولها!
فوجود مثل هذه الحالات و العقليات في مجتمعنا و في هذا العصر الزمني يكون مخزي و مخيب للامل جدا. فكفائنا تعذيب أنفسنا و اسرنا و اضطهاد الصغيرات و البالغات خوفا من الآخرين او باسم العرف و التقاليد! ففي الأخير لا يخسر احد سوانا.
فقرونا و إننا منهمكين بحماية هذه الأعراف و التقاليد . جيلا وراء جيل نوصي أبنائنا بالك إننا عرب و أهل شرف و غيرة!!!. و بلاخير ما جنينا شيئا" سوي الجهل و الصراع و الكذب .
فكلنا يعلم مدي كذب الادعاءات التي بعض رجال الشرف يهتفونها ! فخلف الكواليس يهتكون كل الأعراض و الحرمات و لا زوجة قريب أو أخته أم ابنته الصغيرة تسلم من تحرشهم و لا زوجة أخ أو زوجة ابن، و في ساعة الهتافات كل هولاء المجرمين و المرضاء يصبحون أهل شرف و غيرة و دين و وطن! متناسين تماما أفعالهم الملوثة و مضايقاتهم لأقرب الناس إليهم!
شابة سوسية تروي هكذا معاناتها مع العنف الجنسي الناتج من العقلية الذكورية قائلة:
“زوجي يخدم بالعسكرية في مدينة أخري وأنا أعيش مع أهله، لكن دائما والد زوجي يتحرش بي و يحاول اغتصابي وبعد فشل محاولاته وهروبي إلي الأهل (في كل مرة) دائما يخرب بيني وبين زوجي وأكثر من مرة نعتني بالعاهرة أمام الكل ( لكي يمهد الطريق لتكذيب قصتها إذا نطقت!) و يحرض زوجي علي ضربي وإني لا املك خيارا سوي الصبر والتحمل لان لا احد سيصدق قصتي عن هذا الرجل فانه من خيرة الرجال عند قبيلته.
فلنصحي من النوم و الجهل فهذا هو الشرف الذي تقتل و تعذب نسائنا و بناتنا من اجله! شرف رجال القبيلة! الرجال الذين في ساعة الشهوة لا الإخوة و لا الدين و لا الغيرة و لا عيون الأشقاء ما تمنعهم أحيانا من إلحاق الأذية بمن محسوبات كأخواتهم و بناتهم عليهم. و طبعا و بهذا الكلام إني ما أهدف إلي التقليل من شان القبليين من الرجال! فهذه الأمراض النفسية و الجنسية ليست لديها علاقة خطية مع قبلية الشخص و مستواه التعليمي . إنما المغزى من هذا الكلام هو إن الحياة القبلية والثقافة الذكورية الموجودة في مجتمعنا أصبحت غير أمنة للمرأة وأنها تكون أهم مصادر العنف الجنسي ضد المرأة. و صحيح إن قلما تتجرأ المرأة علي البوح بهذا النوع من الاضطهاد الخفي لكنه موجود ومنتشر كثيرا في بعض البيئات. و لوكان الزوج ام الاب او الاخ اكثرا اقترابا و حنانا مع المراة بالتاكيد لحكت نسائنا قصصها وزالت الغبار عن كثير من الحقائق المولمة.
فيا تري من يكون الأهم والأكثر أخلاقيا؟ شرف المرأة أم شرف القبيلة؟ وهل نريد أن نغش أنفسنا في هذه الحالة أيضا و ننكر وجود هذا الأمر و نغمض اعيننا عنه بارادة منا! بأي ثمن...حياة المرأة و سعادتها و كرامتها!.
فقليلا من التدقيق في قصص اكثر الضحايا تبين لنا و بوضوح مدي تشويه مفهوم الشرف في النظام القبلي . و طبعا المراة وحدها تدفع ثمن هذه التناقضات و تكون الضحية ! مرة دفاعا عن شرف رجال القبيلة ومرة أخري ينهاك شرفها و تعنف جنسيا و جسديا علي يد رجال القبيلة. و هكذا دوامة من العنف ترتكب ضد المرأة. فأين العدل وأين الضمير الإنساني؟
ولماذا البعض من النخب يختارون السكوت أمام هذه الجرائم وبالمقابل يعارضون تحرير المرأة؟ في حين تحرير المرأة الجسدي هو الضمان الأفضل لصيانة شرفها وبلوغها الفكري! فما هذه الأكاذيب التي باسم الدين والتقاليد تحث المرأة علي التأقلم مع الوضع والحفاظ علي كيان الأسرة و الهوية؟ فماذا قدمت الثقافة التقليدية للمرأة و حتى للرجل؟
فموضوع تحرير المرأة وفي صميمه لا يهدف إلي تغيير المعتقدات الدينية أم القومية وإنما يهدف إلي مساعدة الإنسان بوجه عام والمرأة بوجه خاص لبناء شخصيتها وفكرتها لكي تتمكن من الدفاع عن نفسها ولا تضعف أو تسكت أمام اعتداءات الآخرين ولهذا لابد من دعمه وتحقيقه في المجتمع. فلا مستقبل لنا من دون تحرير المرأة.
فكيف نريد من الآخرين أن يتنازلوا عن أساطيرهم العنصرية وأوهامهم الوطنية وينظرون إلي ما جريت من استفتاءات في ايرلندا وكاتالونيا وبالتالي يحترمون حقوقنا الإنسانية ومن ضمنها حقنا في تقرير المصير ونحن غير قادرين علي أن نساوي بين الأخت وأخيها. نقتل البنت(جسديا أم نفسيا) إذا أقامت علاقة مع حبيبها لكن نبيع اراضينا و اموالنا (لدفع الفصل)و نقدم كل ما بوسعنا حتي ننقذ حياة ابننا إذا قام علاقة مع فتاة ! فكلاهما عاش نفس الرغبة والتجربة ...اذن لماذا التبعيض و بهذا الحجم المخيف!!...لنقيم هذه الاستفتاءات في أسرنا و نري ما رأي المرأة حول تحريرها من الاستعمار ألذكوري وسلطتها علي جسدها!.
إذن فلنشعر بالقليل من المسئولية والحب والحرص تجاه مجتمعنا ومستقبل شعبنا ولا نستخدم علمنا لإعطاء المشروعية للتخلف و الجهل والقتل والاغتصاب.
فالمطلوب من المرأة أن لا تدع هذا الخطاب الماكر (باسم الدين أم العرف أم الوضع السياسي) يخدعها وإنما تستخدم كل الإمكانات المتوفرة لديها للدفاع عن نفسها وكرامتها وحريتها. ومن ضمن هذه الأدوات هي الرجوع للمحكمة ورفع شكوى ضد المعتدين عليها ومهما كانت قرابتهم لها. . فبالتأكيد الرجل المتخلف ما يغير تعاملاته مع المرأة و لا يقبل بحرية المرأة إلا إذا المرأة أرغمته علي ذلك. فقد آن الأوان لكي نسقط القدسية عن موضوع الشرف المتعلق باجسادنا و نضعه ضمن حريات المرأة. و هذا الشيء يكون جدا طبيعي و من حقنا. فجسد المرأة شانها و خارطتها وحدها و لا وصاية لا حد علي جسدها و بالتأكيد إنها احرص و ادري من الرجل علي سلامتها النفسية و الجسدية.